عرفت اسبانيا انتخابات تشريعية وصفت "بالتاريخية" يوم الأحد 20 دجنبر 2015، و التي جرت في سياق محلي وإقليمي ودولي متحول، وتميزت بإفراز مشهد سياسي جديد، إذ لأول مرة ومنذ أول انتخابات ديمقراطية سنة 1977، تختفي القطبية الثنائية الحزبية والتي كان يتناوب فيها على السلطة كل من الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي العمالي. بلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات أكثر من 73 بالمائة، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بانتخابات 2011 إذ فاقتها بأربع نقاط. ويعزى ارتفاع نسبة المشاركة إلى دخول الفاعلين السياسيين الجدد واحتدام الصراع الانتخابي بشكل قوي خصوصا على المستوى الإعلامي، إذ أول مرة تعرف هذه الانتخابات استعمال وسائل الاتصال الاجتماعي بشكل كبير وفعال للتواصل مع الناخبين، من خلال فيديوهات مباشرة على الفايسبوك وتويتر. كما عرفت هذه الانتخابات لأول مرة مواجهة حوارية بين رؤساء أهم الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى مواجهة بين الحزبين التقليديين الأساسيين، الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي العمالي المعارض، فيما رفض رئيس الحكومة أي مقابلة حوراية مع غير هذا الحزب معللا ذلك بعدم تمثيليتهم داخل البرلمان، الأمر الذي انتقدته الأحزاب المعارضة الجديدة بشكل قوي. وأفرزت هذه الانتخابات النتائج التالية: الحزب عدد المقاعد الحزب الشعبي 123 الحزب الاشتراكي 90 بوديموس 69 سويدادانوس 40 صعوبات تشكيل الحكومة والسيناريوهات المحتملة: إن النتائج المحققة في هذه الاستحقاقات جعل سيناريو تشكيل الحكومة في المشهد السياسي الاسباني مسألة معقدة، بالنظر لاختلاف الإيديولوجيات الحزبية وتباعد وجهات النظر بين الأحزاب السياسية في قضايا إستراتيجية، ككيفية التعاطي مع مسألة انفصال كاتالونيا، والسياسة الاقتصادية، ودور اسبانيا في الاتحاد الأوروبي...إلخ. ومن المؤكد لحد الآن هو عدم إمكانية تشكيل الحكومة من طرف حزب واحد، إذ لابد من عقد تحالفات سياسية تبدو صعبة في الوقت الحالي للوصول إلى أغلبية نسبية على الأقل في عملية التصويت على كسب الثقة في البرلمان. وتجدر الإشارة في هذا الصدد، وقبل الخوض في السيناريوهات المحتملة، إلى الملاحظات التالية: • إن الدستور الاسباني في فصله 99، لا ينص على ضرورة أن يكون رئيس الحكومة من الحزب الحاصل على المرتبة الأولى في الانتخابات، • الملك حسب الفصل 99 من الدستور الإسباني وبعد استشارة الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، يعين الشخصية التي ستشكل الحكومة، فيشرع هذا الأخير في عقد تحالفاته ليقدم برنامجه أمام البرلمان لكسب الثقة، • في الجلسة الأولى للبرلمان لابد من أغلبية مطلقة لكسب الثقة، وفي حالة عدم تحقق هذا الشرط، يرجع مرة أخرى خلال 48 ساعة يطلب فيها كسب الثقة للمرة الثانية أمام البرلمان، وفي هذه الحالة يكفي الأغلبية النسبية لكسب الثقة، • في حالة عدم حصول أي مرشح على الأغلبية داخل البرلمان خلال شهرين، يقوم الملك بحل البرلمان ويدعو لإنتخابات جديدة، • حزب سويدادانوس أعلن ومنذ الحملة الانتخابية على موقفه من خلال دعم الحزب الحاصل على المرتبة الأولى من خلال الامتناع عن التصويت في جلسة كسب الثقة، وهنا يجب التفريق قانونيا بين التصويت بالامتناع والتصويت "ضد كسب الثقة"، وبهذا القرار يسعى حزب "سويدادانوس" لتكريس عرف ديمقراطي من خلال أن يكون الرئيس من الحزب الأول، في ظل النتائج المحققة فإنه من المؤكد أن أي مرشح لن يستطيع الحصول على الأغلبية المطلقة في الدور الأول، ولذلك فإن الرئيس المقبل لإسبانيا سينتخب من خلال أغلبية نسبية في الدور الثاني لجلسة كسب الثقة. ولهذا فإنه من المحتمل أن تحصل السيناريوهات التالية: السيناريو الأول هو أن يقوم الحزب الحاصل على المرتبة الأولى، في هذه الحالة الحزب الشعبي، على البحث على تحالف مع حزب "سويدادانوس"، بالإضافة إلى ضرورة امتناع أحزاب أخرى على التصويت حتى يحصل على الأغلبية النسبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة، هذا السيناريو صعب التحقق إذا لم يمتنع أحد الأحزاب اليسارية الكبرى، الحزب الاشتراكي أو حزب بوديموس" عن الامتناع عن التصويت، ويذهب بعض المحللون على إمكانية أن يقوم الحزب الاشتراكي وعيا منه بخطورة الموقف و كحزب مسؤول، على تسهيل عملية كسب الثقة في الدور الثاني. السيناريو الثاني يتمثل في أن يسعى الحزب الاشتراكي العمالي مع حزب بوديموس والأحزاب اليسارية الأخرى على تشكيل أغلبية نسبية تمكنه من كسب ثقة البرلمان. وتجدر الإشارة في هذا الصدد، أن في حالة تحقق هذا السيناريو فإنه من الممكن أن تتعرض العملية التشريعية برمتها إلى التوقف إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الغرفة الثانية حصل فيها الحزب الشعبي على الأغلبية المطلقة ب 124 سيناتور من 208 المجموع العام. وفي جميع الأحوال، فإن مخاض تشكيل الحكومة الإسبانية الجديدة بإسبانيا ليس بالأمر اليسر، بالإضافة إلى أن أي حكومة ستكون معرضة في أية لحظة لعملية سحب الثقة، مما سيجعل من الحكومة الجديدة في موقف صعب ويلزمها التشاور والتحالف في كل القضايا حتى تضمن استمرارها. ومن المحتمل أن تعرف العلاقات الثنائية المغربية الإسبانية تغييرات جذرية في اتجاه أزمات تبدو في الأفق، إذ من المحتمل أن تتبنى الأحزاب اليسارية خصوصا "حزب بوديموس" مواقف معادية للمصالح المغربية، خصوصا وأنه جعل في برنامجه الانتخابي مسألة "الصحراء الغربية" أولوية في أجندته الخارجية تسبق حتى القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى مطالبته بتوسيع اختصاصات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في "الصحراء الغربية". وفي المقابل فإن قضية الصحراء تعتبر مسألة حساسة للدولة المغربية، وحسب المحللون فإن المغرب لن يتوانى في الرد السياسي المناسب إذا ما تم المس بقضاياه الحساسة، خصوصا وأن اسبانيا تربطها بالمغرب مصالح اقتصادية وأمنية مشتركة.