لا يشك أحد في أن روسيا كانت دولة رائدة بالمعنى العسكري للكلمة وقد استطاعت أن تشكل على عهد الاتحاد السوفياتي طرف المعادلة الكبرى خلال الحرب الباردة التي عرفت تقاطبا حادا أدى إلى صياغة نظام دولي وفق هذا التقاطب. هذه الريادة ما كانت لتتحقق لروسيا لولا مساحتها ومواردها الاقتصادية وقدراتها العلمية والتكنولوجية، والواقع أنه لا يمكن التغاضي عن دورها الجديد على الساحة الدولية منذ وصول الرئيس بوتين إلى سدة الحكم سنة 2000، ولقد ساعدها هذا الحدث في تسجيل اسمها من جديد كقطب جديد بعد خفوت اضطراري خلال العشرية الأخيرة، وهو ما أكده دور قيادتها الجديدة في استعادة تلك المكانة التي كانت توشك على الانهيار بشكل درامي، هذه التجربة أثارت كل المتتبعين الدوليين الذين شحذوا أدواتهم التحليلية لقراءة هذه العودة واستكناه الخلفيات التي تحرك هذه الدولة التي سجلت حضورها على أكثر من إقليم، بالرغم من الانتقادات التي ما فتئت توجهها إليها باقي الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدةالأمريكية والمتركزة أساسا حول التسلطية والنزعة الإمبراطورية لروسيا كسمتين بارزتين لديها في التدبير وإدارة الملفات الداخلية. ويبدو أنه يمكن اعتبار عودة روسيا مؤشرا على حسن استغلال حالة التوتر والاضطراب في علاقات العديد من الدول مع الولايات المتحدةالأمريكية، استغلال مكن روسيا من تسجيل العديد من النقاط لصالح مشاريعها المنافسة وذلك من خلال إعادة التركيز على استقطاب جزء كبير من الوحدات السياسية التي كانت إلى وقت قريب تحسب على المعسكر الغربي. بناء على ما سبق ومن أجل تناول المعطيات الجديدةلروسيا كقوة تقليدية تستعيد دورها على الساحة الدولية حاولنا الانطلاق من إشكالية أساسية صغناها على النحو التالي: ما هي المؤهلات والخصوصيات التي تؤهل روسيا لتسجيل حضورها على مستوى علاقاتها مع باقي الدول؟ وما هي التجليات الجغرافية والنتائج السياسية لهذا الدور الروسي الجديد وما أثره على الوطن العربي؟ ما الذي يميز روسيا كدولة؟ وما هي المرتكزات التي استندت عليها للنهوض من جديد؟ ما حقيقة النهوض الروسي وأين تتجلى مظاهره؟ وما هي السياقات المؤطرة للدور الروسي الجديد؟ إذا كانت عودة روسياالجديدة قد ارتكزت كما أسلفنا على خيارها الاستراتيجي المبني على استغلال الفرص وتصيد أخطاء الخصوم كآلية جد منتجة على مستوى تدبير الملفات الدولية المعقدة، وهو ما يشي بدربة وحنكة تاريخية قلما تتوفر في القوى التي لم تحتك تاريخيا بالمحطات السياسية الدولية الهامة، فإن أهم المذاهب التفسيرية للحضور الروسي في العديد من مناطق العالم هو تراجع الولايات المتحدةالأمريكية عن هذه المناطق، لا سيما على مستوى دول الخليج إذ يعتبر المحللون أن أمريكا على مشارف إنهاء وجودها في المنطقة، وهي الخلاصة التي تعززها العديد من التحركات الأمريكية التي تميزت بزحزحة حقيقية يرجعها الرأي العام الدولي إلى عزف أمريكا عن نفط المنطقة وتحيين أجنداتها المصلحية. ويظهر ذلك جليا من خلال دعوتها لشركائها في المنطقة من أجل بناء أمنها ودفاعها الخاصين (1)، وهو ما يعني بالنهاية أن التواجد الروسي بالمنطقة جاء باتفاق