تم يوم أول أمس السبت، في فندق خارج مدينة تطوان، تنظيم أيام دراسية حول الذاكرة المشتركة والمستقبل، التي تتمحور حول مشاركة الجنود المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية التي خاضها الدكتاتور فرانكو. وتعتبر الأيام الدراسية الأولى من نوعها في المغرب حول قضايا الذاكرة المشتركة بين المعالجة القانونية والقضائية، من أجل معالجة الحقوق السياسية وحقوق الإنسان المتعلقة بآلاف المغاربة الذين شاركوا في الحرب الأهلية الإسبانية. وعرفت الجلسة الصباحية ليوم أول أمس، والتي ترأسها رافائيل غيريرو مورينو، مداخلات مغربية وإسبانية، حيث تحدث كثير من المؤرخين المغاربة والإسبان بخصوص المشاركة في الحرب الأهلية الإسبانية، من بينهم فرانسيسكو سانشيث مونتويا، خوان باردو، والمؤرخ المغربي عبد المجيد بن جلون، وبوغالب العطار وغيرهم. وتحدث المتدخلون الإسبان بشكل عام عن السياق التاريخي والسياسي الإسباني في حقبة الدكتاتور فرانكو وتجنيده لآلاف الشبان المغاربة في حربه الأهلية التي انطلقت سنة 1936، في حين كانت المداخلات المغربية متجانسة فيما بينها، حيث اهتمت بصلب موضوع النقاش، مع التركيز بصفة خاصة على المسائل القانونية بخصوص «مغاربة فرانكو». وتساءل المؤرخ عبد المجيد بن جلون في ورقته: «هل مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية كانت قانونية في حد ذاتها؟». فحسب بن جلون لا يوجد إلى حد الآن أي مثقف أو مختص في الملف تطرق إلى هذه المسألة، مضيفا في خطابه باللغة الفرنسية أنه لا يمكن «لأحد أن يجيب عن دوافع مشاركة الجنود المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية التي لم يكن لهم فيها لا ناقة ولا جمل». من جانبه، ركز المؤرخ الإسباني خوان باردو في مداخلته على «العلاقة بين الذاكرة والتاريخ»، والمقاصد التي تهدف إلى مواجهة ذلك التحدي، وانعكاساته على الإنسان «فالذاكرة تبقى أروع اكتشاف» في نظر خوان باردو. أما المؤرخ أبوبكر بوهادي، فقد تطرق إلى معاناة الجنود المغاربة في حرب فرانكو، وظروف عيشهم البئيسة أثناء الحرب. كما استشهد بوهادي في مداخلته بوثائق سرية عسكرية تتحدث عن العدد الهائل من الجرحى في صفوف مغاربة فرانكو، مستندا كذلك إلى أرقام الجرحى المغاربة في المستشفيات الإسبانية الأندلسية في ذلك الوقت، قبل أن يتم تشييد المزيد من المستشفيات المتوفرة على أجنحة خاصة بالجنود المغاربة وسط أو شمال شبه الجزيرة الإيبيرية. «لقد عانى الجنود المغاربة من أمراض خطيرة ومعدية مثل السل والتهاب السحايا». وأضاف بوهادي أن أغلب الجنود المغاربة المشاركين في الحرب الأهلية الإسبانية لم يكونوا يحظون بالعلاج داخل المستشفيات، حيث إن منهم من اضطر إلى الخروج إلى المدن الإسبانية للتسول. وشدد المتدخل بالقول إن «الجنود المغاربة الذين شاركوا في الحرب الأهلية الإسبانية هم مجرد مرتزقة»، مما أثار حفيظة متدخل إسباني آخر، حيث رد عليه بالقول إنه لا يمكن اعتبار الماريشال مزيان أو الجنود المغاربة الآخرين من الذين تقلدوا مناصب عسكرية عليا ومهمة داخل صفوف الجيش الإسباني «مرتزقة». كما انتقد بوهادي