تجري الرياح السياسية في إسبانيا في الأسابيع الأخيرة على غير ما يشتهي المهاجرون ولا جيران إسبانيا على الضفة الأخرى، خصوصا المغرب. فقد أكدت مواجهة الأسبوع الماضي في البرلمان الإسباني العزلة القاسية التي يعانيها الحزب الاشتراكي الحاكم بين مطرقة الضغوط الدولية وسندان خصومه السياسيين، وعلى رأسهم الحزب، الذي يستعد للانقضاض على "جثة" غريمه، بعد أن أردته أعنف أزمة اقتصادية في التاريخ المعاصر لإسبانيا، حسب كل استطلاعات الرأي المنشورة بداية هذا الأسبوع. وقد أصبح هذا التغيير مسألة وقت ليس إلا، والمحطة الأولى الانتخابات الكطلانية، والثانية هي تقديم مشروع ميزانية السنة القادمة. وبعيدا عن التصريحات النارية للحزب الشعبي، التي لا تحمل جديدا على أية حال، وتصريحات نجم النقاش حول قانون الإجراءات التقشفية دوران ييدا عن حزب التوافق والوحدة القومي الكطلاني، الذي وصف ثاباتيرو "بالجثة السياسية" الذي يلزم أن يمنح كل أعضائه (تعديل قانون الشغل والقانون المالي) قبل موعد تقديم ميزانية السنة المقبلة. وهي تصريحات تأتي في سياق ماقبل الحملة الانتخابية في كطالونيا التي بدأت منذ شهور. بعيدا عن كل ذلك، فإن الواضح أن الحزب الاشتراكي قد خسر معركة الأزمة الاقتصادية، ولن يغفر له المواطن الإسباني كونه تغافل عن تشخيص الأزمة بشكل صحيح، قبل أن يقوم في الأسابيع الأخير بتغيير الاتجاه ب180 درجة، وينفذ كل ما كان يحاربه منذ سنتين ونصف (من المرتقب تعديل قانون الشغل في غضةن هذا الشهر، وهو الذي كان يعتبر خطا أحمر)، ليمنح انطباعا بالعجز والارتباك وعدم تقدير الواقع حق قدره. وقد أدرك الكثيرون في صفوف الحزب الاشتراكي أن هذا المنعطف الجذري، الذي جاء متأخرا كثيرا، يشكل رصاصة الرحمة التي أطلقتها الحكومة على نفسها. غير أن نتائج هذا التغيير في الوجهة للحكومة الإسبانية سوف تكون له آثار واضحة على السياسة الخارجية الإسبانية من عدة نواح. في المقام الأول، سوف تمس السياسة مع الجيران، وخصوصا المغرب، إذ أن فترات الحزب الشعبي كانت دوما فترات "محنة" تجابه بالصبر إلى حين عودة الاشتراكيين إلى الحكم مرة أخرى. ولا أدل على ذلك من ال"مواجهة" التي خاضها البلدان إبان عهد أثنار، خاصة في الولاية الأخيرة، على مختلف الجبهات. كما أن مبادرات ثاباتيرو لتحالف الحضارات تقابل باستخفاف نابع من فكر ليبرالي جديد متطرف، ومن المرجح أن تتراجع إسبانيا عن ريادة هذه المبادرة رفقة تركيا. أما على المستوى الداخلي، فالحزب الشعبي سيقوم لا محالة بعدة تحركات "لضبط" المهاجرين، تسير في اتجاه التضييق عليهم، تناغما مع الشعبوية التي تطبع خطابه في هذا المجال. كما أن الهيئات التمثيلية للمسلمين قد تشهد تضييقا لمجال عملها، إذ أن الدعم الذي تتلقاه من مؤسسة "التعددية والتعايش"، الذي تم إحداثه من قبل الحكومة الاشتراكية بعد فوزها في الولاية الأولى، يمكن أن يتبخر في إطار "الإجراءات التقشفية" لمواجهة الأزمة. لا نود أن نكون متشائمين، بل نريد أن نتحدث بكل صراحة ونستعد للأوقات العصيبة التي يلزم على البلد تجاوزها قبل التعافي من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالمجتمع الإسباني.