أدت وضعية الجوار الجغرافي بين المغرب و إسبانيا و التي لا تتعدى بضعة كيلومترات فقط, و كذلك التاريخ المشترك الضارب في أعماق التاريخ من الأندلس إلى فترة الاستعمار مرورا بكل المواجهات بين الضفتين على مر العصور, إلى تشكيل علاقات متشابكة و صعبة يطبعها تارة التوتر و المواجهة على خلفية قضايا تؤثر سلبا على هذه العلاقات منها قضية سبتة و مليلية التي يطالب المغرب باسترجاعهما, قضية الصحراء باعتبارها قضية مركزية و محورية في السياسة الداخلية و الخارجية للمغرب, بالإضافة إلى قضايا أخرى من قبيل الهجرة السرية, تجارة المخدرات....كما يطبع هذه العلاقات تارة أخرى الانسجام و التفاهم حين يتعلق الأمر بقضايا استراتيجية ذات الاهتمام المشترك مثل التعاون الاقتصادي و التجاري خاصة و أن إسبانيا تمر بأزمة اقتصادية خانقة تحتاج معها إلى تقوية استثماراتها في الخارج, محاربة الإرهاب و غيرها من القضايا التي تخفف إلى حد ما من حدة التوتر الذي يطبع العلاقة بين البلدين. و من مظاهر هذا التداخل و التشابك في العلاقات المغربية الإسبانية, حضور المغاربة في الجيش الإسباني حيث سنتطرق في قضية هذا العدد إلى مشاركة الجنود المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية و كذا استمرار حضور المغاربة أو الإسبان المتحدرين من مدينتي سبتة ومليلية، في صفوف القوات المسلحة الإسبانية في الوقت الراهن و ما يطرحه من رهانات و تحديات على الدولة الإسبانية من أجل إدماج هذه الفئة الجديدة القديمة في مؤسستها العسكرية دون المساس بحقوقهم الأساسية التي بكفلها لهم القانون و الدستور, و كذا تجاوز حالة الشك و الريبة فيما يخص ولائهم و دفاعهم عن الدولة و مؤسساتها. و جدير بالذكر, أن مشاركة المغاربة في الجيش الإسباني يعد فصلا واحدا من فصول مشاركة الجنود المغاربة إلى جانب القوى الاستعمارية في حروب لم تكن لهم فيها لا ناقة و لا جمل, و إنما جاءت كنتيجة لواقع الاستعمار الذي كان يرزح تحته المغرب, حيث كان لاندلاع الحرب العالمية الثانية ما بين 1939-1945 نتائج جد سلبية خاصة على دول المستعمرات وقد كان المغرب من بين أهم المستعمرات التي ثم استغلالها للمساهمة في الحرب العالمية الثانية فقد ساهم المغرب إلى جانب الحلفاء وخاصة فرنسا للتصدي إلى الديكتاتوريات الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية و ذلك راجع لكون المغرب يعتبر قاعدة استراتيجية لانطلاق العمليات العسكرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط, هذا بالإضافة إلى مساهمة المغرب الاقتصادية في الحرب إلى جانب الحلفاء حيث قام بتزويد فرنسا بالمنتوجات الفلاحية و قد كان لمساهمة المغرب بشكل كبير لتلبية حاجيات فرنسا اثر سلبي على الاقتصاد المغربي حيث ارتفعت نسبة الصادرات واستنزفت الموارد المغربية. مغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية وقبل الحديث عن هذا الموضوع المتعلق بتجنيد المغاربة، يجب التذكير ببعض المعطيات التاريخية التي تهم تطور الأوضاع الداخلية بإسبانيا، انطلاقا من عشرينيات القرن الماضي، مثل الانقلاب الذي قاده الجنرال "بريمو دي ريفيرا" (1923-1930م) وصعود الائتلاف الجمهوري الاشتراكي (1931-1933م) وقيام انتفاضة عمال المناجم في "أستورياس" شمال إسبانيا سنة 1934، وهي نقطة بداية مسلسل توظيف وتجنيد المغاربة لسحق هذه الثورة خلال فترة عودة اليمين إلى الحكم (1933-1936م)، حيث سيقود العيد من الضباط والجنرالات، وفي مقدمتهم "فرانسيسكو فرانكو"، تمردا على الحكومة الشرعية انطلاقا من الأراضي المغربية التي كانت آنذاك خاضعة للاستعمار الإسباني، اعتمادا على عناصر "جيش إفريقيا" خاصة "الجيش المغربي" ضمن طابور "اللفيف الأجنبي" الذي كان يتكون من الإيطاليين و "الإسبان والأمريكيين", و بعد خسارة الوطنيين الإسبان للانتخابات في 12 ابريل 1931, و تحت ضغط المظاهرات الشعبية, اضطر الملك الفونسو الثالث عشر لمغادرة البلاد إلى منفاه في روما, وتم إعلان قيام الجمهورية الإسبانية الثانية....