مع الولايات المتحدةالأمريكية في إطار تبادل المصالح بين القوتين وفي إطار ما بات يعرف بسياسة “ملء الفراغ”. إضافة إلى تنامي الحديث عن تكثيف في الاتصال والضغط من جانب السعودية وروسيا من أجل إنهاء الصراع السوري/ السوري الذي تخشى السعودية وبعض إمارات الخليج أن يؤثر على استراتيجياتها على المدى البعيد، مما سمح لروسيا التي تتمسك بسوريا إلى إدارة هذا الصراع وربح الوقت من أجل تفادي الأسوأ الذي اكتوت به بالفعل سوريا كواحدة من القلاع الإستراتيجية بالشرق الأوسط ككل. ومهما يكن، وبغض النظر عن هذه القراءات التي تتميز بالآنية، فإن العلاقات الدولية تعتبر ظاهرة مختلفة الأبعاد، مما يسمح بتبني كافة القراءات وصهرها داخل بوتقة ضبط الدول الكبرى لسياساتها العالمية على مصالحها الإستراتيجية، وهو ما يعني أن القراءات التي تقدمها الدول الغربية حول هذا القرن بصفته قرن آسيا الهادئ تبقى صحيحة وتفسر بعمق استدارة أمريكا بوجهها لهذه المنطقة التي تعد بمستقبل العلاقات الدولية والعسكرية، كما يعني أن هذا التوجه الأمريكي جاء لمواجهة ومحاصرة الصين والهند واليابان كقوى صاعدة لا تقل أجنداتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية أهمية عن أمريكا التي باتت ترهن مستقبل الوطن العربي بيد صعود روسي غير واضح التعاون والتضامن. ومن أجل توضيح الفرضيات التي انطلقنا منها بداية، سنحاول في البداية إلقاء الضوء على روسيا من خلال التطرق لإمكانياتها وقيادتها الجديدة، فيما سنحاول التطرق إلى قراءة التطور الاستراتيجي الروسي في مواجهة أمريكا كغريم تقليدي، كما سنتطرق في النهاية إلى مناطق التواجد الروسي الجديد ومحاولة قراءة تجلياته. – روسيا: قيادة الدولة والإمكانياتالإستراتيجية. اعتبرت روسيا في إطار صياغة الأطروحات المهيمنة على الساحة الدولية قطبا متميزا في عالم متعدد القطبية ضمن باقي الأقطاب التي أعقبت القطبية الثنائية ولحظة القطبية الأحادية التي لم يركن إليها العديد من المختصين في العلاقات الدولية ، خاصة أن موسكو كانت ترعب العالم الغربي إلى حدود 1989، وهي السنة التي سجلت بداية تقهقرها. لقد انهار الاتحاد السوفياتي دون أن يتسبب في حرب مباشرة، وإذا كان اتفاق فار سوفي Varsovie قد أنهى مسألة المعسكرين، فإن تقسيم الإتحاد إلى 15 جمهورية لم يساهم في إقامة ديمقراطيات حقيقية مستقلة وآمنة(2). ويجدر بنا أن نشير إلى أنه منذ ذلك الوقت عرف الاقتصاد الروسي وتيرة جد سريعة وسيئة على مستوى الخوصصة التي أهلت المقربين من السلطة من امتلاك إمبراطوريات اقتصادية حقيقية، بحيث كانت المافيات تراقب أغلب أنشطتها، وهو ما جعل الاقتصاد يعرف تراجعا إلى مستوى النصف مع حلول سنة 1991، منتقلة من تحقيق معدل 3،4./. من الناتج الداخلي الخام سنة 1990 إلى مستويات لم تتعدى 2./. في السنوات الأخيرة. وفي الوقت الذي عرفت فيه الأقلية اغتناء فاحشا، عرفت باقي مكونات المجتمع الروسي تدهورا خطيرا على مستوى شروط الحياة الكريمة، بالإضافة إلى العديد من المشاكل الداخلية الأخرى التي سنتطرق إليها عند عرضنا للقيادة الجديدة مع بوتين. وبالرغم من ذلك ظلت روسيا دولة نووية بامتياز، بل تعتبر