جدران متآكلة، ومدرجات يتخذها المتسكعين مقاعدا لهم لشرب الكحول و التعاطي للمخدرات، صورة مأساوية لملعب تحول من معلمة تاريخية مهمة، إلى وكر مخيف، بعد أن أضحى مأوى لهؤلاء المشردين الذين باتوا يهددون سلامة الرياضيين بالحلبة. إنه ملعب "كازابلانكيز"، التحفة الرياضية التي لازال مقرها متواجدا بالقرب من حديقة الجامعة العربية بالبيضاء، ملعب تناثر تاريخه كأول فضاء رياضي لأم الالعاب بالعاصمة الاقتصادية، ليتحول مع النسيان إلى مرتع للأوساخ ووكر للدعارة، وغيرها من المشاهد المؤلمة التي لا تعدوا أن تكون سوى مسرحا للتراجيدية. ولأن أسباب هذا التحول المخيف للحلبة لازال غامضا، فإن "شبكة أندلس الإخبارية" قررت أن تميط اللثام عن تلك الأسباب وكذا التعرف على واقع الأندية، بعد أن تم إغلاقها لأزيد من 10سنوات، وهي نوادي تحمل شعارات متنوعة، يبدو أنها ولزمن غير بعيد كانت حاضرة بقوة عبر الساحة الوطنية. ماض عريق وحاضر غريق نوال المتوكل، فاطمة عوام، خديجة بشار، ....أسماء لازالت خالدة في ذاكرة ألعاب القوى الوطنية، وبطلات انطلقن من ملعب كان، ولزمن غير بعيد، معلمة مميزة ضمن معالم مدينة الدارالبيضاء. إنه ملعب كازابلانكيز، التحفة الرياضية الوحيدة التي بناها الفرنسيون منذ عهد الحماية سنة 1939، وهو منذ ذلك الوقت، استطاع أن يشكل ملعبا استراتيجيا مهما، ومتنفسا لمواهب الشباب الرياضية، الذين أبانوا فيما بعد عن تألقهم، وتمكنوا من إحراز بطولات متعددة سواء على الصعيد الإفريقي أو الدولي. وتبقى البطلة العالمية السابقة نوال المتوكل، خير نموذج للعداءات اللواتي بدأن مشوارهن الرياضي من حلبة كازابلانكيز، إلى جانب عدائين كبار، حققوا بدورهم إنجازات وألقابا مشرفة لرياضتنا الوطنية. ومنذ إغلاقه سنة 2002، من طرف ادريس بنهيمة الوالي السابق لمدينة الدارالبيضاء، والملعب يشهد حالة من الفوضى والإهمال، بسبب لجوء المتشردين الذين حولوه إلى وكر لشرب الكحول والمخدرات، بعدما كان معلمة تاريخية مميزة بكل المعايير. إغلاق النوادي سّبب المعاناة لألعاب القوى عبارة جاءت على لسان مصطفى تيزلت، الكاتب العام لفريق نادي الحياة الرياضية البيضاوية، وهي إحدى الفرق التي أصبحت تعاني ، جراء التهميش الذي لحقها إهمال المسؤولين لسنوات خلت. وبهذا الخصوص يتحدث مصطفى تيزلت ل " شبكة أندلس الإخبارية" قائلا : " في البداية، لم نتوقع من السلطات المحلية أن تصدر القرار بإغلاق نوادي الملعب، وذلك على خلفية استعدادها لإعادة إصلاحه وترميمه من الناحية التجهيزية، فإذا بهم يتناسون هذا الموضوع لمدة 10 سنوات دون الوفاء بوعودهم، أو حتى التفكير في مصير تلك الفرق التي تتحمل مسؤولية اللاعبين والأبطال الذين كونوهم لسنوات عديدة... كما سبق أن راسلنا المسؤولين في الوزارة الوصية ومجلس المدينة، لإيجاد حل مناسب لهذا المشكل، فإذا بهم يواعدوننا دون الوفاء بتلك الوعود والأقاويل..." ويضيف قائلا : " نحن عبارة عن جمعيات متطوعة لا تتلقى دعما من أحد، لأن هدفنا كباقي النوادي الأخرى، هو تكوين أبطال ناشئين، وخلق مستويات مميزة في صفوف العدائين والعداءات، حتى نرقى برياضتنا الوطنية إلى أعلى مستوى...