شكّل حدث تنازل الملك خوان كارلوس عن العرش لصالح ولي العهد الأمير فيليبي, نقطة فاصلة و حاسمة و أهم حدث سياسي منذ تحول إسبانيا إلى الحكم الديمقراطي, حيث تدشن البلاد عهدا جديدا بعد قرابة 39 سنة من تنصيب خوان كارلوس ملكا على إسبانيا في العام 1975 بعد وفاة فرانسيسكو فرانكو, ليطوي بذلك صفحة من تاريخ بلاده لعب فيها الملك دوراً اساسيا في الانتقال الديمقراطي, وشهدت اسبانيا خلال تلك الفترة تحولات كبيرة في شتى المجالات لاسيما السياسية والاقتصادية والاجتماعية حيث قاد الملك عملية إصلاح وتحول سياسي كبير. و يأتي تنصيب الأمير فيليبي ملكا على إسبانيا, في إطار ظروف داخلية صعبة, حيث مازال المجتمع الاسباني يعاني من تبعات الازمة الاقتصادية, في نفس الوقت الذي يتطلع فيه ايضا إلى تغييرات سياسية واقتصادية عميقة نتيجة فقدان الثقة بالأحزاب السياسية التقليدية ومؤسسات الدولة و ضمنها المؤسسة الملكية, هذا بالإضافة إلى التحدي الانفصالي لإقليم كاتالونيا و منطقة الباسك. كما تعالت بعض الأصوات في الآونة الأخيرة, و بعد تنحي الملك خوان كارلوس عن العرش, مطالبة بإجراء استفتاء شعبي على استمرارية النظام الملكي البرلماني في اسبانيا. من هو ملك إسبانيا الجديد الإسم الكامل لملك إسبانيا الجديد هو, فيليبي خوان بابلو ألفونسو دي تودوس لوس سانتوس، وأطلق عليه هذا الإسم تيمنا بفيليبي الخامس (1683-1746)، وهو أول ملك من أسرة بوربون لإسبانيا, ولد بالعاصمة مدريد في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1968. الأمير فيليبي هو الابن الوحيد للملك، ولديه أختان يكبرانه سنا, ويشغل فيليبي منصب أمير مقاطعة أستورياس منذ عام 1977، وهي المنطقة التي تقع في شمال غرب إسبانيا، ويمنح سنويا جوائز أستورياس المرموقة في مجالات الفنون والعلوم, وأقسم الأمير فيليبي، عندما بلغ سن 18 عاما في يناير/ كانو ثان عام 1986، الولاء للملك والدستور الإسباني، وذلك في حفل أقيم في البرلمان، ليصبح فيليبي وريثا رسميا للعرش, وفي عام 2004 تزوج فيليبي من المذيعة التليفزيونية، ليتيزيا، و هو ما شكّل سابقة في تاريخ الملكية الإسبانية, وأنجبا ابنتين، ليونور وصوفيا. ومثل كل ملوك العالم حظي فيلبي بتعليم صارم وخاص، إذ بدأ تعليمه في مدرسة سانتا ماريا دي لوس روزاليس وهي المدرسة نفسها التي تدرس فيها بناته الآن, ويحمل الملك الجديد, شهادة في القانون من جامعة مدريد المستقلة، وتخرج الأمير من الجامعة عام 1993، وأنهى أيضا العديد من الدورات في مجال الاقتصاد, كما واصل دراسته مدة عامين ليحصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جورج تاون بواشنطن, وقضى فيليبي، عندما كان طالبا، عاما واحدا في كلية ليكفيلد في أونتاريو، بكندا. و بين سنوات 1985-1989، تلقى الأمير فيليبي تدريبا للضباط في عدد من الأكاديميات العسكرية في إسبانيا، وتخرج منها وحصل على درجة طيار هيلكوتبر ورتبة مقدم في الجيش والقوات الجوية وقائد فرقاطة في القوات البحرية, ومنذ عام 2010، يترأس الأمير فيليبي اجتماعات رؤساء أركان القوات المسلحة في إسبانيا، وهو الدور الذي من المعتاد أن يكون حصريا للملك، وشارك أيضًا في بعض المناورات العسكرية, كما يعرف عنه ولعه بممارسة الرياضة إذ كان ضمن إحدى الفرق المشاركة في سباق اليخوت في دورة برشلونة الأولمبية لعام 1992. نشأ فيليبي دي بوربون بهدف وحيد أن يصبح يوما ما ملكا لإسبانيا، وهو الدور الذي تدرب عليه منذ طفولته، وتولاه بالفعل يوم الاثنين 2 يونيو 2014 وهو في سن 46 عاما خلفا لوالده الملك خوان كارلوس الذي أعلن تخليه عن العرش, و قبل ذلك بسنوات واعتبارا من ربيع عام 2010، اضطر فيليبي لتعزيز دوره الرسمي مع بدء المشاكل الصحية التي يعاني