هذه المسألة النقطة الوحيدة التي تؤهلها للعب دور الند للولايات المتحدةالأمريكية. وبالرغم من كونها عرفت تراجعا حقيقيا على مستوى التأثير في الأحداث الدولية ابتداء من سنة 1990، فإن اتفاقية سطارت 2 Start الموقعة في 1993 قد سمحت لموسكو وواشنطن بتطوير وتفعيل 3000 سلاح نووي استراتيجي، إلا أن روسيا لم تتجاوز الألف أو بالكاد تصلها، وقد تعهد الرئيس بوتين المنحدر من جهاز الاستخبارات بإعطاء الأولوية منذ وصوله إلى السلطة في سنة 2000 لبناء مؤسسات الدولة، لاسيما أنه عبر عن امتعاضه من تنامي دور المافيات وأنشطتها، وهو ما أعاد بعض الثقة للمواطن الروسي الذي يحبذ دولة قوية. ولا ننسى بالطبع أن روسيا عرفت مند 1992 نقصا ديموغرافيا وصل إلى ثلاثة ملايين نسمة، بسبب تدهور النظام الصحي والإفراط في شرب الكحول، مما جعل المختصين يتوقعون تراجعا سكانيا يمكن أن يصل ما بين 25و 30 مليون نسمة بحلول سنة 2030. مما سيجعل منه بلدا خاليا وضعيفا على مستوى الكثافة السكانية، فيما كانت تضعها منظمة الصحة العالمية وإلى عهد قريب، في الصف 130 على مستوى الصحة العمومية. ومن أجل تجاوز أخطاء بوريس إلتسين Boris Eltsine الذي لم يفلح في إرساء ملامح دولة ديمقراطية وقوية اقتصاديا، فإنه أصبح من المفروض على بوتين أن يستكمل بناء السلطة، ليتمكن من بناء اقتصاد سوق حقيقي، ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من مكافحة سلطة الأوليغارشيين وإعادة ضبط ما يناهز89 بارونا جهويا متحكما في وحدات روسيا الإدارية وموسكو من أجل لعب دورها ألطلائعي على مستوى الساحة الدولية (3). وبالعودة إلى فترة ما قبل الرئيس بوتين وبالضبط منذ أواخر الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، نجد أن روسيا كانت تمر بمرحلة من التدهور الحاد، انهارت فيها مؤسسات الدولة واستشرى الفساد وعصف بها عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، صاحب ذلك وكما أسلفنا انكفاء واضح على الداخل وتراجع للدور الروسي على المستوى الدولي والإقليمي، لكن وصول بوتين جعل المراقبين يعتبرونه ضمن القادة الذين حفرت أسماؤهم لامعة في التاريخ الروسي (4)، فهذا الرئيس كان على وعي كامل بالأزمات والمشكلات التي تعصف بروسيا، وقد استطاع أن يصدر مرسوما أعطى بموجبه الحصانة للرئيس السابق إلتسين الذي كان يخشى المتابعة القضائية بسبب سوء التدبير ولعائلته التي كانت بدورها تتوجس من عواقب المحاكمة. وقد استطاع أن يظهر بمظهر الرئيس الحازم والقوي خلال الحرب الشيشانية على عهد بداية حكمه، كما أن غموض صورته السياسية جعلته منذ البداية كاللوح الفارغ الذي يستطيع كل شخص أن يكتب عليه أي شيء يريده (5)، ولعل المقالة المتميزة التي كتبها في 30 كانون الأول 1999 قبل انتخابه كانت لها بالغ الأثر ضمن مكونات أخرى لاقتناع الروس بمشروعه، وقد عنون مقالته ب: ” روسيا على حافة الألفية”، دعا فيها إلى مزج القيم الإنسانية العالمية مع العدالة الاجتماعية، وهي نفس المبادئ التي كانت رائجة في العهود السوفيتية (6)، وهو التوجه الذي عرضه لانتقادات شديدة من طرف الدول الغربية، وقد كانت ثمة مشكلة خطيرة تواجه كما أسلفنا الرئيس