لكن وأمام الوضع المأساوي الذي يعيشه الملعب، من حيث تحوله إلى ملجئ للمتسكعين واللصوص الذين باتوا يشكلون خطرا على سلامة الرياضيين داخل الحلبة، فقد أثر ذلك بشكل سلبي على مردودية عدائينا وحضورهم اليومي للتداريب، الأمر الذي زاد الطين بلة، خصوصا بعد أن تراجع مستواهم في المسابقات سواء على صعيد البطولات الوطنية أو الدولية.....لذا أعتبر أن إقفال مثل هذه المعلمة ونسيانها لسنوات عديدة، دليل على تقصير المسؤولين في حق أبطالنا المغاربة، بل وأقول أن هذا المشكل، يبقى السبب الحقيقي والمباشر وراء تراجع ألعاب القوى الوطنية..." الرجاء البيضاوي نسي ملعبا اسمه كازابلونكيز بنبرة متحسرة، يحكي محمد السنيني الرئيس المنتدب السابق لفريق الرجاء البيضاوي، الذي عبر عن حزنه واستياءه من الوضع الحالي الذي آل إليه الملعب، قائلا : " كازابلانكيز معلمة تاريخية كان من المفروض على المسؤولين أن يجدوا له حلا منذ أن بدأ المتشردون يلجون حلبته، ويتخذونه وكرا لشرب الكحول والمخدرات، بل وأحيانا تحدث جرائم قتل، الشيء الذي أرعب نفوس العدائين والعداءات بعد أن كان حضورهم للتداريب بشكل يومي، فشكل هذا الوضع المأساوي عائقا أمام تعاملهم المباشرمع مدربي الفريق، الشيء الذي انعكس سلبا على مستواهم بعد أن كان متفوقا على الصعيد الوطني". ويضيف قائلا : " حاليا بالنسبة لفريق الرجاء البيضاوي، فقد نسي ملعبا اسمه كازابلونكيز، لأنه بعد الإغلاق مباشرة، اضطر المكتب المسير للانتقال إلى ملعبه الخاص" تيسيما"، وفي القريب العاجل سيتم تدشين ملعب آخر تابع للفريق بالصخور السوداء..." مشهد كازابلانكيز دفعني للبكاء خديجة بشار، أول بطلة مغربية عربية تقتحم ميدان ألعاب القوى ضمن تخصص رمي القرص، أي في وقت لم يكن هذا النوع الرياضي متداولا على الصعيد العربي، وقد سبق أن حطمت الرقم القياسي في هذا المجال خلال الخمسينيات من العقد المنصرم، وبخصوص هذا الموضوع تتحدث خديجة بشار قائلة : "أعتبر حلبة كازابلونكيز، هي الانطلاقة الفعلية لبداية مشواري الرياضي، فمن خلاله تلقيت تداريبي على يد مؤطرين واكتسبت تجارب مهمة، إلى أن حققت بعدها رقما قياسيا في رياضة رمي القرص ...لكن بعد زيارتي مؤخرا للملعب، فوجئت بالوضع المأساوي الذي آل إليه، بعد أن كان للأسف تحفة رياضية مميزة، الأمر الذي دفعني للبكاء والشعور بالحسرة على معلمة تاريخية، انتهى مصيرها بهذا الشكل". عدم الوفاء بالوعود....أفقدنا الثقة في المسؤولين عبارة جاءت على لسان عمر بوكداد، المدرب التقني لفريق الحياة الرياضية البيضاوية، وهو أحد المدربين بالملعب الذين كونوا أبطالا ناشئين ضمن المسافات الطويلة لألعاب القوى، وأمام الوضع السيء الذي أصبح يشهده، فقد عبر عن استياءه من الواقع الآني الذي آل إليه. ..."