تابعت شأني شأن الكثير من الشباب المهتم بالشأن الإسلامي في إسبانيا تبادلا للرسائل بين شابين مسلمين معروفين بنشاطهما ومبادراتهما في المجتمع المدني للمسلمين في إسبانيا على خلفية الأحداث الأخيرة في قمة هرم التمثيلية الإسلامية في إسبانيا، وهما الأخ محمد سعيد اعليلش والأخ أحمد لعبوري. أولى حسنات هذا النقاش أنه قطع مع "المسلسل المكسيكي" الممل الذي تحولت إليه تحركات الفاعلين في أعلى هرم التمثيلية الإسلامية في إسبانيا، والتي يمكن أن تكون مثيرة لهواة لعبة الشطرنج، غير أنها في نهاية المطاف كارثية بكل المقاييس بالنسبة لعموم المسلمين. وشهدنا في هذه الرسائل، التي يمكن الاطلاع عليها على صفحة مدونة تجمع الشباب المسلم في إسبانيا، جولات تدرجت من الجانب الذاتي، الذي نعتبره ثانويا، لتنتقل إلى نقاش موضوعي حول الحالة الراهنة للمسلمين في إسبانيا. من الجيد أن نسمع دوما آراء "غير رسمية"، على الرغم من أن الحوار نحا إلى "المواقف الرسمية" للطرفين، غير أنه في بعض الجوانب كان صريحا وجريئا، ودخل إلى مناقشة مواضيع ومواقف "محرجة" بالنسبة للجيل السابق، الذي لا يناقشها إلا في مجالس جانبية أو خلف الأبواب الموصدة. لكن العنصر الغائب في رأينا هو عدم وجود رؤية شاملة للعمل الإسلامي تتجاوز الجانب "الرسمي" منه في هذا البلد، أي بعبارة أخرى أنه "توجد حياة" في ما وراء اللجنة الإسلامية، وهذا الأمر إن دل على شيء، فإنما يدل على وجود تصور "هرمي" لا يتصور وجود هذا العمل دون "مظلة" تكتل الاتحادات والفدراليات والمجالس الإسلامية، ولا وجود لهذه الأخيرة خارج إطار "ماما إسبانيا"، وهذا في اعتقادنا خطأ فادح في التصور نلوم فيه الطرفين على حد سواء، إضافة إلى كونه إجحافا في حق الكثير من العاملين في المجال الإسلامي من خارج هذا الإطار. إن النظر إلى عمل مختلف الهيئات الإسلامية يلزم أن يكون وفق منظار أفقي، أي النظر إلى مجهودات العديد من الهيئات والجمعيات التي لا تنتمي إلى أي من التكتلات الإسلامية، تعمل في مجال الدعوة والتربية أو الثقافة أو الإغاثة، وهذه الأشكال التنظيمية لا يلزم أن تتبع بالضرورة هرمية التمثيل الإسلامي "الرسمي". نعتقد أن هذا النقاش يلزم أن يفتح أكثر من أي وقت مضى، وهو في يد الشباب وكل الراغبين في العمل لخدمة هذه الجالية التي تشكل يوما بعد آخر جزء عضويا في هذا المجتمع، وفتح أشكال تنظيمية جديدة للدفاع عن قضايا المسلمين تحافظ على مسافة معقولة من هيئات التمثيل الإسلامي الرسمي. أرجو ألا يحسب أحد أنني أنتقص بهذا الكلام من دور التمثيليات الإسلامية في إسبانيا، فأنا أحسب أنني أعرف الإخوة القائمين عليها حق المعرفة، ولا أسفه مجهوداتهم، فالأعباء كثيرة والإمكانات محدود، غير أن الواضح دون الدخول في تحديد حجم مسؤولية الأطراف، أنها تعاني أزمة مزمنة تجعلها شبه مشلولة، والحاجات تتعاظم ولن تنتظر لحين حل الخلافات القائمة. إن إضافة الشباب المسلم حقيقة هو أنه، كما بدت الإرهاصات المباركة في حوار الأخوين محمد سعيد وأحمد، هو تشبع بثقافة الصراحة والديمقراطية لإسبانيا، والتفريق بين الانتماء والولاء الأعمى والانغلاق الطائفي لطرف أو لآخر. وبعد فقد خططت هذه الكلمات وأنا أشعر بأن طاقة جديدة يمكن أن تفتح آفاقا جديدة للتحرك والدينامية، لكنها في حاجة إلى تجاوز الرؤية الأحادية الضيقة للأطراف، بل الانطلاق للآفاق الرحبة للعمل الإسلامي الذي لا يستغني عن كل من يمكن أن يقدمه أحد أبنائه، بل اعتبار أمور التمثيلية أمام الدولة الإسبانية جبهة من بين جبهات متعددة، ولا يمكن تركيز الجهد فقط فيها وإهدار الوقت في النحيب وتبادل اللوم حول أصل البيضة والدجاجة.