تم الإعلان يوم الخميس 17 مارس 2016 عن التقرير الخاص بالترتيب العالمي السنوي للدول الأكثر سعادة في العالم. التقرير ضم 156 دولة تم ترتيبها تنازلياً طبقاً لأكثر الشعوب سعادةً، وهو رابع تقرير من نوعه بعد تقارير مشابهة في أعوام 2012، و2013، و2015. لكن التقرير احتوى على بعض الأمور غير المنطقية التي لا يمكن أن نستوعبها بهذه البساطة.
ترتيب غريب
من الممكن أن نتقبل ترتيب الدول العشر الأولى على أنها بالفعل الدول الأكثر سعادة في العالم. الدنمارك وسويسرا وأيسلندا والنرويج وفنلندا وكندا وهولندا ونيوزيلندا وأسترالياوالسويد، من منا يمكن أن يشكك في الرفاهية والحياة الراقية والطبيعة الخلابة التي تحيط بهذه المدن وتجعل سكانها القليلين نسبياً يعيشون في سعادة شبه متكاملة.
هذا على الرغم من أن معدلات الانتحار في هذه الدول ضمن المعدلات فوق المتوسطة، فتحتل أيسلندا المرتبة رقم 37، وتحتل السويد المركز رقم 58، وتحتل أستراليا المركز رقم 63.
أيضاً فإن بعض هذه الدول ترتفع فيها حالات الطلاق بشكل واضح، فالدنمارك تحتل المرتبة الثامنة لأكثر دول العالم في معدلات الطلاق، والسويد في المركز رقم 12، وفنلندا في المركز رقم 18، وسويسرا في المركز رقم 24.
لكننا من الصعب أن نتقبل فكرة أن تكون دولة إسرائيل في المركز ال11، هل يعقل أن بلداً يعيش جزء لا بأس به من شعبه تحت رحمة الصواريخ وعمليات إطلاق النار والطعن والدهس، بالإضافة إلى آلاف الجنود الذين يحيون في حالة تاهب أمني دائم ويخوضون عمليات قتالية كل بضع سنوات.
الدول العربية
الإمارات هي أولى الدول العربية، وهو أمر متوقع كثيراً حالياً، لكنها تأتي في المركز رقم 28 عالمياً، وعلى الرغم من أنه مركز متقدم نسبياً لكن من الغريب أن تسبقها بعض الدول مثل بورتريكو والمكسيك والأرجنتين.
وبالنسبة للدول العربية ومقارنتها ببعضها بعضاً، فمن المنطقي أن تتقدم دول الخليج العربي الترتيب، لكن من الغريب جداً أن تتقدم دولة مثل الجزائر إلى المركز الرابع متفوقة على الكويت والبحرين.
أغرب ما يمكنك أن تراه في هذا التقرير هو أن تتقدم دول مثل ليبيا والصومال اللتين تشهدان أعمال عنف واسعة على دول مستقرة وهادئة مثل الأردن والمغرب.
الحروب
إذا ألقينا نظرة على الدول التي تشهد حروباً في هذه الأيام فأين سنجدها؟ ليبيا التي تعاني من اقتتال داخلي، وتواجد كبير لتنظيم الدولة الإسلامية، وحالة كبيرة من عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي تحتل المركز 67 عالمياً. فلسطين في المركز رقم 108، والعراق في المركز رقم 112، وميانمار في المركز رقم 119.
هل يعقل أن تكون هذه الدول أكثر سعادة من دول في مراكز متأخرة مثل أوكرانياوالهند ومصر. الأكثر منطقية هو أن تكون الدول التي تشهد حروباً أهلية وأعمال عنف واسعة في ذيل القائمة.
المعايير المستخدمة
هذه الدراسة تستخدم عدداً من المعايير العامة لقياس مستوى السعادة لدى الشعوب. من بين هذه المعايير كمية الدخل القومي للفرد والدعم الاجتماعي والرعاية الصحية وحرية الاختيار ومستوى الدمار وغيرها.
الأمر المهم هنا هو أن هذه الدراسات لا تأخذ في الحسبان عاملين مهمين: العامل الأول هو الطبيعة المختلفة للشعوب، فهناك شعوب أكثر رضا من شعوب أخرى ويمكن أن يسعدها أقل بكثير مما يسعد شعوب أخرى. وهناك شعوب تحب الفرح والبهجة بشكل مستمر، البرازيل ودول أميركا الوسطى على سبيل المثال تتميز بحب الفرحة والاحتفالات الدائمة، بعكس بعض الدول الأوروبية التي تلاحظ أنها أقل بهجة وأكثر برودة.
السعادة ليست تعريفاً محدداً واضحاً، لكنها شعور نسبي بالرضا العام للشخص، وما قد يكون السبب الرئيسي للسعادة عند مجموعة ما قد لا يكون هو نفس السبب عند مجموعات أخرى.
العامل الثاني هو العامل الروحاني، البُعد الديني ومساهمته في شعور الناس بالسعادة لا يتم أخذه في الاعتبار في مثل هذه الدراسات التي تعتمد على المقاييس الجافة بين الاقتصاد والسياسة والأمن.
المثال الواضح هنا هو دولة بوتان، تلك الدولة الضغيرة المحصورة بين الهند والصين البالغ عدد سكانها 770 ألف نسمة فقط، يتميزون بدرجات عالية من الشعور العام بالرضا والسعادة رغم إمكاناتهم المتواضعة. فعندما ترى أن رؤيتهم العامة لا تتمثل في زيادة إجمالي الناتج القومي بل في زيادة إجمالي السعادة القومي، ستعرف لِمَ هؤلاء الأشخاص يستحقون أن يكونون على قمة الترتيب العالمي لمعدلات السعادة.