لقد دلت الخرجات الإعلامية الأخيرة للعديد من المهتمين بملف المعتقلين الإسلاميين أن المطالبين به كثر ، وأي نعم قد تختلف مشاربهم لكنهم مصممون على إزاحة اللجنة لدواع سيأتي ذكرها ، وهم إن اختلفوا في المذهب والمعتقد فإنهم متحدون على إخراس صوت اللجنة . وإذا كانت اللجنة قد ألقت بحجر من الوزن الثقيل في بركة أريد لها أن تظل راكدة للأبد ، وإذا كانت قد رفضت كل أنواع المساومات ، وإذا كانت قد وضعت نصب عينيها حل ملف المعتقلين الإسلاميين ورفضت كل أساليب التطويع والتدجين . فقد صارت اليوم بين سيف الأصدقاء ونطع الخصوم ، و ما هو إلا أن يصدر أمر الجلاد حتى يفصل رأسها عن جسدها. قبل ذلك الحين ، وقبل أن أنظر إلى ملامح الحبور تعلو على محيا الذين يرفعون أصواتهم اليوم مطالبين برأسها ، وجبت الإشارة إلى الكثير من الأمور التي خفيت عن عموم الناس ، و إذ أحاول الإجابة عن مجموعة من الأسئلة التي تخالج أذهان المتتبعين لمسار اللجنة ونضالها فإنما يحضرني هاجس واحد ووحيد بيان الحق وإنصاف ثلة من الشباب الذين ضحوا في سبيل وطن جميل يقطع حقيقة مع ماضي الانتهاكات ويتيح لكل أبنائه فرص المساهمة في بنائه وخدمته دون إقصاء ولا ترهيب. ولعل أكثر الناس إنصافا لأبناء هذا التيار المضطهد الذي انبثقت عنه اللجنة المشتركة هو من رفع شعار "فهم الحالة السلفية " وكأن أبناء هذا التيار قد أتوا من جزيرة نائية لا يربطها بالمغرب ماء ولا يابسة ، وكان الأولى أن يتساءلوا كيف يفهم السلفيون حالة الاغتراب التي هيمنت على وطن كان سلفيا منذ عقبة وموسى وإدريس الأول ، وكيف يتعايشون مع من يريد الإجهاز على ذاكرة أمة تغلغل فيها الإسلام على منهج السلف منذ ما يفوق ألفا وثلاثمائة عام ، بل وكيف تشكل السلفية وأبناء التيار الإسلامي صمام أمان حقيقي في وجه تيار التغريب الذي يستهدف هوية الأمة وثوابتها ، فإن الخطر كل الخطر إنما يأتي من هؤلاء الذين يدعون إلى إلغاء وتجاوز نصوص قطعية الثبوت والدلالة في قرآننا الكريم ، ومن هؤلاء الشعوبيين الجدد الذين يدعون إلى هدم اللغة العربية ، ومن دعاة تبادل القبل في الشوارع ، ومن دعاة تقنين الشذوذ وإشاعته في المجتمع . وقد مدت اللجنة يدها لخصومها مؤمنة بأن الحوار أهم وسيلة ليصل رأيها للناس ، وأن حوارها يجب أن يبدأ بالبعيد قبل القريب . وتجدر الإشارة هنا إلى أن تمثل المجتمع المدني للجنة وآليات عملها يتداخل فيه ما هو حقوقي بما هو عقدي وهو أمر لا تختلف فيه اللجنة عن باقي الأطياف الحقوقية فلكل طيف مرجعيته و منطلقاته غير أن المرجعية السلفية التي ينتسب إليها معظم أعضاء اللجنة لا تقف حائلا أمام انخراط غير السلفيين في نضالاتها ، ولم تكن يوما عائقا أمام انخراطها في حوارات مع كل مكونات المجتمع المدني . من خلال سلسلة من المقالات بحول الله وقوته ، سأحاول تسليط الضوء على ظروف وملابسات ظهور اللجنة المشتركة وقد كنت بفضل الله ومنته أحد مؤسسيها فأتيح لي أن أتعرف على قياداتها فردا فردا كما أتيح لي أن أعيش الكثير من اللحظات المفصلية في مسارها النضالي ، و سأعرض كذلك للأسباب التي دفعت بعض أبناء التيار الإسلامي لمحاربة اللجنة المشتركة والدفع في اتجاه إخراس صوتها دون إغفال الوقوف عند بعض الركائز المنهجية والفكرية التي شكلت خيطا ناظما بين الكثير من المنتسبين إلى هذا الكيان الحقوقي الذي استطاع وفي ظرف وجيز أن يجتذب المئات من أبناء التيار السلفي إلى دائرة النضال السلمي ، وإذا كان أبناء اللجنة اليوم صامتون تتناوشهم سهام الإقصائيين من كل حدب وصوب وهم لسان حال شريحة عريضة من سجناء الرأي والعقيدة يتلقون كل ذلك القدر من الحقد بصبر بطولي لدواعي لا تخفى على المتتبعين أهمها أن اللجنة لا منبر لها ولا ظهير يسندها في نضالها من حيث تشرع صفحات الجرائد والمواقع لكل ما يقذفه خصومها في وجهها وتوصد دون دفاعها عن نفسها وردها على أباطيل المتربصين بها الأبواب، قلت إذا كان إخواني في اللجنة قد فضلوا الصمت مع قدرتهم على الرد تجنبا لتأليب المزيد من الحاقدين عليهم فإني وبعد أن طلب إلي بعض إخواني (لحسن ظنهم بي) أن أضطلع بشيء من ذلك لا أرى مانعا في رفع اللبس عن آليات عمل اللجنة ومنهجها وحقيقة الحملة المسعورة التي تهدف إلى استئصالها خاصة وأني قدمت استقالتي منها منذ أمد فلم يعد يربطني بعملها غير ولاء فكري وود أكنه لرجالها وشهادة أؤديها عن ظروف نشأتها والميثاق الذي ربط بين مؤسسيها .