بعد سبعين عاما من انتهاء الحرب الأهلية الإسبانية التي شارك فيها عشرات الآلاف من المجندين المغاربة في جيش فرانكو، ما زال قماهري محمد بن عياد، من مدينة تاونات، ينتظر أخبارا عن شقيقه أحمد بن عياد بن محمد، الذي تم تجنيده بشكل قسري في تلك الحرب من قبل الجيش النظامي الإسباني أثناء احتلال المنطقة الشمالية، منذ أن اختفى بشكل نهائي عام 1936 بالناظور التي حل بها لزيارة شقيقه. قصة قماهري واحدة من قصص كثيرة لمغاربة جندوا في الحرب الأهلية الإسبانية بين عامي 1936 و1939 إلى جانب الديكتاتور فرانكو لمقاتلة الجمهوريين، بعد محاولة فرانكو الانقلاب على الديمقراطية والاستيلاء على الحكم، وعدد كبير من هؤلاء بدأ يخرج إلى النور بعد صمت طال سبعة عقود، بعد إنشاء مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل. إذ أعلن هذا الأخير، في ندوة صحافية أمس بالرباط، أنه تسلم المئات من هذه الرسائل من عائلات وذوي الضحايا المغاربة من مختلف جهات المغرب، ممن شاركوا في الحرب الأهلية ودفنوا في المقابر الجماعية أو أعدموا أو لم يتم الكشف عن مصيرهم إلى اليوم. وأوضح رئيس المركز، عبد السلام بوطيب، أن المركز اختار الاشتغال على هذا الملف لتزامن إنشائه مع فتح ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إسبانيا من قبل قاضي المحكمة الوطنية بالثازار غارثون، ولتداخل ملف المغاربة مع ملف الإسبان. وأشار بوطيب بهذا الخصوص إلى أن المركز عقد خلال الأسبوع المنقضي لقاء مع الوزير الأول عباس الفاسي بهدف طرح هذا الملف بشكل رسمي على الجانب الإسباني، وقال، ردا على سؤال بهذا الخصوص، إلى أن اللقاء كان إيجابيا حيث أبدى الوزير الأول استعداد الحكومة لتبني هذا الملف، وبشأن احتمال أن يؤدي طرح هذه القضية على أنظار المسؤولين الإسبان إلى تأزيم العلاقة مع المغرب، خاصة وأن القاضي الذي فتح ملف الحرب الأهلية هو نفسه الذي رفع دعوى قضائية ضد مسؤولين أمنيين مغاربة على خلفية الحرب في الصحراء، أقر بوطيب بأن الملف «شائك ومعقد بالفعل، لكننا ارتأينا أن الوقت مناسب جدا لطرح هذا الموضوع، وعلينا أن نطرح هذه القضايا بشكل واضح من دون أن نقلق الجانبين أو نثير أي نوع من الأزمة». وقال بوطيب إن ملف ضحايا الحرب الأهلية من المغاربة ليس سوى موضوع واحد من جملة المواضيع التي يعكف المركز على مناقشتها مع الجانب الإسباني، من بينها ملف سبتة ومليلية المحتلتين ومصير المغاربة الذين شاركوا في حرب الصحراء أثناء الاحتلال الإسباني للمنطقة، والصورة السيئة في الثقافة والإعلام الإسبانيين تجاه المغاربة الذين شاركوا في الحرب الأهلية، بسبب ما يقال عن الجرائم الفظيعة التي ارتكبها هؤلاء المغاربة ضد المدنيين الإسبان. من جانبه قال عبد الفتاح الزين، رئيس اللجنة العلمية للمركز، إن الصورة النمطية التي تكرست عن المحاربين المغاربة في الحرب الإسبانية «واقع لا يرتفع والجميع له يد فيها»، داعيا إلى تفهم الأسباب والظروف السياسية التي حصل فيها ذلك، مضيفا أن المركز اختار الاشتغال على الموضوع بدون حساسيات وبمقاربة علمية. بينما أشار محمد عياد، نائب رئيس المركز، إلى أن العودة إلى الماضي في ما يتعلق بفتح صفحات الحرب الأهلية في إسبانيا وقضية المغاربة «لا تهمنا في حد ذاتها، وما يهمنا هو الماضي الذي مازال يلقي بثقله على الحاضر»، مؤكدا على أن المركز لا يريد فتح جراح الماضي «بل إيجاد مقاربة تبحث في المصير المشترك للشعبين المغربي والإسباني». ولوحظ أن الندوة الصحافية لقيت حضورا إعلاميا واسعا، خصوصا من الإعلام الإسباني الموجود بالمغرب، بسبب الاهتمام الكبير الذي يوليه الرأي العام الإسباني لهذه القضية، والاختلافات الواسعة بين اليمين واليسار تجاه إعادة فتح هذا الملف بعد سبعين عاما من السكوت، إذ لم تخف بعض الجهات الإعلامية الإسبانية المحسوبة على اليمين تخوفها من عودة شبح الحرب الأهلية من جديد، على خلفية إثارة مشكلات الماضي والتهديد بتقسيم المجتمع الإسباني من جديد إلى معسكرين.