قضية دفن الإسبان للجنود المغاربة في مقابر جماعية أو غيرها من مقابر الكاثوليك الإسبانية. «مسألة المقابر الجماعية معاناة أخرى تضاف إلى ما قاساه الجنود المغاربة»، يؤكد بوهادي. وانتقد المؤرخ المغربي بوغالب العطار سوء الأحوال المعيشية لأرامل الجنود المغاربة في حرب الجنرال فرانسيسكو فرانكو. وسلط الضوء على صعوبة الظروف المادية التي يمر بها الجنود المغاربة المتقاعدون وأرامل الموتى منهم. «المعاشات الإسبانية المخصصة لأرامل مغاربة فرانكو بئيسة للغاية» يقول بوغالب العطار، مضيفا أن «حالة جميع الأسر هي مأساوية». فحسب الأرقام الإسبانية الرسمية الصادرة منذ أربع سنوات، مازال يوجد 4800 جندي متقاعد يتقاضون معاشاتهم الإسبانية، وهم، على حد قول العطار، «يعيشون في فقر مدقع» بسبب هزالتها. ويهتم مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل بمختلف تجليات الذاكرة والذاكرة المشتركة، سواء في أبعادها الحقوقية والسياسية والثقافية والتنموية، أو في ارتباطها بأسئلة الاستدامة والحق. كما ينصب اهتمامه على قضايا الذاكرة المندرجة في إطار تناول الذاكرة ومكوناتها عموما والذاكرة المشتركة على الخصوص، كأفق جديد لصياغة المستقبل وكقيمة مضافة من خلال إعادة التفكير في أدوات ومفاهيم البناء ومساءلتها وتحصين الممارسات والمقاربات من كل أشكال الاستعمال الأدواتي داخليا وخارجيا، وذلك في إطار الندية والمصالح المشتركة والتضامن والتسامح والاعتراف بالاختلاف والتنوع والاحترام المتبادل. كما يهدف المركز إلى التعريف بالذاكرة وبالمشترك فيها وتثمينه والتفكير في أشكال استثماره من خلال القيام بأنشطة علمية وثقافية مختلفة. كما يهتم بالخبرة والاستشارة والتكوين والمواكبة في مختلف أشكالها في كل المجالات المرتبطة بالذاكرة والذاكرة المشتركة.بالإضافة إلى تدبير البرامج والمشاريع سواء بشكل خاص أو ضمن شراكات. ويجتمع خبراء ومؤرخون من المغرب وإسبانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وبريطانيا بمدينة تطوان حول طاولة واحدة للبحث في تاريخ مشاركة مجندين مغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية، وتبادل وجهات النظر بخصوص العديد من القضايا التي بقيت غامضة في هذا الملف الذي عمر نحو سبعين عاما، وذلك في أول ملتقى من نوعه يحتضنه المغرب. ومن بين القضايا التي يناقشها الملتقى، والتي هي محل خلاف بين المؤرخين والباحثين، عدد الأطفال الذين تم تجنيدهم في الحرب من منطقة الريف وترحيلهم إلى إسبانيا، وهو ما يعرف ب»طابور للايمة»، حيث يقدر البعض عددهم بحوالي 10 آلاف، بينما يقول الإسبان إن الرقم مبالغ فيه وكذلك عدد المغاربة الذين شاركوا في تلك الحرب، والذي تقدره بعض الدراسات الإسبانية بحوالي 160 ألف مغربي. وذكر عبد السلام بوطيب، رئيس المركز، أن فبرال ساليناس يتحدث عن 800000 مشارك مغربي، وأمين الريحاني تحدث عن 000 180 مشارك، بينما الإسبان يتحدثون عن ما بين 70 و90 ألف مشارك. «هذا التضارب الواضح في الأرقام بين المؤرخين ينم عن أن عدد المشاركين كان كبيرا ولايزال ويحتاج إلي الدراسة والتدقيق»، يقول بوطيب.