بوتين، وتتعلق بالمزاج الحاصل في روسيا بين السلطة ورأس المال وبين السياسة والاقتصاد، بين الخاص والعام، وهو تقليد روسي لم يستطع إلتسين القضاء عليه. وبالرغم من ذلك لم يكن من الصعب عليه أن يدرك أن غالبية الطبقة السياسية كانت تخشى من استمرار عملية تحرير السوق التي دشنها، حتى من حاشيته التي كانت تضم مدارس فكرية متعددة حاولت كل واحدة منها أن تؤثر في توجهاته، وقد كان باستطاعته منذ البداية مدفوعا بالدعم المعنوي أن يقوم بتغييرات طفيفة، ولكن واعدة على المجالين الاقتصادي والاجتماعي(7). وعلى العموم لم تكن هناك أي مقاومة شعبية لمخططات بوتين، ولم يكن بالإمكان ظهور مثل هذه المقاومة، وذلك لعدة أسباب على رأسها: ü سيطرة السلطات المركزية على الإعلام وهو ما سمح بتوجيه دفتيه في اتجاه خدمة الأجندة الرسمية. ü غياب وجود معارضة قوية لها مشروع منافس قادر على التشويش. ü سلبية المجتمع الروسي وقدريته التي لعبت لصالح إرادة الرئيس الجديد. ü أمل الروسيين في بوتين بصفته مؤهلا لاتباع سياسة شريفة تنعكس على الصالح العام لروسيا. ü عدم الاستعداد لتقديم انتقادات يمكن أن تؤثر على أداءه. لهذا كان يبدو وكأن الروس يتصرفون وكأنهم يخشون أن يفقدوا الأمل في زعيمهم الجديد، ولهذا السبب كذلك كان بمقدور الكرملين التغاضي عن بعض السلوكات التي كانت تصدر عنه، وهي على كل حال تختلف عن سلوك أمريكا على عهد الحرب الباردة التي كان لها ” فائدة أساسية للدولة ولمنظري المبادئ العقائدية التي تحكم الدولة الأمريكية، بما وفرته هذه الحرب من أنساق طقسية لتقديم المبررات لارتكاب الظلم ونشر الرعب” (8). وعلى العموم نستطيع القول أن الخبرة والرؤية والدهاء السياسي للقائد الجديد ساعدته على إعادة البناء الداخلي وتثبيت دعائمه، ولعل أهم إنجاز قام به على المستوى السياسي هو تنظيم الحياة السياسية الروسية، والخروج بها من حالة الفوضى والصراع الذي كان يعتصر البلاد، وقد بدأ بإنهاء حالة التشرذم الحزبي والتعددية المفرطة والمربكة، كما حد من تدخل رجال الأعمال في السياسة. وهكذا استطاع بتواضعه ومرونته وتقبله للآخرين أن يجعل من نفسه رمزا للحلول الوسط(9). وبالتالي، أدت النهضة التي دشنها بوتين على مستوى الانتعاش الاقتصادي والاستقرار السياسي إلى تفعيل ملحوظ في سياستها الخارجية، وبفضل الجهوذ المبذولة استعادت روسيا مكانتها في مصاف القوى الكبرى، وهكذا اعتبر الملاحظون أن روسيا استطاعت أن تطرح نفسها كدولة أوروبية ذات بعد أسيوي، الأمر الذي ينعكس بوضوح في الشعار الوطني الذي يعود بجذوره إلى الحقبة القيصرية. وكخلاصة يمكن القول أن التجربة القيادية الروسية الحالية وكذا النتائج التي حققتها في ظرف وجيز يمكن تركيزها في دلالات ثلاث، أولاها أن القيادة الجيدة أبانت عن خبرة ودراية في إدارة المشاكل الداخلية على تعددها، وتجاوزها إلى تكوين رؤية إستراتيجية قابلة للتنفيذ ويشعر بها كل مواطن وتظهر أهميتها بنفس الأهمية على المستوى الخارجي، وثانيها تثبت التجربة الروسية في البناء أن التماسك المجتمعي والاقتصاد الذي يتميز بتنافسية عالية وتنمية القدرات العسكرية تشكل عوامل تلعب دورا حاسما في تحقيق