قال الدكتور عثمان الزياني، الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية في تصريح له "إن تنازل حزب العدالة والتنمية عن شروطه واشتراطاته والقبول بتشكيل حكومة وفق المقاسات سيصعب كثيرا من مهام التعايش السياسي بين مختلف مكوناتها، وستجعله يواجه معارضة من داخل الحكومة بالإضافة إلى معارضة حزب الأصالة والمعاصرة الأكيدة"، يقول الزياني مؤكدا أن هذا الأمر "سيقزم من وضعه أكثر، وسيكون محكوما بالخضوع ل"لاءات" المكونات الحزبية المشكلة من حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الحركة الشعبية. النزعة السياسية البراغماتية ل"البيجيدي" يذهب الزياني من منحى أخر، ليقرأ السرعة التي تشكلت بها الحكومة "ثبوتية النزعة السياسية البراغماتية للحزب في التعامل مع تعليمات وتوجيهات القصر ومسايرة كل الفروض وتقديم التنازلات، وقبول الاتحاد الاشتراكي في الحكومة والذي سيثير الكثير من الإشكالات والمشاكل سواء داخل الحزب أو خارجه والذي سيضع الحزب تحت امتحان المصداقية"، وأكد الزياني على كون رئيس الحكومة السابق قد صرح بقوله "لن يبقى بنكيران إذا دخل الاتحاد الاشتراكي الحكومة"، وبدون شك ستكون هناك اختلافات وغضب داخل الحزب؛ لكون البنية التنظيمية للحزب تعتمد نسق ثقافي / ديني يعتمد على براديغم الشيخ والمريد". ويتضح أيضا من خلال هذه السرعة القياسية لتشكيل الحكومة، حسب الزياني، "أن العثماني يريد أن يبرهن لنفسه وللقصر عن الاختلاف في أسلوبه عن بنكيران في إدارة الحوار ومفاوضات تشكيل الحكومة، ويريد أن ينهي مرحلة بنكيران بإيجابياتها وسلبياتها، ويعطي إشارات واضحة للقصر عن التفاعل الإيجابي بخصوص الإستراتيجية الموضوعة لإدارة المرحلة السياسية المقبلة والتي هي بدون بنكيران طبعا"، مشيرا إلى "أن هذه السرعة ومع طول أمد البلوكاج والتفاعلات التي سايرته، وطبيعة تشكيلة الحكومة في حد ذاتها، تعيدنا إلى مستنقع صناعة الأغلبيات، أي تكريس روح مرحلة ما قبل دستور 2011". وبهذا يشرع ، الباحث في القانون الدستوري بطرح التساؤلات حول مدى استقلالية القرار الحزبي، من خلال استحضار كيفية تعامل الأحزاب مع التعليمات والتوجيهات، موضحا أن ذلك يأتي في ظل وجود أحزاب هشة تختزل مشروعها في الحصول على المناصب، حيث سيبقى الوضع على ما هو عليه؛ وهو ما يشكل في طبيعته انتكاسة حقيقية للديمقراطية. أيام فقط كانت كافية لسعد الدين العثماني، رئيس الحكومة الجديد، ليعلن أنه تمكن من جمع مكونات الأغلبية الحكومية، والتي فشل فيها سلفه عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بعدما قضى أزيد من خمسة أشهر من المفاوضات الشاقة دون أَن يحصل على الأغلبية التي تخوّل له تأليف الحكومة المقبلة، بالرغم من استعداد الجميع للمشاركة في هذه الحكومة. ويتضح ظاهريا بأن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان هو سبب الأزمة التي عصفت بعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المكلف المعفى؛ لكن لا أحد فهم سبب تراجع العثماني عن قرار الأمانة العامة لحزب "المصباح" وقبوله دون مبررات بوجود رفاق لشكر إلى جانبه في الحكومة المقبلة، باستثناء عبارة خرجت من بين فكيه في حالة شرود وهي تلك القائلة بأن القرار سيادي. بنكيران منبع البلوكاج الحكومي فسر الزياني أن "الوصول إلى جمع مكونات الأغلبية الحكومية بهذه السرعة ووفق هذه الشاكلة يثير بدون شك جملة من الدلالات"، معتبرا أن أبرز تلك الدلالات تبيّن أن مشكل البلوكاج لم يكن مرتبطا بحزب العدالة والتنمية في حد ذاته بقدر ما كان مرتبطا بعبد الإله بنكيران، الأمين العام ل"المصباح"، بدرجة أولى. ووفق ذلك، تساءل الزياني إذا ما كان الفيتو الذي كان يرفع في وجه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان خاضعا للمزاج السياسي لبنكيران فقط، أم أنه كان مبنيا على قناعات إيديولوجية وسياسية ومبدئية، بخصوص الأحزاب التي يمكن أن يتحالف معها في تشكيل الحكومة، مشيرا إلى أن "بنكيران تبين أنه أصبح غير مرغوب فيه وأضحى بمثابة الرجل المزعج بالنسبة إلى القصر، على الرغم من الخدمات التي قدمها خلال رئاسته للحكومة منتهية ولايتها". ويواصل الزياني إن "في تعيين العثماني ما يشفع في القول بأن هناك إشارات واضحة ليس فقط لبنكيران، وإنما للحزب في كليته لكي ينأى عن الاستقواء بشرعية الصناديق، والعمل حسب الحجم والسياقات التي يحددها القصر"، مبرزا أن "تشكيل الحكومة بهذه السرعة يدل على أن حزب العدالة والتنمية استوعب الدرس جيدا، وما عليه إلا أن يساير التيار". وفي هذا الصدد، لفت المتحدث إلى أن "تعبيرات التفاعل الإيجابي مع البلاغ الملكي وتغيير نبرة الخطاب أثناء فترة تعيين العثماني لتشكيل الحكومة والانفتاح على كل الأحزاب بما فيها الأصالة والمعاصرة كلها رسائل واضحة للتعبير عن الانصياع والخضوع والمضي قدما في تشكيل الحكومة بهذه السرعة".