دعنا أولا نقول بصدق وأمانة للريسوني، ولمن يخطب فيهم، من شباب بريء، وشيوخ نواياهم حسنة، إن ما يجتره الريسوني، وما يدافع عنه، من فكر، يأخذه من كتب لا تكاد تقع تحت الحصر، وتتضمن فكرا لا يضيف جديدا، ولا يمكِّن ولو من خطوة واحدة إلى الأمام، ولا يحرك طائرة أو يرصّف طريقا أو يكتشف دواء لمعالجة مرض، أو يخلق مناصب شغل، أو يمكّن مثلا من المشاركة في الحضارة الحالية التي قوامها العلوم، والتكنولوجيا.. فلولا علم الغرب، لتعرّت حياتنا، ولظهرت على حقيقتها، فإذا هي حياة لا تختلف كثيرا عن حياة الإنسان البدائي، في بعض مراحلها الأولى، وأهم ما سيتراءى لك، بعد هذه التعرية، هو الريسوني وأمثاله، وجبال من كتب، لا نفع فيها، مثل : الإسعاد بشرح الإرشاد؛ الدرر اللوامع بتحرير شرح جمع الجوامع؛ الفرائد في حل شرح العقائد؛ المسامرة في شرح المسايرة؛ ثم شروح، ثم شروح للشروح، وتعليق يتلوه تعليق على التعليق، ثم التنويه بفلان قرأ الشاطبية، وفلان قرأ الرائية، وفلان قرأ شرح البهجة على فلان، ثم فلان قرأ مسند أحمد، ومسند الشافعي، وصحيح مسلم، وفلان درس فتح الباري في شرح صحيح البخاري، وفلان تلقّن من فلان وفلان من المشايخ، وأذِنوا له بالتلقين، وبالإسهال الكلامي أمام الناس، مثلما يفعل الريسوني وزبانيته اليوم، في مغرب القرن الواحد بعد العشرين، وهو مغرب لا يحتاج للريسوني، الذي يريد أن يكون للماضي سلطة على الحاضر والمستقبل، بأقوال على أقوال، وإسهال يليه إسهال، مع طرح أشباه القضايا ومناقشتها بأشباه الألفاظ، يزوّقها وينمّقها حتى يأخذ الباطل شكل الحق، عند السامع الساذج، والذي غُيِّبت عنه حقائق شتى، من طرف أشباه الريسوني.. ومن أشباه القضايا التي يلوث الريسوني بها أدمغة الناس، ويشغل أذهانهم، مثلا قضية المذاهب، مع طرح مسألة عدم صوم رمضان بعد ظهور الهلال في دول أخرى.. ومعلوم أن المغاربة يصومون رمضانا كلما ظهر الهلال في سماء وطنهم، ولا مشكلة هناك بنص قرآني واضح؛ فالمهم هو الصوم عند رؤية الهلال، بغض الناظر عن الدول التي ليلها واحد، كما يحاول الريسوني أن يغالط الناس، معتمدا، كتب أناس قدماء، فكروا لزمانهم ولأقوامهم، في العصور الغابرة.. فأين المشكلة؟ ثم تطرق الريسوني لحفلة الولاء، وهي كذلك من أشباه القضايا، حيث اعتبرها مسّا بكرامة المواطن، مع العلم أن المسألة لا تتعلق بركوع أو سجود للملك، وإنما هي انحناءة خفيفة، تعبيرا عن التقدير والاحترام لشخص الملك، وهي أقل من التقديس، والعبودية التي يمارسها المغرّر بهم، وهم يسجدون لكم، ويقبلون أيديكم، ومنهم من يهبونكم بناتهم كجوارٍ، ويمنحونكم عقولهم، وأموالهم بأن لهم الجنة؛ ومنكم من ادعى الخلافة، أتته من السماء؛ ومنكم من ادعى النبوة، ورفع نفسه فوق الأنبياء، ومنكم من دفع الشباب للانتحار، والغدر بالمغاربة، وقتلهم بواسطة التفجيرات، بأن لهم حور العين في الجنة؛ فأين هي كرامة المواطنين في هذا كله يا شيخ، يا ريسوني؟ ! ثم تطرق الريسوني للشهوات، والجنس، والأخلاق، وقس على ذلك.. فعلى من تكذب يا ريسوني؟ فالجنس والشهوات تبيحها أكبر المذاهب التي تنشرها أنت، وتعتدّ بها، وتدافع عنها، وقد ذكرتَها كلها في سياق كلامك، وهي تشجع على الفسق، والتهتك، والفجور، بعكس مذهب مالك في بلادنا؛ فلا تستغلّ جهل الناس بحقيقة مذاهبك، التي تُعتبر الموارد الأساسية للوهابية.. أليست عقيدة السلفيين الوهابيين، هي من عقائد الحنفية، بدليل أن فكر "أبو جعفر الطحاوي" يدرّس في كل جامعاتهم؟ يقول الشيخ "العرعور" ويفتخر، بأن الوهابيين، هم طحاويون، أحناف، وحنابلة هكذا لهذه الأسباب، جئت يا ريسوني، لتدمّر مذهب مالك، وتفشي في المغرب الوهابية، والحنبلية، والحنفية، وكذلك الشافعية بتلبيس وبتدليس على المغرر بهم من أتباعك، وتتحدث عن الجنس، والفجور، ومذاهبك تعج به، وتفتي بإباحته في مصادرها.. ففي أي مذهب يوجد جواز نكاح الأم، والأخت، وبنت الأخ، والخالة، والعمة، إلى آخر محرم، وحتى وإن كان الفاسق عالما بالتحريم مسبقا، فلا حدّ عليه؟ اُنظر كتاب : "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" الجزء : 09؛ كتاب الحدود؛ ص : 190 وهو من مصادر مذهب يدافع عنه الريسوني، وهو كذلك من مصادر الوهابية كما أسلفنا، بشهادة الشيخ "العرعور" أستاذ الحديث.. ثم من هو المذهب الذي يبيح استخراج المني في رمضان، شريطة ألاّ يُفسَد بذلك صوم الآخرين؟ وفيه أن الاستمناء أو جلد عُميرة ليس بحرام : اُنظر كتاب : "بدائع الفوائد"؛ صفحة : 603 لابن القيّم الجوزية، وهو تلميذ ابن تيمية، ومصدر من مصادر الوهابية التي يخدمها الشيخ الريسوني.. من هو المذهب الذي يبيح للرجل أن يتزوج بنته من الزنا؟ فأين هو الحفاظ على عدم اختلاط الأنساب؟ في كتابه "المحلّى" استبشع ابن حزم الأندلسي، في الجزء : 11؛ صفحة 253؛ هذه الفتاوى، واعتبرها تطريقا إلى الزنا، وعونا لإبليس؛ كما ذُهل منها الإمام النووي، واستغرب في كتابه "المجموع".. هذه هي مذاهب الريسوني، الذي يتحدث عن حفلة الولاء، وعن الفساد والشهوات، وعن الأخلاق؛ يا سبحان الله !