ينتظر أن تصبح قضية المغاربة ضحايا الحرب الأهلية الإسبانية مشكلة حقيقية على طاولة قاضي المحكمة الوطنية الإسبانية الشهير بالثازار غارثون، الذي فتح ملف ضحايا الحرب الأهلية من الإسبان دون زملائهم المغاربة الذين شاركوا في تلك الحرب ودفن بعضهم في المقابر الجماعية التي تطالب الجمعيات الحقوقية الإسبانية بالنبش عنها. فقد وجهت هيئة مغربية رسالة إلى القاضي الإسباني، الذي يعكف حاليا على الكشف عن ضحايا الحرب الأهلية الإسبانية والمقابر الجماعية التي دفنوا فيها، تطالب فيها بإدراج ملف المقاتلين المغاربة الذين تم تجنيدهم في صفوف الجيش النظامي للجنرال فرانكو، إبان الحرب الأهلية التي امتدت من 1936 إلى 1939 بين القوميين بقيادة فرانكو والجمهوريين خلال الجمهورية الإسبانية الثانية، وخلفت مئات الآلاف من القتلى والمعطوبين ومجهولي المصير. وشرع مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل، أول هيئة مغربية تشتغل على ملفات الماضي بين المغرب وإسبانيا وفرنسا وخصوصا المرحلة الاستعمارية، في عقد لقاءات مع عائلات ضحايا الحرب الإسبانية وذويهم وإعداد اللوائح النهائية للضحايا والمفقودين، وجمع الوثائق المتعلقة بتلك المرحلة، بهدف وضع ملف كامل للتحرك به في اتجاه تحريك هذا الملف الشائك، وينوي المركز إقامة ندوة صحافية بالرباط خلال الأسبوع المقبل لتسليط الضوء على هذه القضية. وقال عبد السلام بوطيب، رئيس المركز، إن هذا الأخير وجه رسائل إلى رئيس الحكومة الإسبانية خوصي لويس رودريغيث زباثيرو والوزير الأول المغربي عباس الفاسي ورئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والجمعيات الحقوقية والأحزاب السياسية، يطالب فيها بفتح النقاش حول الموضوع بالمغرب وإيجاد الآليات الكفيلة بطرح هذه القضية مع الجانب الإسباني. وأوضح بوطيب أن عدد القتلى المغاربة، وفقا للوثائق المتوفرة بما فيها الدراسات التي قام بها باحثون ومؤرخون إسبان، يقدر بحوالي 163 ألف مغربي، بينهم 63 ألفا تقريبا لا يزال مصيرهم مجهولا، علاوة على 10 آلاف طفل من أبناء الريف تقل أعمارهم عن 12 سنة تم ترحيلهم قسرا على متن سفينة إسبانية وإنزالهم في السواحل الإسبانية لكي يشكلوا طابورا في وجه المقاتلين الجمهوريين، وهو ما يعرف في منطقة الريف ب«طابور للايمة»، مشيرا إلى أنه إلى جانب المقاتلين المغاربة، الذين تم تجنيدهم قسرا في صفوف جيش فرانكو، كان هناك حوالي 300 جزائري و100 ليبي وبعض السوريين واللبنانيين، ولم يستبعد بوطيب أن تتم مراسلة البلدان العربية التي ينتمي إليها هؤلاء المجندون من أجل تنسيق الجهود معها في الحوار مع الإسبان. وتوصل القاضي الإسباني غارثون أول أمس بلائحة شبه نهائية قدمتها 22 جمعية ومنظمة لعائلات الضحايا والمفقودين، تتضمن أزيد من 133 ألف إسباني من ضحايا الحرب الأهلية، غالبيتها من منطقة الأندلس التي كانت المسرح الرئيسي الذي دارت فيه رحى الحرب بين الجمهوريين والجيش الفرانكوي، بينهم 457 من المختفين ينحدرون من سبتة ومليلية المحتلتين. وهذه أول مرة يثار فيها ملف المفقودين والضحايا في الحرب الأهلية الإسبانية بعد نحو سبعين عاما، إذ كان الجنرال فرانكو، أمام التحول النوعي الذي حصل في العمليات العسكرية، قد فكر في تقوية صفوف الجيش في منطقة الحماية الإسبانية بالمغرب بتجنيد عدد إضافي من المقاتلين المغاربة، فانخرط المغاربة بكثافة في صفوف الجيش الإسباني، خصوصا بدافع الفرار من آثار الجفاف الذي ضرب المغرب في تلك الفترة، وبسبب ظروف العيش الصعبة في منطقة الريف، مما دفع الكثير من الريفيين إلى الالتحاق بصفوف جيش فرانكو الذي قدم لهم وعودا لم يف بالكثير منها، إلا أن غالبية المغاربة الذين قاتلوا في تلك الحرب تم تجنيدهم بالقوة، بالرغم من معارضة زعماء الحركة الوطنية والملك محمد الخامس نفسه، الذي عارض دفع المغاربة في أتون صراع إسباني خالص لا يجلب للمغرب ولا للمغاربة أي مصلحة. وكانت غالبية المغاربة الذين شاركوا في تلك الحرب قد حاربت إلى جانب جيش فرانكو، بينما لا يتعدى عدد من حاربوا إلى جانب الجمهوريين ألف شخص، بينهم عدد من المغاربة الذين فروا من الجيش النظامي والتحقوا بالجانب الآخر. وتندرج مبادرة القاضي الإسباني بالثازار غارثون في إطار قانون الذاكرة التاريخية، الذي طرحته الحكومة الإسبانية اليسارية في العام الماضي وسط معارضة قوية من اليمين الإسباني الذي يعتبر ذلك إساءة إلى تاريخ إسباني وشخصية فرانكو. وتنتظر عائلات الضحايا والمفقودين الإسبان من المبادرة أن تفتح ملف المقابر الجماعية للقتلى والكشف عن مصير المختفين، وسبق لإسبانيا أن كشفت خلال الأعوام الماضية عن حوالي 150 مقبرة جماعية لضحايا الحرب الأهلية، إما بطلب من عائلات الضحايا أو الجمعيات الحقوقية، كما تنتظر أن يتم الكشف عن أماكن الإعدام الجماعية التي كان جيش فرانكو ينفذها في صفوف الجمهوريين المعارضين لحكمه. لغز طابور «للايمة» في الحرب الأهلية خلال الحرب الأهلية الإسبانية قامت السلطات الاستعمارية الإسبانية في منطقة الريف بترحيل حوالي 10 آلاف طفل من أبناء المنطقة نحو إسبانيا، ليشكلوا طابورا في مواجهة المقاتلين الجمهوريين. تعرف تلك القصة لدى الريفيين باسم «طابور للايمة»، ومصدر الاسم من الأمازيغية لأن سكان المنطقة في تلك الفترة اعتبروا ما حصل كارثة عظمى تم توريط سكان المنطقة فيها، فكانت النساء تصرخن «آللايمة» كناية على نزول الكارثة، إلى درجة أن منطقة الريف أفرغت تقريبا من الرجال، ويروى أن أحد فقهاء المنطقة أفتى امرأة ريفية في تلك الفترة، خلال عيد الأضحى، بأن تذبح الأضحية بنفسها، شريطة أن تكون محملة بطفل على ظهرها، وهذه الفتوى شهيرة في حوليات الحرب الأهلية بالريف، وتكشف أن غالبية رجال المنطقة جندوا في تلك الحرب ولم يبق بها سوى النساء.