الفعالية المنشودة لكل دولة إقليميا ودوليا، وأخيرا تبين هذه التجربة أن الانتقال من الفوضى إلى النظام سواء بالدفاع عن القيم الديموقراطية التي تؤمن بها الدولة أو بالدفاع عن حقوق الإنسان يعتبر كذلك مكونا أساسيا في صناعة هيبة الدولة وحرصها على احترام القانون (10). – تطور الفكر الاستراتيجي الروسي وأثره على أمريكا: راهن العديد من الباحثين خلال الستينات على التعايش والمنافسة السلمية من أجل الحسم في نتائج الصراع الكبير الدائر وقتئذ بين الشرق والغرب (11)، لا سيما أن هذا الشرق وهذا الغرب لم يكونا ممثلين سوى بالاتحاد السوفييتي والولايات المتحدةالأمريكية الذين تراجعا دورهما مع اندحار الأولى وتفككها وتحول الثانية إلى قطب مهيمن وحيد، وهي الحالة التي لم تدم طويلا لتفسح المجال إلى عالم متعدد الأقطاب تتحول فيه روسيا إلى قوة كبرى لها من المقومات ما يعادل باقي القوى الصاعدة كاليابان والصين والهند وغيرها(12)، فروسيا تعتبر قوة عظمى على مستوى الطاقة، إذ إلى جانب قدراتها النووية الهائلة، تمتلك 13% من الاحتياطات العالمية المعروفة من الزيت، ونسبة 36% من احتياطات الغاز الطبيعي، ونسبة 20% من احتياطات الفحم، كما أنها تملك أكبر شبكة أنابيب لنقل الغاز الطبيعي في العالم كما أنها تتفوق على فرنساوبريطانيا وإيطاليا في حجم الإنتاج الصناعي إذ تأتي في المرتبة السادسة عالميا بنسبة 20% من حجم الإنتاج الصناعي الأمريكي، والثانية على المستوى الأوروبي بعد ألمانيا، وإذا نظرنا إلى روسيا ضمن مجموعة البريكس BRICSالتي تتكون من البرازيلوروسياوالصين والهند وإفريقيا الجنوبية، فإن العديد من التقارير الدولية تعتبر دول هذه المجموعة مفتاحا لمستقبل الاقتصاد العالمي، حيث سيتجاوز حجم اقتصاداتها إجمالي الناتج المحلي لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى مجتمعة بحلول عام 2035. إضافة إلى ذلك تتوفر روسيا على إمكانيات هائلة في مجال الصناعات الروسية، ولازال الجيش الروسي هو أقوى جيش من الناحية البرية في العالم من حيث عدد المدرعات، ويمتلك أكبر عدد من الدبابات والمدرعات في العالم كذلك، كما يملك أحدثها في مجال التدريع والقوة النارية وتساوي مدرعا ته قدرة المدرعات الأمريكية، كما يوازيها حجما على مستوى الجيوش بالرغم من تفوق الأمريكيين على مستوى الخبرة والمستوى القتالي والتدريبي، كما أن الجيش الروسي يتميز على مستوى الاتصالات بقدرة مميزة على التواصل المستمر مع الجنود على أرض المعركة من أجل إعطاء الأوامر والمعلومات (13). بالإضافة إلى هذا ووفقا لتقديرات عديدة، فإن إجمالي حجم الإنفاق العسكري الروسي يعتبر ثاني أعلى إنفاق عسكري عالميا بعد الولايات المتحدةالأمريكية، لا سيما أنه بعد تولي بوتين للرئاسة تم إعطاء الأولوية لإنتاج الأسلحة الحديثة بعدما كانت هذه الأولوية تعطى لتمويل قوات الردع النووي الاستراتيجي، ناهيكم عن الإبداع والتعليم والثقافة التي تنتجها روسيا على المستوى الوطني في الداخل والخارج كموارد رئيسية يعتمد عليها عالم اليوم من أجل بسط هيمنته ونشر أنموذجه. هذا على مستوى القدرات الإستراتيجية، أما فيما يتعلق بتوظيف هذه القدرات فإن