سنوات قليلة بعد ذلك و بالتحديد في 17 يوليوز 1936 سيعلن الجنرال فرانسيسكو فرانكو انقلابه على الجمهورية الإسبانية, ويدخل بذلك في حرب دامت لثلاث سنوات حصدت أرواح ما يقارب المليون شخص. لقد انخرط المغاربة بكثافة في صفوف الجيش الاسباني، وكان ذلك بسبب سنوات الجفاف الأولى (1934-1935) وظروف سنوات الحرب الأولى (1937)، الأمر الذي سهل مأمورية القياد و بالمقارنة مع راتبهم الشهري كانوا أكبر عدد من المجندين رهن إشارة فرانكو وبالمقابل كان الجنود المغاربة يحصلون على الأكل والشرب، واللباس والراتب, إضافة إلى الدعاية التي تم القيام بها لإقناع المغاربة بضرورة الجهاد إلى جانب "فرانكو" من أجل مواجهة "الملحدين" و"الشيوعيين" و"الكفار" حيث تم توظيف مختلف الوسائل والآليات لإقناع وإجبار المغاربة على الانخراط والتسجيل في قوائم التجنيد، ومن ذلك الالتجاء إلى الطرق الصوفية والزوايا, و يعتبر واقع الفقر والجفاف، والظروف الاقتصادية الصعبة والقاسية، أهم الأسباب التي فرضت على بعض المغاربة الانخراط في الجيش الإسباني, و رغم الصعوبات التي اعترت هذه العملية بسبب رفض القبائل الريفية و كذا بعض الأسر انخراط أبنائها في جيش فرانكو, فإن بعض الإحصائيات تشير إلى أن عدد المغاربة المجندين قد وصل إلى 50.000 سنة 1937، وأن مجموع المغاربة المجندين وصل إلى ما يقرب 65.000 مجند. وبجانب منطقة الشمال المغربي، فقد كانت هناك مناطق أخرى شملتها عملية التجنيد مثل منطقة آيت باعمران، وخاصة سيدي إفني، التي كانت خاضعة هي الأخرى "للحماية الإسبانية"، وقد برع سكان هذه المنطقة في سلك الرماة, حيث تتم الإشارة إلى أن حوالي 9000 من الرماة كانوا ينتمون إلى هذه المنطقة. ومن المناطق الأخرى التي كانت مصدر المجندين في جيش فرانكو، بعض المناطق التي كانت تحت نفوذ "الحماية الفرنسية". بدخول المغاربة أرض المعركة, انقلبت موازين الحرب ورشحت كفة الفرانكوين بعدما كان العكس, نظرا لأن الانقلاب العسكري الذي قام به فرانكو كان فاشلا نسبيا, بحيث أن معظم القوات العسكرية بقيت موالية للجمهوريين, إلا أنه و بعد مرور أزيد من 70 عاما على تلك الحرب الشرسة التي مزقت إسبانيا وذهبت بأرواح عشرات الآلاف من الجنود والمدنيين, مازال الحيف يطال المقاتلين المغاربة و الذي يعود بالأساس إلى كونهم مسلمين, و تطالب حاليا العديد من الأصوات بإعادة الاعتبار لهؤلاء المقاتلين الذين كان لهم الفضل الأكبر في وصول الجنرال فرانكو إلى الحكم و الذين عاشوا و يعيشون حالة "ظلم تاريخي" حيث أن عددا كبيرا من المقاتلين ظلوا على مدى عقود من الزمن يتلقون تعويضا لا يزيد على 6 يوروات كل شهر، وهو مبلغ لا يكفي في المغرب لشراء كيس دقيق. إن الحرب الأهلية الإسبانية، بقدر ما كانت انتصارا واضحا لليمين الإسباني والمقاتلين معهم، إلا أنها تحولت إلى لعنة حقيقية على المقاتلين المغاربة الذين أصبحوا أعداء للجميع، لليساريين الذين قاتلوا ضدهم، ولليمينيين الذين نبذوهم كأنهم أوراق «كلينكس» تستعمل وترمى للمرة الواحدة، وهي