لقد عاش العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في سنة 1991 م، مرحلة جديدة في تاريخ الشعوب وهي مرحلة الهيمنة الأمريكية على العالم ،وذلك بتسليم لها قيادة هذا الأخير اقتصاديا وماليا وسياسيا ،والذي أصبح يسير بالأحادية القطبية بعد أن كان يسير بواسطة الثنائية القطبية. إن الهيمنة الأمريكية جعلتها تتحكم في دول العالم، وذلك بإشهار نظام العقوبات على كل دولة ومحاصرتها اقتصاديا وفق "نظام سويفت"،إذا ما لم تساير سياستها وتوجهاتها،في حل القضايا الدولية وقد أدت هذه السياسة المتبعة من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى خلق أعداء تعارض مصالحها كالصينوروسيا،. إن جائحة كورونا كوفيد 19 الذي اجتاح العالم كشف عن الصراع المضمر بين الصينوأمريكا، وبدأ هذا الصراع يطفح على السطح يوما عن يوم، وبرزت الصين كقوة اقتصادية لا يستهان بها يحسب لها حساب ، وذلك عندما عمدت على تقديم قروض ومساعدات مالية وغذائية وإنسانية لدول العالم ،بما في ذلك بعض الدول الأوروبية، لتخفيف من آثار الجائحة. لقد تضايقت الصين من كثرة المضايقات الامريكية التي تتعرض لها من حين لآخر بشكل متكرر و متعمد،محاولة منها لتضييق الخناق عليها سياسيا واقتصاديا وتضعف من باسها. وأن اقوى رد الفعل على ذلك في الآونة الأخيرة ،هو خروج الصين الى العلن لتعلن معاداتها لأمريكا ،في القمة الصينية الروسية بمناسبة الألعاب الأولمبية التي نظمتها الصين، فتم إعلان عن بيان سياسي أعرب القائدان فيه عن اختيارات جريئة لإصلاح المنظومة الدولية، ومن مخرجات القمة هو الاتفاق على توحيد النظام المالي،ووضع حد للتهديدات الأمريكيةلروسيا بفرض عليها عقوبات قاسية ،وذلك بعزلها عن النظام السويفت، وهذا الاتفاق موجه ضد أمريكا بالرغم من الخلافات القائمة بين النظامين الصيني وروسيي وعدم تطابق وجهات النظر البلدين في كثير من القضايا الدولية،غير أنهما يتفقان معا عندما يتعلق الأمر بمواجهة أمريكا والتصدي لها لتهديد أمنها الاقتصادي والمالي. إن الحشود العسكرية الروسية التي زجت بهم على الحدود الأوكرانية على إثر قرار هذه الأخير بالانضمام إلى حلف الناتو الذي ترفضه روسيا رفضا حازما، تنبئ على الحرب وعن مواجهة العسكرية وشيكة بين البلدين، التي قد تجر العالم إلى الحرب العالمية الثالثة. إن العالم سيدخل غمار الحرب العالمية الثالثة لا محالة، ولا شك في ذلك أمام شدة احتدام الحرب الاقتصادية بين الصينوأمريكا، وأمام الرفض الأمريكي والغرب عامة المطلق المساس باستقلال الدول الشرقية المستقل عن الاتحاد السوفياتي،وأمام الرغبة الملحة لرئيس الجمهورية الروسية، باسترجاع هذه الدول إلى حظيرة روسيا ، فإن الحرب العالمية الثالثة قادمة بما لا يدع مجالا للشك. فإنها إذا لم تكن بين أمريكا والحليف الصيني الروسي معا، فإنها تكون بينها وبين إحدى هاتين الدولتين الخليفتين. وبعد الاصطدام الذي قد يقع بين هذه الدول سواء كان اصطداما عاما أو جزئيا فإنها عندما تضع أوزارها،فان العالم سيدخل في حالة من الفوضى والارتباك، ولن يعود كما كان ويتشكل من جديد في منظمة دولية تؤسس على الثلاثية القطبية. العالم العربي والإسلامي القطب الثالث الصاعد إن العالم يعيش مرحلة جديدة بخلق التحالفات القطبية ،لمواجهة وتقويض الهيمنة الأمريكية على العالم، وهذا المخاض الذي يترتب عنه نظام عالمي جديد ،لن يكون ولن يحدث ولن تسمح به امريكا إلا بنشوب الحرب العالمية الثالثة والتي لن تمر بمرحلة الحرب الباردة كما هو الشأن في السابق، إن التاريخ لا يعيد نفسه بنسخة مطابقة للمواصفات والظروف السابقة. وأن الحرب العالمية الثالثة ستختلف عن الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين عرفهما العالم، فتطور تكنولوجية الحربية التي تطورت كثيرا بشكل خيالي،والذي ساهم في ذلك التطور المذهل للتكنولوجيا الحربية المعلوماتية المبنية على الحرب السبرانية ، وان هذا التطور يجعلها في بدايتها أن تكون حربا فضاءية ، وأن الحدث الأخير الذي أحدثته روسيا دون إعلام سابق ، خير دليل ، وذلك عندما عمدت على تدمير القمر الصناعي في الفضاء بواسطة صاروخ مدمر، ما هي إلا إشارة ورسالة من الروس إلى الغرب عامة. فإذا كانت الحرب العالمية الثالثة قادمة لا محالة، فإنها إذا لم تكن بين الروس وامريكا فإنها ستكون بين الصينوامريكا. إذن حرب الفضاء واردة بقوة وستقوم على تدمير كل الاقمار الصناعية ،ومن ثم فإن كل الخدمات التي تقدمها هذه الأقمار الصناعية ، العسكرية منها كانت بواسطة ( ج ب س GPS) أو السلمية منها بواسطة الانترنيت والاتصالات المعلوماتية ، ستتعطل وتتوقف ويترتب عنها تعطيل إطلاق الصواريخ البلاستية، وترجع القوة العظمى إلى الحالة التي كانت عليها وهي الحرب الكلاسيكية الجديدة القديمة، أما التكنولوجيا الفائقة التطورة فإنها ستبقى جامدة لا فائدة منها،إلا إذا كان ثمة تكنولوجيا حداثية (العالم ما بعد التكنولوجيا) بديلة للاقمار الصناعية. إن الغاية من استعراض التوقعات التدميرية لحرب الفضاء آلتى سيشهدها العالم ،والتي تشيرالى أن البشرية ستعود إلى الحرب التقليدية، ومن هنا فإن الدول العربية ستتحرر من عقدة التطور التكنولوجي المبني على الأقمار الصناعية ،التي عجزت عن الوصول الي صناعتها،وامام هذه المستجدات ما عليها إلا أن تضع خطة مستقبلية لكي يكون لها حضور وازن على المستوى العالمي. إن العالم حسب المعطيات المبنية على التحالفات ،سيعرف صراعات مستقبلا بين الثلاثية القطبية أو ثلاث عوالم مختلفة على المستوى الأيديولوجي وعلى المستوى الفكري وعلى المستوى الديني، وهو القطب الأول : بقيادة أمريكا والغرب، والقطب الثاني :بقيادة الصينوروسيا، والقطب الثالث : وهي الدول العربية والإسلامية القوة الصاعدة. إن العالم سيعرف تغييرا جذريا على مستوى تدبير النظام العالمي الجديد، ولا يسمح للدول العربية والإسلامية أن تتأخر كثيرا دون التفكير في خلق التحالف بين هذه الدول لتوحيد النظام المالي والصناعي والزراعي والتجاري والعسكري. ونرى أن الضرورة الملحة والظروف العالمية تفرض التحالف العربي ولن يكون له أي قيمة بدون خلق قيادة ثلاثية مكونة من الدول العربية التالية المغرب كقوة صاعدة على المستوى الإقليمي ومصر كقوة إقليمية على مستوى الشرق الأوسط والسعودية كقوة على مستوى الخليج. وهذه القيادة الثلاثية التي ستقود الدول العربية، مطالبة أن تتحالف بالضرورة مع التحالف الدول الإسلامية التي سوف تقود الدول الإسلامية غير العربية وهي مشكلة من تركيا كقوة صاعدة اقتصاديا وصناعيا إيران كقوة عسكرية وصناعية بشرط التخلي عن كل ما هو طائفي وفتح مجال إلى تغليب مصالح الجيوسياسية باكستان كقوة عسكرية صاعدة ، بدون هذه الاستراتيجية المستقبلية لهذه الدول، فإنها لا يمكن أن يكون لها أي وزن على مستوى تدبير النظام العالمي الجديد الذي يتأسس على نظام منظمة دولية جديدة تأتي على أنقاض منظمة الأممالمتحدة التي فشلت في حل النزاعات الدولية لضعفها، والتي أصبحت متجاوزة. إن العالم يتغير من حاولنا بشكل مهول فعلى الدول العربية والإسلامية،أن تعد العدة للمرحلة القادمة والا ستعيد تاريخ ما وقع لها في بداية القرن العشرين عندما انقسمت بين تابع للغرب وتابع للشرق فقدت بموجب ذلك مكانتها ،حان الوقت لها بأن تتحول مع التحولات العالمية من موقع القوة وليس من موقع الضعف فلا مجال للضعف ولا محل له بين الأمم الصاعدة. *أستاذ حسن حلحول