القيادة الجديدة استغلت هذه الأخيرة لخدمة الأهداف السياسية الخارجية لبلاده وتعزيز مكانتها العالمية، وقد تجلت عناصر الإستراتيجية الروسية الجديدة في جعل سياسة روسيا الخارجية مدخلا لتحديثها وإعطاء الأهمية الكبرى في العلاقات الدولية لدول الاتحاد السوفييتي السابق وإعادة إحياء وتفعيل الدور التقليدي الروسي المرتبط بأوروبا واعتبار التعاون مع الاتحاد الأوروبي والناتو حتمية لا بديل عنها، وأخيرا إعطاء الأولوية لضرورة التعاون مع الدول الواقعة على الساحل الأسيوي من المحيط الهادئ من أجل تطوير سيبيريا (14). ولعل الأهم في سياسة روسيا البوتينية هو قطعها مع الشعارات التي حاول بوريس إلتسين رفعها من قبيل “الديموقراطية”، ” حقوق الإنسان” و” الحضارة الغربية” فاسحة المجال للعمل بحرية من أجل تحقيق أهدافها الإستراتيجية، كما أن معارضتها ومواجهتها للهجمة الأمريكية ضد نظام بشار الأسد واستضافتها لقادة حماس عام 2006 بعد بيعها لسوريا صواريخ دفاع الجو التكتيكي سنة 2005 شكلت منعطفا ووسيلة لاستعادة نفوذها في الشرق الأوسط، مستفيدة بذلك من مسلسل أخطاء السياسة الأمريكية في المنطقة، كما استفادت من موقف واشنطن من ثورة 30 يونيو في مصر لإحياء اتفاقية شراكة إستراتيجية كانت قد وقعتها مع القاهرة في يونيو 2009، خلال آخر زيارة لرئيس روسي لمصر ما قبل الثورة، تضمن التشاور في صيغة إثنان زائد إثنان، إضافة إلى الحديث عن صفقة عسكرية لمصر بقيمة ملياري دولار، بعد تجميد الولايات المتحدة جزءا من دعمها العسكري لمصر. ويعتبر كلام سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا حول الدور العالمي الروسي معبرا ومحددا بدقة لمعالم الصعود الروسي الجديد، إذ اعتبر أن دور روسيا في منطقتها والعالم في القرن الواحد والعشرين بمثابة دخول للعالم ككل في مرحلة جديدة، سماها “مرحلة ما بعد أمريكا”، مستطردا أنه لا يقصد بطبيعة الحال عالم ما بعد الولايات المتحدةالأمريكية، أو عالما بدونها، مضيفا أنه “عالم تراجعت فيه الأهمية النسبية لدور الولايات المتحدة” بسبب ظهور مراكز قوى عالمية أخرى، مذكرا في النهاية بما ذكره ريتشارد هارس، مدير إدارة التخطيط السياسي الأسبق بوزارة الخارجية الأمريكية، عندما أقر بأنه نتيجة لأفعالها، وما فشلت في فعله، أسهمت الولايات المتحدة في الإسراع بظهور مراكز قوى بديلة في العالم مضعفة موقفها بالنسبة لهذه المراكز. وقد كان لافروف بارعا عندما ختم حديثه عن الحاجة إلى قيادة جماعية التي سبق لروسيا أن طالبت بها مرارا (15). وبالنهاية لا بد من الإشارة إلى مجموع التحديات التي تعوق روسيا للعب دورها الاستراتيجي العالمي كقوة عظمى وهي تحديات داخلية تتجلى في الاقتصاد الذي لازال يحتاج إلى إصلاحات هيكلية كبرى لمواكبة هذا الطموح وتحديات سياسية تكمن في النزعة التسلطية التي ينعت بها الرئيس بوتين وضعف النخبة السياسية التي تفرزها الأحزاب الروسية الحالية، أما التحديات الخارجية فيمكن إجمالها في تواجد روسيا بين أوربا القوية اقتصاديا والصين بعددها السكاني وقوتها الصناعية الصاعدة وعالم إسلامي يحاصرها بنموها السكاني الكبير والمفتوح على العديد من المفاجآت، وهي