الدرس البريطاني بريطانيا العظمى نموذج في كل شيء بل تحولت إلى صنم يعبده دعاة الملكية البرلمانية، فهي نموذج في الديمقراطية وفي تطبيق القانون بشكل جنوني، حيث يقول البعض إن مصالح الدولة تقوم بتتريك كل من خولت له نفسه التهرب الضريبي، وهي نموذج للانتخابات النزيهة وللتوزيع العادل للثروة من خلال الخدمات التي تقدمها وتهييء بنيات التشغيل وفرض الضرائب لتقليص تكدس الثروات، وهي نموذج للدولة الليبرالية الحديثة، هذه البريطانيا اليوم تقدم النموذج الآخر في التعامل مع القانون والخروج على القانون. بريطانيا اليوم تحترق، فقد أعلنت الشرطة البريطانية اعتقال أزيد من 650 شخصا في لندن وبرمنغهام بوسط انكلترا بعد أعمال الشغب العنيفة التي جرت خلال الأيام الثلاثة الماضية. وذكرت الشرطة البريطانية بأنها أوقفت 525 شخصا في العاصمة بينما تم إيقاف 138 شخصا في برمنغهام. وكان المئات من مثيري الشغب قد خرجوا الى الشوارع في مناطق مختلفة من العاصمة البريطانية , فضلا عن مدن اخرى بينها برمنغهام وليفربول وبريستول. وشهدت أعمال الشغب هاته إحراق أبنية ونهب محال, كما أسفرت عن مقتل شخص بعد أن لفظ أنفاسه يوم الثلاثاء في مستشفى متأثرا بجروح أصيب بها بعد إطلاق النار عليه خلال أعمال الشغب.وأعلن رئيس الوزراء البريطاني, ديفيد كاميرون, نشر 16 ألف شرطي في العاصمة لوضع حد "للمشاهد المثيرة للاشمئزاز" التي شهدتها الشوارع خلال الشغب. بريطانيا الديمقراطية وبريطانيا حقوق الإنسان تقف بحزم وتضرب بقوة على أيدي المشاغبين، وبريطانيا حقوق الإنسان تعتقل مواطنين مشتبه في ارتكابهم أعمال شغب، لأنها دولة تفهم أن حقوق الإنسان مناقضة بتاتا لتخريب الملك العام والاعتداء على الآخرين، وأن حقوق الإنسان تعني حق الإنسان في التعبير بالوسائل السلمية والقانونية عن رأيه أما إذا تجاوز ذلك فإنه يدخل في خانة ممارسي العنف وبالتالي ينبغي التصدي له، فالذي يملأ الشوارع ويعرقل حركة السير هو يمارس عنفا ضد الآخرين، وهو عنف خطير لا يعرفه إلا من جربه، فالذي يحمل مريضا للمستشفى ويجد الطريق مغلقة ألا يصاب هو بدوره ببعض الأمراض؟ أليس ذلك ممارسة للعنف. بريطانيا التي لا تمس فيها شعرة من آدمي أعلنت أن طرائق التعبير التي اختارها الشباب بشعة ومقرفة ومقززة، ولم تتحمل الدولة الديمقراطية والعريقة في تاريح الحقوق أن يقوم أبناؤها بتخريب الممتلكات العامة. والدرس البريطاني مزدوج، فالحكومة أعتقلت مئات الأشخاص على خلفية أحداث الشغب وأعلنت الصرامة في التعامل معهم ولا يستبعد تقديم العديد منهم للمحاكمات بتهم تتعلق بإحداث الفوضى والتخريب، والمجتمع المدني لم يقفز من مكانه وينط مثلما تنط الضفادع عندنا من جمعيات حقوقية تكسب كل صيحة عليها لتخلط الأوراق، لم يقل أحد في بريطانيا إن تعامل الدولة مع هؤلاء لم يكن قانونيا بل هناك دعوات لمزيد من الصرامة حماية لبريطانيا. هذا هو الدرس البريطاني.