في أول مُحاضرة لمغربي في جامعة "برينستون" الشهيرة بولاية نيوجيرسي الأمريكية، تطرق الدكتور سمير بنيس، المستشار السياسي والخبير بملف الصحراء، لموضوع قلما تتم مناقشته بمدرجات الجامعات الأمريكية، ويهم نزاع الصحراء المفتعل، حيث كانت المحاضرة فرصة لتسليط الضوء على معطيات وكواليس هذه القضية الوطنية. بنيس بدأ محاضرته بالحديث عن تاريخ الصحراء المغربية الذي تعرض للتحريف وتغيير الحقائق القانونية والسياسية، حيثُ استحضر مثال المنظمات الغير حكومية وحتى الأممالمتحدة التي لا تبني أحكامها على الحقائق الكاملة المحيطة بالملف. وفي هذا الصدد ذكر سمير بنيس بأن الجدول الزمني الذي وضعته الأممالمتحدة لتاريخ الصحراء يُغَيب ثمانين سنة من التاريخ، (من 1885 إلى 1963)، وهي الفترة التي عرف فيها النزاع حول سيادة الصحراء تطورات جوهرية لا زالت تلقي بظلالها إلى اليوم. وأعاب بنيس على منظمة غير حكومية، ترصد أنشطة مجلس الأمن وهي منظمة Security Council Report، تشويهها للحقائق، حيث أن تاريخ الصحراء بالنسبة للمنظمة المتواجدة بنيويورك لم يبدأ حتى سنة 1973. المحاضر المغربي فند الإدعاءات التي تقول إن الصحراء كانت إسبانية، مؤكدا أن إسبانيا لم يكن لها أي تواجد قانوني على الأراضي الصحراوية، مستنداً في ذلك على الاتفاقية التي وقعها المغرب مع المملكة المتحدة في شهر مارس سنة 1895، والتي تُقر فيها بريطانيا بمغربية الصحراء. وأكد المحلل ذاته أن الاتفاقيات الموقعة بين المغرب وبعض القوى الأوروبية والسجلات الاستعمارية تظهر أن الصحراء كانت تنتمي إلى السيادة المغربية قبل وقوع المغرب تحت الاحتلال الفرنسي والاسباني، مشيرا إلى الاتفاقية الموقعة بين المغرب والمملكة المتحدة، والذي اعترفت فيه هذه الأخيرة بسيادة المغرب في الصحراء. "اعترفت الاتفاقية الموقعة بين المغرب والمملكة المتحدة في عام 1895 أن الأراضي بين كاب جوبي (المنطقة القريبة من طرفاية) وكاب بوجدور (الأراضي المتنازع حولها )، ينتمي إلى المغرب. ومنذ ذلك الحين حتى عام 1904، عندما وقعت المملكة المتحدة اتفاقاً مع فرنسا، اعترف البريطانيون والفرنسيون والاسبان بأن هذه الأراضي كانت تحت السيادة المغربية. واسترسل "عندما قبلت المملكة المتحدة مبدأ الحماية الفرنسية والإسبانية على المغرب، أصرت بوضوح في المادة 3 من الاتفاق السري الذي وقعته مع فرنسا أنه لا يمكن لإسبانيا القيام بأي عمل من شأنه أن يغير ملامح سيادة الأراضي الموجودة في منطقة نفوذها". وذكر بنيس بنقطة التحول التي وقعت في نفس السنة، والتي تسببت في وقوع الصحراء تحت السيادة الإسبانية، لافتا في هذا الصدد إلى الاتفاق الذي وقعته فرنسا وإسبانيا في أكتوبر 1904 حول تقسيم مناطق نفوذهما في المغرب. "بحكم الاتفاقية الفرنسية والإسبانية لأكتوبر عام 1904، منحت فرنسا إسبانيا السيادة، وليس النفوذ، على الأراضي المتنازع عليها، من دون إعلام المغرب أو الحصول على موافقة بريطانيا، التي كانت قد وقعت اتفاقا مع المغرب تعترف فيه بسيادته على الصحراء". ونقلا عن الأستاذ Frank E. Trout مؤلف كتاب Morocco's Saharan Frontiers، قال الدكتور بنيس إنه من غير المحتمل أن تكون بريطانيا أعطت أية موافقة رسمية