تحديات مؤقتة وتحتاج إلى مراجعات إستراتيجية بدورها يجب أن تبنى على المبدأ الروسي الصائب والمبني على احترام سيادة الكيانات الأخرى والاحتفاظ بمسافة كبيرة من البؤر المشتعلة الغير المأمونة العواقب. – الدور الروسي وأثره على الجغرافيا الدولية: تعتبر أمريكا وآسيا ومصر والخليج وسوريا أهم المسارح التي تبين حقيقة التواجد الروسي في الوقت الراهن بالإضافة إلى النزاع الذي اشتعل بجوارها على أراضي شبه جزيرة القرم وهو المشكل الذي يلخص الصراع الروسي الأوروبي على الفضاء الأوراسي. بدأت العلاقة الجديدة بين روسيا ومصر تنسج خيوطها منذ توجه سفير مصر إلى روسيا الاتحادية برفقة وفد شعبي لشرح حقيقة الأوضاع في مصر التي لا يشكك مشكك في ثقلها وموقعها الاستراتيجي وكذا بكونها لاعبا لا غنى على الساحة الإقليمية والدولية، وقد شكلت الثورات العربية وعلى الأخص ثورة 25 يناير في مصر متغيرا رئيسيا ليس فقط في علاقة هذه الأخيرة مع روسيا، بل مع باقي اللاعبين على المستوى الإقليمي، وتكمن أهمية هذا المتغير تحديدا في صعود تيار الإسلام السياسي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين، وذراعها السياسية ممثلة في حزب الحرية والعدالة إذ سبب ذلك الصعود في عدم ارتياح دوائر صنع القرار الروسية وفي تزايد قلقها وذلك بسبب موقف الجماعة المتمثل في دعم الحركات الانفصالية في الشيشان وشمال القوقاز باعتبارهما خطا أحمرا لدى السلطات الروسية لا سيما أنهما عرفتا نموا غير مسبوق لما بات يطلق عليه ” جماعات الإرهاب الإسلامي”. لهذه الأسباب رحبت روسيا بثورة 30 يونيو التي توجت بانقلاب عسكري مهد لرجوع العسكر من جديد، هذه العلاقة المصرية الروسية أفرحت موسكو نظرا لكونها ساهمت في تواري باقي القوى التي استغلت الفراغ المصري وباتت تقض مضجع روسيا التي خافت على أهدافها ومصالحها بالمنطقة، فيما اعتبر المراقبون خلع الرئيس مرسي استعادة روسيا لارتياحها التي لم تكن تنظر إليه سوى نظام حكم بتوجهات إسلامية أصولية(16)، علما أنه قبل أن يناشد الروس المصريين بتوسيع أطر العلاقات لتشمل قطاعات مختلفة، فإن مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين لم يكن يتعدى موضوعين اثنين هما السياحة لكون روسيا تعتبر أكبر مصدر للسياح إلى مصر بحيث بلغ عدد السياح الروسيين في يناير 2011 حوالي ثلاثة ملايين سائح والقمح بصفته يمثل البند الرئيسي في قيمة الواردات المصرية (17). وإجمالا يمكن القول أن مصالح مصر وروسيا تطابقتا بشكل واضح بعد ثورة 30 يونيو، أولا من خلال سعي مصر لتجاوز التعاون مع أمريكا وثانيا لكون روسيا بوتين تعمل جاهدة لاستعادة دورها على المسرح العالمي الذي تشكل مصر أحد الشخصيات الوازنة فيه. التقاء مصالح البلدين ساهم في قراءة جديدة ركزت على التركيز على البعد العسكري لموقع البلدين ووزنهما، وقد اعتبر بعض المتتبعين أنه من المبكر جدا الحديث عن تداعيات لما أصبح يوصف بالتقارب الروسي المصري. أما عن علاقات روسيا بالخليج العربي فقد عرفت بدورها اهتماما متزايدا ابتداء من الربع الأول من القرن العشرين وتجلى ذلك في تدشين العلاقات الروسية السعودية في 1926 قبل أن تنهي روسيا هذه