قال الشيخ محمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص) إن خدمة المشايخ المفرج عنهم أخيرا لملف ما يعرف ب«السلفية الجهادية» لا يعني بالضرورة الدخول في مبادرة مستقلة، موضحا في حوار ل «التجديد» أن بعض الناس يروجون أن المشايخ تخلوا عن هذا الملف، وهذا ليس بصحيح أبدا.. ليس النضال هو الوقفات الاحتجاجية فقط، لكل أسلوبه وطريقة عمله، و ما هو متاح له غير متاح لغيره». ودعا أبو حفص إلى تشكيل لجان علمية وفكرية و من مختلف أطراف المجتمع المدني تلج السجون، و تصل إلى حل مُرض لكل الأطراف. وأكد أبو حفص خلال الحوار أنه مع العمل السياسي، ويشجع عليه، ويرى أن أي تيار إذا أراد أن يكون له أثر في صناعة القرار، في أي دولة من الدول فلابد له أن يسلك مثل هذا المسلك.. وأشار أبو حفص إلى أن الربيع العربي ساعد الحركة الإسلامية على تجاوز الكثير من الخلافات، قائلا «لقد رأينا بفضل الله تعالى كثيرا من الأطراف التي كانت تتناحر فيما قبل، تجتمع اليوم في مشاريع مشتركة، لصالح البلد و الأمة وهو ما يبشر بالخير وندعو إلى الاستمرار». وعن تقييم التجربة الحكومية بقيادة حزب العدالة و التنمية، أكد أبو حفص أنه يصعب الحكم على التجربة الحكومية في مثل هذا الزمن الوجيز، فأي حكومة لا بد لها من وقت كاف لتنفيذ برامجها وتنزيل خططها على الأرض، لكن يمكن الحديث عن المؤشرات، فمنها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي، لكن بالمجمل يرى أنها تجربة إيجابية... وفيما يتعلق بتنامي التيار السلفي في تونس قال أبو حفص إن الأمر طبيعي جدا بحكم حدة القمع الذي كانت تعيشه تونس في العهود السابقة، فسياسة تجفيف المنابع التي كان ينهجها النظام السابق سواء في عهد بورقيبة أو زين العابدين، من شأنها أن تولد مثل هذه التيارات، فالغلو لا يولد إلا مثله. ● حاورته سناء كريم ● أنتم الآن، المشرف العام عن «دار الحكمة للتنمية البشرية والدراسات الاستراتيجية»، حدثنا عن الهدف من إنشاء هذا المركز؟ ❍ المركز له عدة أهداف ويشتمل على عدة أقسام، القسم الأول مختص بالتكوين و التدريب، من جانبين :الجانب الأول يتعلق بالتنمية البشرية وتطوير مهارات الإنسان، ومنحه مفاتيح التفوق في الحياة الخاصة أو العامة، أما الجانب الثاني، الذي يمكن أن يكون جديدا بالنسبة للمغرب، وهو ما يتعلق بالدورات الشرعية، أي التكوين في العلوم الشرعية بطريقة عصرية و جذابة، و باستعمال وسائل الإيضاح الحديثة، و اعتمادا على مقررات صيغت بنمط حديث، وفي وقت وجيز، و بشهادات و إجازات، باختصار بشكل جديد مخالف تماما لما كان في السابق. أما القسم الثاني، فيتعلق بالبحث العلمي والمساعدة على إعداد البحوث، وهو أحد أهم أقسام دار الحكمة، وسيقوم على الإشراف على مجموعة من البحوث والدراسات في مختلف العلوم وفي مختلف جوانب الفكر، سيقوم بالإشراف عليها وإصدارها، وربط شراكات مع مختلف مراكز البحث والدراسة، كما سيقوم بتقديم خدمة للباحثين في مختلف التخصصات بمساعدتهم على إنجاز بحوثهم خاصة البحوث الجامعية. من جانب