المرة الوحيدة في تاريخ الحروب التي يتحول فيها المنتصرون في الجبهة الى خاسرين. مغاربة في الجيش الإسباني الحالي: بين الشك و الريبة أفرزت ظاهرة الهجرة من المغرب إلى إسبانيا و حصول العديد من المهاجرين على الجنسية الإسبانية التي تخول لصاحبها ولوج العديد من الوظائف العمومية, و أغلبهم من أبناء مدينتي سبتة و مليلية التي يطالب المغرب بسيادته عليهما, واقعا جديدا في الجيش الإسباني و هو تواجد جنود إسبان من أصل مسلم بكل ما يطرحه هذا الموضوع على السلطات الإسبانية من تحدي و رهانات لإدماجهم في صفوف الجيش مع الحفاظ على حقوقهم الدستورية و الدينية. تجب الإشارة إلى أن ولوج صفوف الجيش يمثل المخرج العملي الوحيد المتاح أمام عدد كبير من الشباب المغاربة بمدينتي سبتة و مليلية خاصة حيث ترتفع نسبة البطالة فيهما لمستويات قياسية، ويعاني المغاربة والمسلمون فيهما من التهميش والإقصاء. و قد ساهمت مجموعة من الأحداث منها تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة و كذلك تفجيرات قطارات العاصمة مدريد سنة 2004 بالإضافة إلى حادثة جزيرة ليلى, في بعث جو من الريبة و الشك حول كل ما له علاقة بالإسلام و المسلمين, فاتجهت أنظار السلطات الإسبانية صوب الجنود الإسبان من أصل مغربي و مسلم خاصة المتواجدين بمدينتي سبتة و مليلية و ذلك قصد سبر أغوار ولائهم للدولة الإسبانية و معرفة مدى تدينهم و هل يشكل ذلك أي خطر أو تهديد لأمن و استقرار إسبانيا, و في هذا الإطار أصدر المركز الوطني الإسباني للاستخبارات تقريرا أمنيا سريا قلل فيه من نسبة خطر الجنود المغاربة بسبتةالمحتلة، أو ما يطلق عليهم اسم "الجنود المسلمين" على الدولة الإسبانية، مثلما حاول التقليل من نسبة ما تداولته العديد من التقارير حول كون هؤلاء الجنود يشكلون خطرا على المؤسسة العسكرية بسبب تدينهم. وأشار التقرير إلى أن الجنود الإسبان المسلمين (مغاربة سبتة) معتدلون في تدينهم وفي ممارسة شعائرهم الدينية، مضيفا بأنه تمت «مراقبة ممارستهم شعائر الدين الإسلامي وخلال تأدية صلاتهم داخل مساجد سبتة، بل حتى داخل المساجد التي توجد ببعض الثكنات العسكرية الإسبانية». وأكد التقرير المخابراتي أن عددا كبيرا من مغاربة سبتة العاملين في صفوف الجيش الإسباني يقومون بزيارات متعددة إلى المدن المغربية لزيارة أقاربهم وذويهم، لكنهم، يضيف التقرير، ثبت بعد مراقبتهم أن تلك الزيارات «عادية في شكلها ومضمونها ولا تشكل خطرا على المؤسسة العسكرية الإسبانية», و جاء هذا بعد تلقي السلطات الإسبانية تقريرًا سريًا مخابراتيًا وجهته وكالة المخابرات المركزية الأميركية « سي.أي إيه »، ومكتب التحقيقات الفيدرالي « الإف. بي. أي »، إلى نظيرتها الإسبانية تحذر فيه أمريكا عناصر الجيش الإسباني من مغاربة سبتة ومليلية، ومدى تعاطفهم مع تنظيمات إرهابية، من أبرزها القاعدة. وينصح التقرير الأمريكي وزارة الدفاع الإسبانية والاستخبارات الإسبانية بتكثيف البحث بخصوص هؤلاء الجنود العاملين ضمن صفوف قوات الجيش البري، بعدما كشفت عن اتصالات أجراها جنود أميركيون مع متطرفين إسلاميين واحتمال وجود ارتباطات أخرى مماثلة مع جنود مغاربة سبتة ومليلية المسلمين. وارتفعت مؤخرا تخوفات الجيش الإسباني من الجنود المغاربة بعدما احتل هؤلاء نسبة 30 بالمائة في مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، أي أكثر من ثلث القوات الإسبانية المتمركزة هناك, و أصبح الوجود المتزايد لأبناء مغاربة سبتة ومليلية في صفوف الجيش الاسباني يثير مخاوف بعض