منها والده خوان كارلوس, وفي عام 2011، مارس فيليبي المزيد من المهام الملكية أكثر من والده، وهي التي بلغت في مجموعها 253 مهمة رسمية في إسبانيا والخارج, وذلك لتعزيز المصالح التجارية لإسبانيا ونشر ثقافتها على مستوى العالم. و تتلخص مهمة الملك الجديد في ضمان استمرارية الملكية البرلمانية التي أقيمت تدريجيا في إسبانيا مع وصول والده خوان إلى الحكم عام 1975 بعدما عينه الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو خلفا له. والتحدي الأكبر أمامه هو أن يكون ملكا مقنعا لمواطنيه خصوصا بعد أن بلغت نسبة التأييد الشعبي للملكية بإسبانيا أدنى مستوياتها بعد سلسلة فضائح بقي فيليبي بمنأى عنها. زيارة الملك فيليبي السادس للمغرب و المنعطف الجديد بعد تنصيبه ملكا على إسبانيا, سيزور فيليبي السادس المغرب يوم 14 يوليوز في خطوة تشير إلى مدى أهمية المغرب كشريك استراتيجي لإسبانيا و كذا إلى عمق الروابط التاريخية, السياسية و الاقتصادية التي تجمع البلدين الجارين على مدى عهود من الزمن, جعلت البلدين يرتبطان بعلاقات متقدمة, فإسبانيا تحتضن ثاني أكبر جالية مغربية في الخارج (حوالي مليون مهاجر) بعد فرنسا, كما ان إسبانيا انتقلت من مرتبة ثاني أكبر شريك تجاري الى أول شريك للمغرب متقدمة على فرنسا الشريك التقليدي. وقال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل جارسيا ماغايو في تصريح للتلفزيون العمومي, أن "برنامج الملك والملكة حافل على المستوى الدولي، سيبدأ بزيارة الى الفاتيكان". وتحدث الملك الإسباني الجديد هاتفيا مع نظيره المغربي محمد السادس، الذي أعرب لفيليبي عن حرصه على "العمل سويا مع جلالتكم من أجل الحفاظ على توهج الصداقة الخاصة وكذا من أجل زيادة توثيق علاقات المودة في إطار الوضع المتقدم الذي يجمع المملكة المغربية بالاتحاد الأوروبي". و كان العاهل المغربي الملك محمد السادس، قد دعا العاهل الإسباني الجديد فيليبي السادس، لزيارة الرباط، معربا في الوقت نفسه عن تقديره الكبير للملك خوان كارلوس الأول الذي تنازل لنجله عن العرش. و تأتي زيارة ملك إسبانيا الجديد للمغرب, لتعطي دفعة قوية للعلاقات الثنائية التي تجمع البلدين, حيث أن المغرب كان دائما مؤثرا في مسار إسبانيا من حيث المتغيرات الداخلية التي تعرفها، بحيث إن الجار الجنوبي كان دائما حاضرا بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه المتغيرات، كما أن إسبانيا بدورها كان لها نفس التأثير في المسار التاريخي للمغرب في العديد من المحطات، القريبة منها أو البعيدة في الزمن, فأمن واستقرار وازدهار إسبانيا و المغرب رهين بعلاقات متينة وقوية وطبيعية بينهما. و من جهة أخرى, يجب استحضار الأهمية الإستراتيجية للعلاقات القوية بين العائلتين الملكيتين في المغرب وإسبانيا، وهي العلاقات التي قام كل من العاهل الراحل الحسن الثاني والملك خوان كارلوس بتقويتها منذ وصول هذا الأخير إلى عرش إسبانيا عام 1975، والتي قام الملك محمد السادس بالحفاظ عليها وتقويتها, حيث عملت العائلتين الملكيتين على تعزيز علاقاتها وجعلها ليس فقط في منأى عن كل الاضطرابات التي كانت تعرفها العلاقات بين البلدين، بل تحويلها إلى إحدى أهم العوامل التي تضمن استمرارية الطابع الاستثنائي للعلاقات بين البلدين وتساهم في تلطيف الأجواء بينهما. و يشير العديد من المراقبين و المحللين, أن العلاقات المغربية-الإسبانية لن تتأثر بالملك الجديد لسببين، الأول وهو الصداقة التي تجمع بين الملك محمد السادس والملك فيليبي السادس بحكم انتماءهما "لجيل الملوك الجدد" و كذا تقارب السن بينهما, و هو ما يسهل عليهم عملية التواصل و الحوار, حيث من المنتظر أن يعملا سويةً على تعزيز العلاقات بين العائلتين الملكيتين، وجعل هذه العلاقة صمام أمان يعطي للعلاقات بين المغرب وإسبانيا المناعة ضد كل التوترات أو الأزمات العابرة التي قد تحدث بين الفينة والأخرى. وكشفت علاقات فليبي بالمغرب، وجود صداقة متينة مع الأسرة الملكية بالمغرب، خاصة الأمير مولاي رشيد. ومع تولي فيليبي السادس، ينتظر أن تدخل العلاقات المغربية الإسبانية على الصعيد الملكي، منعطفا جديدا. فالملك محمد السادس كانت تربطه على الدوام علاقة متينة مع الملك السابق خوان كارلوس.