آخر، ستعمل دار الحكمة على تقديم الاستشارات الفكرية والأسرية والتربوية، والمساعدة على الزواج، إضافة إلى قسم ترفيهي يشمل تنظيم المسابقات و الرحلات، وتنظيم الحفلات والولائم والعقائق بما يناسب هذه اللقاءات و مغزاها الشرعي، مع احترام الضوابط الشرعية. و أشير أيضا إلى أن الدار تقدم خدمات أيضا متعلقة بالتواصل و تعليم اللغات، كما أن لها مجموعة من البرامج العلمية والفكرية على طول السنة يستفيد منها المنخرطون بالدار أو غيرهم. ● هل يعتبر عملكم كمشرف على دار الحكمة بديلا عن العمل الدعوي؟ ❍ عملي بدار الحكمة ليس بديلا عن العمل الدعوي ولا علاقة له به، فلهذا الأخير مساره و له طرقه وآلياته، ونحن ماضون فيه، وفكرته لم تنته بعد حيث نسعى دائما بكل الوسائل الممكنة من تنظيم عملنا الدعوي و التربوي، لكن المسلم بطبيعته داعية أينما حل وارتحل، في أي عمل كان يظل هذا البعد حاضرا في ذهنه لا ينفك عنه. ● لننتقل إلى ملف «السلفية الجهادية»، خلال الشهور الأخيرة، كثر الوسطاء والمتدخلون لحل هذا الملف، في حين لم نسمع عن أي صوت أو مبادرة لإدارة الحوار حول هذا الملف أوتقديم الحلول من طرف الشيوخ الذين عانوا لسنوات خلف القضبان على خلفيته، ما السبب؟ ❍ بالفعل كثر الوسطاء والمتدخلون في هذا الملف، وشخصيا أعتبر الأمر ظاهرة إيجابية، فقد كان مطلبنا منذ القديم أن يتعدد المتدخلون في هذا الملف، وألا يقتصر على جهة معينة، وألا تكون جهة معينة هي وحدها التي تتدخل لهذا الموضوع، فكلما تعدد المتدخلون في هذا الموضوع، كلما كانت النتائج أفضل،أنا اطالب منذ زمن بعيد بأن يتحول هذا الملف من مطلب فئوي إلى مطلب شعبي ، تتبناه كل فئات المجتمع المدني، وهذا لن يكون إلا بتعدد المتدخلين وتعدد أساليبهم في الدفاع عن الملف. هذا من جهة، وفيما يتعلق بعدم إعلاننا عن أي مبادرة فقد رأينا ألا ضرورة لذلك، على اعتبار أن التحركات والمبادرات الموجودة كافية ولذلك نتعاون معها وندعمها جميعا، وعلى تواصل مع أغلب الفاعلين في هذه التوسطات، فخدمتنا للملف ليس بالضرورة أن ندخل في مبادرة مستقلة، فنحن ومنذ خرجنا أكدنا أن همنا هو الإفراج عن جميع المعتقلين المظلومين الذين لا يزالون قابعين خلف تلك القضبان، هذا الملف من أولى أولوياتنا ولسنا بعيدين حيث ندعم كل التحركات وكل المبادرات التي تبذل في هذا الباب، ولن يهدأ لنا بال حتى يتم الإفراج عن كل المعتقلين المظلومين في هذا الملف.بعض الناس يروج اننا تخلينا عن هذا الملف، وهذا ليس بصحيح أبدا، نحن أعلم الناس بما جرى بهذا الملف، و أكثرهم إحساسا بالمآسي التي تعيشها العوائل والأسر، وعيشنا يتكدر ونحن نتذكر المحنة التي ما زالوا يعانون منها، لكن ليس كل ما يبذل يعلن عنه، و ليس النضال هو الوقفات الاحتجاجية فقط، لكل أسلوبه وطريقة عمله، و ما هو متاح له غير متاح لغيره، ونسأل الله التوفيق للجميع، ما يعنينا هو الإفراج عن المظلومين بغض النظر عن الوسيلة التي سلكت لتحقيق ذلك. ● ما رأيكم في مطلب الحوار مع المعتقلين؟ ❍ يجب التمييز فيما يتعلق بقضية الحوار مع المعتقلين بين فئتين، الفئة الأولى عددها كبير، وهي فئة تم الزج بها بالسجون ولا علاقة لها بالأحداث المنسوبة إليها، هؤلاء لا يحتاجون إلى حوار بل يجب إطلاق سراحهم فورا، لأن الحوار معهم سيكون مضيعة للوقت، فعَمَّ سيحاورون و فيم؟، فهم إما متدينون زج بهم ظلما في أحداث لا قبل لهم بها، و يحملون فكرا وسطيا معتدلا، و إما غير متدينين أصلا، و زج بهم في هذا الملف، فعن أي شيء ستتم محاورتهم؟ هؤلاء ندعوا إلى إطلاق سراحهم فورا دون تأخير. أما بالنسبة للبعض الذين فعلا قد تورطوا في بعض الأحداث وثبت ذلك في حقهم، فمع هؤلاء يكون الحوار، لكن طريقة الحوار، كيفية الحوار، أطراف الحوار.. هذا أمر ليس بيدنا ولا نستطيع تقريره، لكن المؤكد أنه يجب تشكيل لجان علمية و فكرية و من مختلف أطراف المجتمع المدني تلج السجون، و تصل إلى حل مُرض لكل الأطراف. ● زرتم تونس ضمن وفد مغربي من أجل المساهمة في إزالة التوتر و بث أجواء المصالحة والتوفيق بين حزب النهضة والسلفيين بتونس؛ بأي صفة تم اختياركم لهذه المهمة؟ وكيف تقيمون الزيارة؟ ❍ هذا الوفد ليس وفدا مغربيا، أنا كنت ضمن لجنة استطلاعية مصغرة، وقد كان مقررا أن تكون بعده زيارة لوفد كبير مكون من عدد من العلماء، والمشايخ والمفكرين والدعاة من مختلف الدول الإسلامية من أجل التدخل في المشكل الحاصل بين حركة النهضة وبعض التيارات الإسلامية في تونس، فهو وفد مختلط، يضم العديد من التيارات، وكنت سأحضر بصفتي داعية إسلاميا، ومعتقلا سياسيا سابقا، و رجلا ناشطا في هذا المجال،وصاحب علاقات لا بأس بها مع كل الأطراف، ولي ارتباط مباشر بحقيقة المشاكل الواقعة، وعلى وعي بعمق هذه المشاكل الموجودة بين الطرفين. لكن للأسف الزيارة عاقتها مشاكل كثيرة منها عدم تمكني من الدخول إلى تونس، ومع ذلك باقي المشاييخ و الدعاة دخلوا فعلا وقابلوا كثيرا من الفاعلين و النتائج كانت إيجابية ولله الحمد. ● ماهي قراءتكم لهذا المنع؟ ❍ المنع غير مفهوم، وأرده في الغالب إلى خطأ في التدبير خاصة وأني دخلت إلى تونس في مرحلة لاحقة، وبقيت هناك لأكثر من أسبوع. ● ينعتكم بعض «السلفيين»بأنكم صرتم سفيرا للإخوان المسلمين في إشارة إلى سفرياتكم نحو تونس وليبيا ومصر، ما تعليقكم؟ ❍ أولا أنا لا يعيبني أن أكون سفيرا لجماعة الإخوان المسلمين، فهي الجماعة الأم التي تولدت منها جميع الحركات الإسلامية الأخرى، والانتساب إليها ليس عيبا بل شرف يتشرف به الإنسان، و أنا نشأت في ظلال الإخوان، و تربيت على كتبهم، وحفظت تاريخهم، و عشت أفراحهم و أحزانهم ، لكن واقع الأمر أني لست منتميا لهذه الجماعة، ولا عضوا فيها بأي شكل من الأشكال، و لا بأي صفة من الصفات، والسفريات التي تم الحديث عنها ليست مرتبطة كلها بالإخوان المسلمين، فدخولي إلى ليبيا كان بدعوة من الإخوان المسلمين، وسفري إلى مصر كان بدعوة من بعض الحركات السلفية، ودخولي إلى تونس كان بدعوة من منتدى الجاحظ، وهو منتدى غير إسلامي أصلا، فهذا منهجي و دأبي، أتعامل مع الجميع، و أتواصل مع الكل، و ألبي كل دعوات الخير، وأتشرف بأن لي علاقات جيدة مع كل الحركات الإسلامية، و أتعاون معها جميعا، و أعمل جاهدا على تدعيم التواصل والترابط بينها، فمنهجي أن الحق لا يحتكره أحد، و انه قد توزع بين طوائف الأمة، وكل هذه الحركات على خير، وكل طرف منها على ثغر، و هي حصن القيم و المثل، ومعقل الدفاع عن ثوابت الأمة ومقدساتها. ● يلاحظ تنامي التيار الجهادي بتونس بعد الربيع العربي، ما هي قراءتكم لهذا الوضع؟ ❍ هذا الأمر طبيعي جدا بحكم حدة القمع الذي كانت تعيشه تونس في العهود السابقة، فسياسة تجفيف المنابع التي كان ينهجها النظام السابق سواء في عهد بورقيبة أو زين العابدين، من شأنها أن تولد مثل هذه التيارات، فالغلو لا يولد إلا مثله، وبالتالي بروز هذه التيارات بهذا الشكل العنيف، وعدم النضج الذي يظهر عند كثير من الشباب، أمر طبيعي جدا في ظل ما عاشته تونس من أجواء الاستبداد والقهر، و محاولة استئصال الإسلام من العقول. ● ألا يتناقض هذا الطرح مع تصريح سابق لكم خلال استضافتكم بإحدى البرامج التلفزية بتونس، حينما قلتم إن الربيع العربي سبب في اندثار التيار الجهادي بالعديد من الدول؟ ❍ أنا أتحدث بشكل عام، تونس حالة خاصة جدا، ومعطياتها خاصة جدا، لكن لما تحدثت عن الربيع العربي بشكل عام سواء في تونس أو في غيرها من الدول، قلت هذا الكلام، وأصر عليه، إن أكبر المبررات التي كانت تحرك هذه التيارات لإنشاء جماعات مسلحة و إعلان الجهاد ،والذي كان يمنحها نوعا من الدعم، هو وجود الظلم و الاستبداد، والقهر و الاستغلال، و عدم توزيع الثروات بشكل عادل، و الحرب التي كانت معلنة على الدين و أهله، وبانتفاضة الشعوب فيما يعرف بالربيع العربي، لم تعد أغلب المبررات قائمة، أو على الأقل ما يغذي هذه التيارات ، فلذلك؛ أمر طبيعي أن يتحول فكر الكثيرين إلى المدافعة السياسية كما حصل مثلا للجماعة المقاتلة بليبيا أو الجماعات الجهادية بمصر، كما أن كثيرا من الناس اقتنعت أن مسلك الثورات الشعبية أنجع و أسرع من مسالك التنظيمات المسلحة . ● دعوتم خلال نفس البرنامج السلفيين التونسيين إلى المشاركة بقوة في العمل السياسي، فيما يلاحظ بعض التحفظ منكم فيما يتعلق بهذا المطلب بالمغرب، ما تعليقكم؟ ❍ مبدئيا أنا مع العمل السياسي، وأشجع عليه، وأرى أن أي تيار إذا أراد أن يكون له أثر في صناعة القرار، في أي دولة من الدول فلابد له أن يسلك مثل هذا المسلك، فهذا مجال من مجالات التدافع بين التيارات المختلفة فلا يمكن أن تترك الباب خاليا، و أن تسلك سياسة الكرسي الفارغ، هذا ليس فيه أي مصلحة لا للإسلام، ولا للمسلمين، لا للبلاد ولا للعباد. وحينما أحجم عن ذلك بالنسبة للمغرب، ليس لأسباب فكرية أو مبدئية، وإنما لأسباب واقعية متعلقة بالاختلافات بين التجربة المغربية وغيرها من التجارب في مختلف الدول التي كان فيها الربيع العربي، أرى أن الشروط الذاتية والموضوعية بالمغرب غير مهيأة لقيام حزب سلفي أو دخول السلفيين غمار السياسة كما هو الشأن بالنسبة لتونس أو في مصر. ● لننتقل إلى مصر، شكل السلفيون بهذه الدولة حزبا سياسيا وخاضوا انتخابات ودخلوا البرلمان وشاركوا بالحكومة. ماذا تعني لكم هذه التطورات؟ ❍ لا يمكن لنا إلا مباركة هذه الخطوات، فهي نتاج عمل كبير وعريق استمر لعشرات السنين، تطلب وقتا طويلا من النضال، و من التضحيات والبذل، شخصيا أتابع هذه التجربة بدقة وأهتم بها بشكل كبير، هي تجربة رائدة، وأنا جد متفائل بها، بالرغم من كل العوائق وكل الاحتقانات الموجودة الآن في الساحة، وبالرغم من كل هذه الأحداث والأخبار التي نسمع عنها يوميا إلا أنني جد متفائل بهذه التجربة، وحتى التجربة السلفية بمصر أرى أنها متميزة جدا حتى مع كل تلك الانقسامات و أرى أنها انقسامات إيجابية، وبحكم علاقاتي الجيدة مع الكثير من الإسلاميين بمصر سواء من الإخوان المسلمين، أو من حزب النور، أو حزب الوطن الذي أسس أخيرا، استبشرت كثيرا بما حصل لحزب النور رغم أن ظاهره شر، على اعتبار،أن الأحداث الجديدة التي تعرفها مصر بعد الربيع العربي، يجب أن تتنوع فيها التشكلات الإسلامية، ففي ذلك مصلحة لهم وللجميع، ما يحدث بمصر إيجابي ويتطور من الحسن إلى الأحسن، ونتمنى عودة مصر القوية بتاريخها وآثرها في تحديد سياسات ليس المنطقة فقط بل العالم كله. ● الملاحظ أن سلفيي تونس على نقيض سلفيي مصر، انخرطوا في أفعال تصب في النهاية لصالح المعارضة العلمانية، ما تعليقك على هذا الطرح؟ ❍ أنا صراحة نبهت مرارا وتكرارا هؤلاء الشباب إلى عواقب ما يفعلونه و إن كان بحسن نية، كثير منهم لا يعي جيدا مآلات وعواقب بعض الأفعال التي لن تجر على المسلمين إلا مزيدا من المفاسد ، وهنا أحب أن أوضح أمرا بخصوص الضجة التي كانت بعد زيارتي لتونس من طرف بعض الشباب الذين ظنوا أني استهدفتهم و هاجمتهم، بالعكس أنا لم أهاجمهم بل كنت مشفقا عليهم، اللقاء الحواري الإذاعي الذي كانت بسببه هذه الضجة، ذكرت فيه أن عند هؤلاء الشباب حماس للدين و رغبة في الإصلاح وهذا لا نشك فيه، ولا نشك في صدق نواياهم وصدق حماستهم،وغيرتهم، لكن الذي استنكرته ولازلت أستنكره بعض التصرفات غير المحسوبة، فكثير من أفعالهم هي في حقيقة الأمر لا تعود بأي نفع لا عليهم ولا على غيرهم، بل يستغل خصومهم تلك الأفعال لتشويه هذا التيار وتشويه الإسلاميين بشكل عام، مما يعطيهم مساحات أكبر للتحكم في الدولة الجديدة التي قامت بعد البيع العربي، لذلك أدعو هؤلاء الشباب ألا يعطوا خصومهم أي فرصة لكي يستغلوها بشكل سيئ يعود بالمفسدة على الجميع. ● بين تجربة السلفيين بمصر وتونس وليبيا والمغرب، نريد منكم مقارنة المستويات التالية: - طبيعة التوجهات المتنامية فيها؟ - مستقبل تطور مشروع السلفية اليوم بعد الربيع الديموقراطي؟ ● بالنسبة لطبيعة التوجهات المتنامية في هذه الدول، هناك قواسم مشتركة وأخرى مختلفة بسبب خصوصية بلد كل فئة في هذه التيارات، فلا يمكن مقارنة السلفية بليبيا بسلفية مصر أو تونس، فسلفية ليبيا نشأت في بيئة وظروف وأجواء مغايرة، جماعات سلفية كانت من قبل تشكل جماعات مسلحة قامت على القدافي وخرجت عليه، وامتلأت بها السجون، واليوم اختارت العمل السياسي من أوسع ابوابه، وهناك جماعات سلفية نشأت لأول مرة بعد الربيع العربي لم يكن لها أي تحرك أو وجود على أرض الواقع قبل الربيع العربي. وهذا مختلف عن التجربة المصرية، فسلفية مصر لها تجربة عريقة جدا، عقود من العمل والدعوة إلى الله ولها تواجد كبير على الأرض، و احتكاك كبير مع الشعب، ولديها قنوات فضائية، وجمعيات خيرية ودعوية، فدعاة السلفية المصريين متواجدون بشكل قوي وفعال داخل مصر وخارجه، ولذلك لا غرابة أن يحصلوا ما حصلوا من بالمقاعد خلال الانتخابات ، شخصيا كنت أتوقع أكثر من تلك المقاعد، ومن هذا المنطلق لا يمكن مقارنة التجربة السلفية المصرية بالتجربة التونسية، حيث كان هناك استئصال لمنابع السلفيين، فهناك التيارات التي كانت توصف بأنها «معتدلة» تحارب أشد الحرب فكيف سيكون الأمر بالنسبة للتيارات التي تحسب على أنها»متطرفة». ولا يمكن مقارنة كل هذه السلفيات بتيار السلفية بالمغرب، فلهذه الأخيرة طابعها الخاص، حيث نشأت في بيئة خاصة، فهي ليست امتدادا للتجربة الليبية، وأفضل من التجربة التونسية، ولا يمكن مقارنتها بأي حال من الأحوال بالسلفية المصرية، على اعتبار أن تجربة هذه الأخيرة أكثر غنى وتجذرا وأكثر تاريخية على كل المستويات، لكن للسلفية المغربية بعض الخصوصيات، فالسلفية بالمغرب ارتبطت بالحركة الوطنية ابتداء، وهذا الأمر غير متواجد بالتجارب الأخرى، وتتميز بتعدد الفاعلين فيها بشكل كبير جدا وبشكل فوضوي وغير منظم ،وتتميز بتعدد الانشقاقات والمشاحنات والتوترات، والتي وصلت إلى مستوى اعتبارها ظاهرة مرضية وغير صحية. ● عودة إلى السؤال السابق، كيف تقرؤون مستقبل تطور مشروع السلفية اليوم بعد الربيع الديموقراطي بكل تلك الدول؟ ❍ طبعا لا شك أن هذه الحركات في ظل الربيع العربي سيكون لها مستقبل كبير جدا، ونظرا للخطاب البسيط الذي تعتمده هذه الحركات، وهو خطاب مرتبط بشكل أكثر بالحس الديني الذي هو متجذر عند كل هذه الشعوب، نرى أن مستقبل هذه الشعوب كبير جدا مع هذا التيار، ونتمنى ألا تقع في كثير من الأخطاء، التي قد تفقدها رصيدها الشعبي، وتفقدها الكثير من البريق. فالمطلوب تزكية هذا التواجد الشعبي بتسويق خطاب متوازن معتدل، له أثر كبير ومقبول عند النخبة وعند عموم الشعب. من جهة أخرى، لابد من التأكيد على أنه من غير الممكن الحديث عن تيار سلفي موحد لا في المغرب ولا في غيره من الدول، فبالحديث عن تيار معين يجب أن نحدد أي جهة من هذا التيار، فالتيار السلفي يشمل أطيافا متعددة، ومختلفة وبالتالي لا يمكن الحديث إلا عن كل طرف من هذا التيار الذي له علاقاته الخاصة التي قد تختلف وتتناقض مع التصورات التي ينهجها الطيف الآخر داخل هذا التيار. ● هل نسقط هذا الطرح على المغرب أيضا؟ ❍ بالطبع، بالمغرب يمكن الحديث عن أربعة أنواع من السلفية:السلفية المدخلية، السلفية العلمية، و السلفية الحركية، والسلفية الجهادية، ولكل طيف من هذه الأطياف رؤاه الخاصة التي تختلف عن رؤى الطيف الآخر، قد تشترك تلك السلفيات في المعاني العامة التي هي اتباع الكتاب و السنة على منهج السلف الصالح، هذه المعاني العامة قد تلتقي فيها السلفية مع تيارات أخرى، لكن تنزيل هذا التصور على أرض الواقع يختلف، فمنها ما هو حاد جدا في علاقته مع الآخر سواء تعلق الأمر بالإسلاميين أو غيرهم، ومنها ما هو متفتح ومعتدل مع طرف دون الآخر.. هناك اختلاف أحيانا في الأولويات والتقديرات وطريقة التناول، هناك اختلاف في آليات العمل والتحرك، شأن المغرب في ذلك شأن كل الدول الأخرى، مع بعض الاختلافات الجزئية. ● اعتبرتم «السلفية الجهادية «كتيار سلفي ضمن التيارات السلفية بالمغرب، هل هذا اعتراف منكم بوجود «سلفية جهادية»؟ ❍ لا يوجد بالمغرب تنظيم سلفي جهادي ، بمعنى تنظيم له قادته ورموزه وأتباعه، لكن كفكر، تيار السلفية الجهادية بالمغرب موجود كما هو الشأن في باقي الدول، له آراؤه و نظرته و أدبياته و شيوخه ورموزه، وله تواجد قوي على الشبكة العنكبوتية، فهذا أمر لا يمكن إنكاره. ● كيف تقرؤون المشهد الإسلامي بالمغرب؟ ❍ المشهد الإسلامي بالمغرب، كسائر المشاهد بباقي الدول فيه ما يسر وفيه ما يضر، يسرني طبعا هذا الحراك الموجود وهذا التفاعل القوي لمختلف أطراف هذا المشهد مع الشعب سواء من الموقع الرسمي أو الموقع المعارض، و هذا التواجد الفعلي والقوي في الساحة الاجتماعية و الدعوية والسياسية والحقوقية ففيها نقاط قوة للحركة الإسلامية، التي أصبحت الفاعل الاول على مستوى الميدان، فلا شك أن هذا يثلج الصدر. طبعا هناك مآخذ ومعاتبات على هذا المشهد خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين هذه الأطراف، وعدم التعاون بينها وتضارب المواقف التي حقا تحتاج لتوحد وتكتل، وهو الأمر الذي ندعو إليه بقوة، ونحرص عليه، الخوض في بعض النزاعات والخلافات الجزئية ليس في مصلحة أحد، خاصة في ظل السياق التاريخي الذي نعيشه اليوم، والذي يتوجب منا توجيه كل بوصلاتنا وجهودنا نحو ما يحقق العيش الكريم والكرامة والحرية لشعوبنا، في ظل عدل الإسلام و سمو مبادئه وقواننيه. ● بالمغرب دائما، كيف تقيمون العلاقة بين مكونات التيارات الإسلامية؟ ❍ التيارات الإسلامية بالمغرب، بين أخذ ورد في مجملها، وأرى -خاصة- في ظل الربيع العربي أن هذا الحراك ساعدها على تجاوز الكثير من الخلافات، لقد رأينا بفضل الله تعالى كثيرا من الأطراف التي كانت تتناحر فيما قبل، تجتمع اليوم في مشاريع مشتركة، لصالح البلد و الأمة وهو ما يبشر بالخير وندعو إلى الاستمرار. أنظر إلى التقارب الموجود بين الكثير من الحركات السلفية و الحركات المصنفة على أنها حركات إخوانية مثل حركة التوحيد و الإصلاح، أو جماعة العدل و الإحسان، بل التقارب بين السلفيين أنفسهم، أنظر إلى جنازة الشيخ عبد السلام ياسين رحمة الله عليه، لقد صدمت كثيرا من الناس وفاجأتهم بالشكل الذي جمعت به كثيرا من الأطياف، بل حضرها حتى بعض من شنوا في السابق حربا على المرحوم عبد السلام ياسين، وعلى جماعته، وهي مؤشرات إيجابية نتمنى أن تتطور في الميدان، و ان تتكتل الجهود وتتوحد ، بل أتمنى تكوين قطب إسلامي يجمع كل هذه الأطياف كما هو الحال في مصر اليوم، وما ذلك على الله ببعيد، خاصة في ظل أجواء الربيع العربي التي أحرقت كثيرا من المراحل ويسرت كثيرا من العقبات. ● كيف تنظرون إلى إمكانية تدعيم التقارب فيما بينهم؟ ❍ نرى أن الظروف كلها مهيأة الآن، وفرصة قائمة بشكل كبير جدا للتقارب بين هذه التيارات، وأجدد بهذه المناسبة الدعوة التي كنت أدعو لها دوما ومنذ القديم، وهي وضع ميثاق عمل إسلامي بين كل هذه الحركات، لتجاوز النقاط المختلف عليها ، بحيث يحترم كل طرف اجتهاد الآخر ويقدر عبوديته لله تعالى، ويعذره فيما يراه مجانبا للصواب، مع معرفة المنازل و السبق و العطاء، كل هذا مع التعاون على ما فيه مصلحة الأمة ، وعلى ما يعين على نهضتها واستردادها لدورها التاريخي اللائق بها. ● ما تقييمكم لتجربة الحكومة التي يقودها حزب العدالة و التنمية بالمغرب؟ ❍ يصعب اليوم الحكم على التجربة الحكومية في مثل هذا الزمن الوجيز، فأي حكومة لا بد لها من وقت كاف لتنفيذ برامجها و تنزيل خططها على الأرض، لكن يمكن الحديث عن المؤشرات، فمنها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي، لكن بالمجمل نرى أنها تجربة إيجابية، قد نختلف مع هذه الحكومة في اختيار الأولويات التي اعتمدتها، حيث نرى أنه من المفترض أن الأولوية يجب أن تكون لمعالجة الملف الحقوقي، فإقامة العدل هو أساس قيام الدول، وإقامة العدل لا يكون إلا بتصفية كل الملفات الحقوقية، وأول هذه الملفات هو ملف المعتقلين الإسلاميين، كان يجب أن يكون أولويا وعاجلا ضمن أجندات الحكومة، لكننا للأسف رأينا نوعا من التباطؤ في التعامل مع الملف، كما أن الملفات الحقوقية الأخرى لا بد لها من معالجة سريعة، خاصة فيما يتعلق بحماية حقوق الناس في الاحتجاج و المطالبة بالحقوق، وعلى الحكومة أن تكون شجاعة وجريئة في التعامل مع جيوب المقاومة الرافضة للإصلاح، دون أن أنسى ضرورة مسارعتها لإعلان إصلاحات اقتصادية واجتماعية تبعث على الاطمئنان والتفاؤل. ورغم هذا كله فلا شك أننا نلمس تقدما نوعيا، و تحسنا في الأداء، ولا يسعني إلا أن اتمنى لهم كل التوفيق والنجاح. ● هل كانت الحكومات الإسلامية في مستوى انتظارات شعوب مصر وتونس وليبيا والمغرب؟ ❍ الحكم الإجمالي صعب، لكن بالعموم نرى أنها إيجابية ومشجعة، وأنا متفائل جدا بها. ● هل مازالت الدولة تضع مسافة مع التيار السلفي؟ ❍ في الحالة المغربية نعم، مازالت الدولة تضع مسافات مع السلفيين –للأسف الشديد- بالرغم من بعض المؤشرات الإيجابية من قبيل فتح العديد من دور القرآن، و بعض هوامش الحرية التي لم تكن متاحة من قبل، لكن للأسف شهدنا منع محاضرات علمية لهذا التيار بدون أي مبرر، رأينا التضييق على بعض الجمعيات ومنع إقامتها رغم أنها تنوي إقامة عمل علني و قانوني، وهذه أخطاء قاتلة، على الدولة أن تستفيد من باقي التجارب، وأن تفتح الباب على مصراعيه أمام أبناء هذه التيارات وتيسر لهم وسائل العمل الرسمي و القانوني درءا للتشنجات والاحتكاكات، ومنعا للجوء للعمل السري عند انسداد الابواب، مما لا مصلحة فيه للجميع.