عن الاعتراف بأن الساقية الحمراء أصبحت تحت السيادة الإسبانية، خارج حدود مناطق النفوذ الإسباني في جنوب المغرب. بنيس أضاف أن معاهدة الجزيرة الخضراء سنة 1906، والتي أتت سنتين بعد الاتفاق الفرنسي الإسباني، أكدت على سيادة المغرب على الصحراء، مفسراً: "كل الدول الموقعة على معاهدة الجزيرة الخضراء، بريطانيا وإسبانيا وفرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة وألمانيا ودول أوروبية أخرى، التزمت بصون الوحدة الترابية للمغرب". فترة ما بعد استقلال المغرب وأفاد بنيس أن "المغرب كان الدولة الأولى والوحيدة التي رفعت ملف الصحراء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1957، كما أن المغرب وإسبانيا قادا مفاوضات لترسيم الحدود بينهما إلى غاية 1966، متابعا بأن الأممالمتحدة طالبت إسبانيا في دجنبر من سنة 1965 بإنهاء تواجدها على الصحراء، "الأممالمتحدة دعت إسبانيا إلى إنهاء تواجدها بالصحراء عبر الإعلان عن استفتاء لتقرير المصير وهو ما وافق عليه المغرب، حيثُ كان من المنتظر تنظيم الاستفتاء سنة 1967.. إلا أن إسبانيا كانت لها مخططات أخرى". "المغرب استرجع إقليمسيدي إفني سنة 1969، كما أن الصحراء كانت من ضمن الاتفاق الذي ينص على إرجاع الأراضي التي كانت تحتلها إسبانيا إلى المغرب، الأمر الذي غير نظرة الأممالمتحدة تجاه مشكل الصحراء هو قبول المغرب لحل مشكل الصحراء بطريقة مغايرة لتلك التي تم بها استرجاع إقليمسيدي إفني" يورد بنيس. وعرج المحاضر ذاته على مساعي إسبانيا في نهاية ستينيات القرن الماضي، لتشكيل تحالفات مع كل من الجزائر وموريتانيا لوضع المغرب في عزلة. الخبير في العلاقات المغربية الإسبانية تطرق خلال المحاضرة لظهور جبهة البوليساريو، مؤكداً على أنها جاءت لقتال المستعمر الإسباني للأراضي الصحراوية وليس لإقامة دولة مستقلة بالصحراء. بنيس علل قوله بأن "مؤسس جبهة البوليساريو، الوالي مصطفى السيد، لجأ إلى دعم المغرب، لكنه لم يلق ما يرجوه كما أن الجزائر لم تدعمه، لقد تلقت جبهة البوليساريو دعم ليبيا بفضل وساطة الفقيه البصري، الذي كان من أبرز معارضي الراحل الحسن الثاني". وأردف "بعد إنشاء جبهة البوليساريو، حاول الوالي مصطفى السيد مؤسس الجبهة الحصول على دعم من المغرب، لكنه قوبل بالرفض، كما قوبل طلبه بالرفض من طرف الجزائر التي طردته من أرضيها". "فقط بفضل وساطة الفقيه البصري، أحد معارضي الملك الراحل الحسن الثاني، تمكنت البوليساريو من الحصول على دعم من ليبيا، وخلافا للاعتقاد الشائع، لم تكن الجزائر أول بلد يدعم جبهة البوليساريو، بل ليبيا" يؤكد بنيس. وعن علاقة الجزائر بالبوليساريو أوائل سبعينيات القرن الماضي، قال سمير بنيس إن الجزائر لم تكن داعمة للبوليساريو عند تأسيسها، مضيفاً: "الجزائر كانت في المظهر داعمة لوحدة المغرب الترابية ولمغربية الصحراء إلى غاية صيف 1975، حيث قرر حكام الجزائر الاصطفاف إلى جانب الانفصاليين، وذلك كرد فعل على رفض المغرب المصادقة على اتفاقية ترسيم الحدود مع الجزائر." جهود الأممالمتحدة للوساطة في ملف الصحراء محاضرة سمير بنيس في شقها الثاني تطرقت لجهود الأممالمتحدة لحل النزاع حول الصحراء، منها قرار الأممالمتحدة