سبق أن زار الملعب منصف بلخياط وزير الشباب والرياضة، وقام بإلقاء نظرة شاملة على النوادي والحلبة، ووعد بتنسيق مع مجلس المدينة انه سيعيد إصلاح الملعب، لكن للأسف لم يتم الوفاء بهذا القول، وبقي الوضع كما هو عليه الآن، وهذا مشكل أثار حفيظتنا من هؤلاء المسؤولين الذين أفقدونا الثقة في وعودهم..." لا نعلم من المسؤول هل الوزارة الوصية أم مجلس المدينة. في ظل الرسائل المتكررة، التي تلقتها الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى بخصوص المطالبة بإصلاح الملعب، أعلن محمد النوري الناطق الرسمي للجامعة، عن عدم قدرتهم لوضع حلول مناسبة لحلبة كازابلونكيز، على خلفية أنهم لا يعرفون من هو صاحب الحلبة، ومن المسؤول المباشر على هذا الموضوع أهو مجلس المدينة أم الوزارة الوصية، في هذا الصدد يتحدث النوري مصرحا بالقول : " إن الحلبة شهدت عدة مشاكل، من حيث أننا لم نعرف من هو المسؤول المباشر على الملعب، لأنه سبق أن كان في ملكية الوزارة الوصية، ثم فوضت ملكيته إلى مجلس المدينة، ومن المحتمل أن تمت الشراكة بين الجهتين لإصلاحه، لذلك لا يمكن للجامعة أن تتدخل في ظل الغموض الذي يشهده هذا الموضوع...لكننا على استعداد لوضع حلول مناسبة رفقة عبد السلام احيزون رئيس الجامعة، إذا تم الاتفاق في النهاية على وضع الحجر الأساس لإعادة تدشينه وإصلاحه"." الميزانية تكلف الملايير لإصلاح الملعب سعد الله ياسين، المكلف بالقسم الرياضي لمجلس المدينة، أعلن عن استعداد المسؤولين في المجلس برئاسة محمد ساجد، لإصلاح ملعب كازابلونكيز، مشيرا إلى أن المجلس فوضت إليه الملكية منذ سنة 2003، بعد ما كان في حوزة وزارة الشباب والرياضة لمدة 30 سنة. وفي حديثه عن الوضع الحالي الذي يشهده الملعب، يتحدث سعد الله ياسين ل " شبكة أندلس الإخبارية" قائلا : "...في الواقع، بعدما فوضت الملكية لمجلس المدينة، كان ذلك مواكبة مع أحداث 16 ماي، وهي السنة التي انشغلنا فيها بتدشين وإصلاح ملاعب القرب بضواحي سيدي مومن وسيدي عثمان، بالإضافة إلى ملعب كازابلونكيز الذي يعد ضمن قائمة الملاعب الرئيسية المندرجة في مخططات الإصلاح والتجهيز، إلى جانب تيران السلك، ولارميطاج، والحفرة....وغيرها. وقد تم الاتفاق مؤخرا بين مجلس المدينة وبين الوزارة الوصية، لإعادة هيكلة الملعب بشكل أكثر استراتيجية، والذي قدرت ميزانيته ب9 مليار و900مليون، كمبلغ إجمالي للنهوض بهذا المشروع....وهو مبلغ بالطبع يتطلب وقتا طويلا من الدولة كي يتم توفيره....." ويضيف قائلا : "...كما تم الاتفاق بشكل رسمي على وضع خطاطة استراتيجية تليق بالملعب، ، ويتعلق الأمر بإصلاح القاعات الخاصة بالجومباز والكاراطي والملاكمة والجيدو وتجهيزها بأحدث الوسائل، كما سيتم بناء قاعة خاصة للرياضات البدنية بالإضافة إلى إدخال عدة تحسينات على النوادي المنضوية تحت لواء ألعاب القوى، هذا وسيتم تدشين مكتبة خاصة بالثقافة الرياضة، بغية خلق فضاء ثقافي رياضي مشترك، وفي النهاية سيتم وضع ثمن رمزي للانخراط في هذه النوادي حتى لا يحدث هناك نوعا من الفوضى...فعلى الرغم من المشاكل المأساوية التي لحقت بالحلبة، إلا أن قرارنا هذه السنة، سيتخذ مجراه الفعلي لتنتقل كازابلونكيز من العشوائية إلى الاحترافية