علاقة كانت تطغى بثقلها على مجمل الأحداث التي شابت العلاقات المغربية الإسبانية. ولم يكن الملك خوان كارلوس يتردد في مهاتفة الملك محمد السادس، أو القيام بزيارة للمغرب كلما طرأ حادث عكر صفو العلاقات بين البلدين الجارين. وهي العلاقة التي ستمتد حتما إلى ابنه الملك فيليبي السادس، خصوصا بعدما بعث هذا الأخير إشارات قوية على عزمه تطوير الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، بعدما جعل المغرب ضمن أولى البلدان التي سيزورها في جولاته الخارجية الرسمية. و يعد مجيء الملك فيليبي السادس استمرارية للعلاقات المتميزة بين المغرب وإسبانيا، خاصةً أن هذه العلاقات وصلت لما يمكن أن نسميه مرحلة من النضج، بالنظر لنجاح المسؤولين في البلدين في جعلها في منأى عن الملفات التقليدية التي ظلت لأكثر من أربعة عقود تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين. وتكتسي الزيارة التي يجريها العاهل الإسباني للمغرب طابعا خاصا على اعتبار تحسن العلاقات الثنائية بين البلدين في السنوات الأخيرة، وتطورها في المجالات الاقتصادية والسياسية. وتعد الزيارة فرصة لتوطيد العلاقات مع الجارة الشمالية للمغرب، سواء في ما يتعلق بالتعاون المباشر بين البلدين، أو في إطار الوضع المتقدم الذي يجمع المغرب بالاتحاد الأوروبي. وتطمح الرباط أن يكون الملك فيليبي في مستوى تطلعاتها، سيما وأن العلاقات المغربية الإسبانية، في أوجها في ظل الحكومة اليمينية الإسبانية أكبر منها خلال الحكومة الاشتراكية السابقة. المغرب, شريك استراتيجي وعلى الصعيد الاقتصادي, تعتبر إسبانيا المغرب متنفسا اقتصاديا مهما جراء أزمتها باعتبارها الشريك التجاري الأول لها، حيث أن 51% من الاستثمارات الإسبانية في أفريقيا تتركز بالمغرب, كما أن أن 35% من الصادرات الإسبانية إلى أفريقيا تتوجه إلى المغرب، في حين تستقبل إسبانيا 31% من الصادرات المغربية إلى الاتحاد الأوروبي. وكان مستثمرون ورجال أعمال إسبان قد أكدوا في شهادات تم تقديمها خلال لقاء اقتصادي نظم بمدريد بمبادرة من مندوبية الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات بإسبانيا, أن المغرب يوفر مناخا ملائما للاستثمار بالنسبة للشركات الاسبانية الراغبة في توسيع أنشطتها في الخارج, وأجمع عدد من المستثمرين الاسبان الذين استقروا بالمغرب على أن مناخ الأعمال تشجع على الاستثمار في المملكة, مشيرين في نفس الوقت إلى النتائج الإيجابية التي تم تحقيقها بفضل استقرارهم في المغرب ولا سيما في مجال تعزيز القدرة على التنافسية وتدويل الانشطة المقاولاتية, حيث توجد حوالى 20 الف شركة اسبانية متوسطة وصغيرة تصدر منتجاتها وخدماتها الى المغرب. من جهة أخرى, ساهمت الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر منها إسبانيا, لصالح تعزيز العلاقات بين المملكتين الجارتين, اللتين تبديان استعدادا أكبر للتعاون وتجاوز الخلافات الدبلوماسية بينهما. و ارتباطا بهذا الموضوع, قال فاضل بنيعيش، سفير المملكة المغربية بإسبانيا، إن إسبانيا حريصة على تطوير العلاقات الجيدة القائمة بين المملكتين المغربية والإسبانية, بغية الارتقاء بالتعاون بين البلدين الجارين على جميع المستويات.