سنة 1991 الذي أفضى إلى تأسيس بعثة أممية بالصحراء، المينورسو، والتي من مهامها الوقوف على تنفيذ وقف إطلاق النار بين البوليساريو والمغرب، بعد حرب دامت لمدة 15 سنة، كما أنها جاءت للإعداد لاستفتاء لتقرير المصير إما بالانضمام إلى المغرب أو الاستقلال، وهو الاستفتاء الذي لم ير النور بسبب تشبث كل طرف بمفهومه ل"المواطن الصحراوي". بنيس عرج أيضا على نظرة إدارة جيمس بيكر لملف المفاوضات حول الصحراء لسنوات، حيثُ توصل بيكر في بداية الألفية الثالثة إلى أن الاستفتاء لم يعد واقعيا، ليخرج سنة 2001 بخطة أساسها الحكم الذاتي للصحراويين تحت السيادة المغربية وهي الخطة التي رفضتها كل من الجزائر وحركة البوليساريو. ثم خرج بيكر سنة 2003 بخطة تقضي بحكم ذاتي في إطار السيادة المغربية يمتد لخمس سنوات يليه استفتاء، وهو المقترح الذي رفضته المملكة المغربية، ليُقدم بيكر استقالته سنة 2004. بعد استقالة بيكر، أصدر مجلس الأمن سنة 2004 قراراً يدعو الأطراف المتنازعة إلى العمل على التوصل إلى حل دائم متوافق عليه، إلا أن في القرار ذاته إشكالية، حسب الدكتور سمير بنيس، وتكمن في أن: "الأممالمتحدة تدعو إلى حل سياسي في إطار تقرير مصير ساكنة الصحراء، وهنا يكمن تناقض كبير، حيث لا يمكننا الدعوة إلى حل سياسي توافقي ونرفقه بحق تقرير المصير الذي يعني بوجه أو بآخر استقلال الصحراء." حلول ممكنة سمير بنيس تطرق للحلول التي يمكن أن تقود إلى إنهاء للنزاع في قضية الصحراء، مؤكداً على أنه "بإمكان الأممالمتحدة أن تتوصل إلى حل سياسي متوافق عليه بخصوص ملف الصحراء، لكن ما يتطلبه ذلك هو الوضوح في سياساتها حيال هذا الملف". "على الأممالمتحدة أن تكون واضحة في مسعاها لحل سياسي حول الصحراء، ولذلك وجب التخلي عن التقوقع في مفهوم "تقرير المصير" كفكرة تؤدي إلى الاستقلال" يقول سمير بنيس، مضيفاً أن هناك وعياً متزايدا في صفوف الأكاديميين بأن تركيز الأممالمتحدة على تقرير المصير هو من أهم العقبات التي تحول دون التوصل إلى حل سياسي توافقي، وهي نفس الفكرة التي اقتنع بها عدد من الباحثين الأمريكيين والبريطانيين الذين ذهبوا إلى أن تطبيق خطة تقرير المصير لا ينطبق على أي نزاع ترابي في العالم. بنيس تطرق لدور الأممالمتحدة في تدبير ملف الصحراء بالقول: "الأممالمتحدة فشلت في تعاطيها مع ملف الصحراء كما أنها تعطي الانطباع على أن عقد لقاءات بين المغرب وقياديين من جبهة البوليساريو هو الهدف المنشود، دون التركيز على التوصل إلى أرضية مشتركة تؤدي إلى حل كامل لملف الصحراء". وفي ختام محاضرته بجامعة برينستون، أكد سمير بنيس على أن مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب لمجلس الأمن في أبريل من سنة 2007 يشكل أرضية مناسبة تؤدي بشكل مباشر إلى إنهاء الصراع "المفتعل" حول الصحراء. محاضرة الدكتور سمير بنيس، المستشار السياسي في الأممالمتحدة والخبير بملف الصحراء، أمام ثلة من الأكاديميين الأمريكيين والطلبة وعدد من المهتمين بقضية الصحراء بجامعة برينستون، كانت فرصة نادرة لبسط الحقائق المغيبة والمفاهيم المغلوطة عن الصحراء، في نقاش أكاديمي جمع مختلف جوانب الملف وكشف معطيات كانت مُبهمة لدى الرأي العام الأمريكي".