الأوساط اليمينية في إسبانيا، فقد عبر سيناتور الحزب الشعبي بالغرفة العليا الاسبانية لويس بيرال عن قلقه من النسبة الكبيرة والمتزايدة للجنود من أصل مغربي الذين يؤدون الخدمة العسكرية في صفوف وحدات الجيش الاسباني بالمدينتين المحتلتين, كما أصدر رئيس جمعية الجنود الإسبان تحذيرات من وجود ما أسماه "احتمال وجود طابور خامس" مكون من المجندين المسلمين في مدينتي سبتة و مليلية, مضيفا بأن "الخطر قائم وحقيقي"، في إشارة منه إلى انضمام مغاربة سبتة ومليلية إلى قوات الجيش الإسباني, رئيس جمعية الجنود الإسبان حذر المؤسسة العسكرية الإسبانية و وزارة الدفاع، من تجنيدهما لمغاربة سبتة ومليلية ضمن سلك الجندية، ووصف ذلك ب "غير المقبول"، خصوصا بعدما وصفهم بالطابور الخامس أو ب"جيش الاحتياط" المغربي في إسبانيا. تصريحات رئيس جمعية الجنود الإسبان, ليوبولدو مونيوث وجهت كذلك إلى حلف الناتو، محذر إياه مما أسماه "تهديد العالم الإسلامي للغرب" وأوروبا، وخصوصا داخل مناطق بعينها مثل سبتة ومليلية، اللتين اعتبرهما "غير محميتين من قبل حلف شمال الأطلسي"، ولذلك طالب بضرورة "اتخاذ احتياطات كبيرة" بخصوص المجندين الأجانب، خصوصا معتنقي الديانة الإسلامية، بهدف "تفادي غزو جديد" لإسبانيا من قبل المسلمين. و تعكس هذه التصريحات و مواقف بعض الساسة اليمينيين من قضية تواجد جنود إسبان من أصل مسلم داخل الجيش الإسباني, سطوة الصورة النمطية حول المغربي المسلم أو "المورو" في المخيلة الجماعية لإسبانيا و استمرار حالة التوجس و الريبة التي تعكسها هذه المواقف على خلفية تاريخ مشترك من الصراعات و النزاعات أدت إلى ترسيخ مفاهيم سلبية حول الجار الجنوبي, حيث شكلت مشاركة الجنود المغاربة في الحرب الاهلية الإسبانية ما بين 1936 و 1939 ودورهم "الحاسم" في النصر الذي حققه فرانكو العامل الذي رسخ الصورة السوداوية للمغاربة في إسبانيا إلى الأبد. و لا يخلو تعامل المؤسسة العسكرية الإسبانية مع الجنود من أصل مسلم من بعض التعسف و يعكس ذلك طرد جنود مغاربة من الجيش بدون تعليل أو سبب معقول, بحيث يبقى الجندي المغربي مشتبه فيه دائما بسبب دينه الإسلامي. ومن أشهر هذه القرارات عزل ثلاثة جنود مغاربة من الجيش الإسباني في العام 2006 بعد طرحهم لسؤال حول جواز الخدمة في جيش الكفار، على قناة الجزيرة القطرية, وتلاحق المصالح الاستخباراتية جميع المغاربة الذين يكشفون عن تعاطف أو يعلنون عن آراء متطرفة أو يقيمون علاقات مع الإسلاميين. وقد أوقفت مصالح المراقبة هذه تجديد عقود عمل عدد من المغاربة في الجيش الإسباني من دون تعليل أو سبب واضح، مع حفظ المعلومات الحقيقية المبنية عليها مثل هذه القرارات، من دون أن يحق حتى للجندي المعني بالمسألة أن يطلع على هذه المعلومات في حين وصلت عدد الحالات الناتجة عن مثل هذه الإجراءات في السنوات الأخيرة، إلى اثني عشر حالة حسب مصادر قريبة من المعنيين بهذه القرارات. وفيما أنكر القائد العسكري السابق بمدينة سبتة وجود أي نوع من الاضطهاد أو التمييز ضد الجنود المغاربة في داخل الجيش الإسباني بمدينتي سبتة و مليلية التي يطالب المغرب باسترجاع سيادته عليهما, فإن محمد على المستشار الجماعي بمدينة سبتة عن الاتحاد الديمقراطي السبتي يؤكد وجود هذه الممارسات بشكل روتيني. وقد نفت مصادر عسكرية بدورها ذلك مشيرة إلى أن الجيش الإسباني بمدينة سبتة قبل 90 في المائة من طلبات تجديد التعهد العسكري، وأوضحت بأن نصف العشرة في المائة الباقية المرفوضة طلباتهم ينتمون إلى الديانة المسيحية.