العلاقة في 1936، وقد كانت موسكو قبل ذلك تعتبر الملك عبد العزيز آل سعود بطلا عربيا وأن مشروعه لتوحيد شبه الجزيرة شكل عاملا مهما في معركة الاستقلال العربية ضد الاستعمار الغربي. وبعد مرور العديد من الأحداث الدولية وعلى رأسها الحرب العالمية الثانية واقتراب دول الخليج من الغرب خصوصا بريطانيا، ثم الشراكة الإستراتيجية مع أمريكا بعد اكتشاف النفط في الثلاثينات إضافة إلى حالات الاستقطاب التي عرفتها فترة الحرب الباردة، عرفت العلاقات الروسية الخليجية مدا وجزرا لازالت مظاهرها مستمرة إلى الآن، بالرغم من أن سياسة الاتحاد السوفياتي كانت براغماتية إلى أبعد حد وتجلت بشكل واضح في سعي الاتحاد إزاحة النفوذ الغربي من المنطقة خصوصا أن روسيا لم تكن يوما في حالة عداء مع دول الخليج (18). وإذا حاولنا الإجابة عن التساؤل المتعلق بما إذا كانت العلاقات الروسية الخليجية يعول عليها من الطرفين، فإن الإجابة ستكون إيجابية وذلك لأسباب عدة (19): * تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط ولو بشكل بطيء لكون العلاقات الأمريكية الخليجية تبقى ذات صبغة إستراتيجية، خاصة مع تزايد الانتقادات من طرف الشعوب والنخبة الخليجيين لمسألة استدارة أمريكا اتجاه الصين وشبه القارة الهندية، تاركة وراءها دول الخليج في عهدة وكلاءها : تركيا، إسرائيل، وإيران التي انضمت مؤخرا. * التقارب الأمريكي الإيراني الذي جعل دول الخليج تشعر بأن ثمة صفقة بين موسكو وواشنطن لاسيما بعد فشل الأخيرة في حل المشكل السوري، ولا تستبعد دول الخليج أن هذه الصفقة جاءت مقابل حفظ أمن إسرائيل وتقييد حركة حزب الله علما أن دول الخليج لا تعترض على هذا التقارب بل تعترض على الطابع السري للمفاوضات الأمريكيةالإيرانية. * سقوط الايديولوجية السوفييتية واختفاء الشيوعية وانخراط روسيا في النموذج الاقتصادي الرأسمالي شجع على هذا التقارب، إلا أنه يجب دائما استحضار استحالة وقوف روسيا عسكريا ضد أمريكا، لأن الوجود العسكري الأمريكي بالخليج لا يمكن الاستغناء عنه بين عشية وضحاها، وبالتالي فالتعاون الروسي الخليجي لا يمكن أن يدخل عدا في باب تنويع الشراكة. * القضاء على الدور التركي الذي تزايد بعد الثورات العربية شكل أحد الأسباب الإستراتيجية التي دفعت روسيا لتعزيز تقاربها مع دول المنطقة استنادا إلى التاريخ الذي تميز بالتوتر بين البلدين إضافة إلى أن روسيا كانت تخشى من تطاير شرارات الثورة إليها. وإجمالا يمكن القول أن روسيا مطالبة لقراءة مصالحها مع دول الخليج بشكل دقيق يسمح بتفادي كل القرارات التي من شأنها أن تضرب أهداف التعاون خصوصا علاقات روسيا مع إيران وما يمثله المد الشيعي الذي ترعاه والمشكل السوري من خلال العمل على إنهاء الأزمة السورية التي تجد تعاطفا كبيرا لدى جل دول الخليج. أما بخصوص المشكل السوري، فإن روسيا لم تعدل خطابها منذ اندلاع الأزمة بسبب اعتقادها الراسخ في الأصولية التي تحرك الشعب السوري ضد النظام (20)، وبالتالي فسوريا لا تريد أن يرث سوريا نظاما أصوليا يضرب في العمق مصالحها في المنطقة، لاسيما أن النظام السوري قام وبشكل غريب بإطلاق سراح الكثير من الأصوليين المسجونين ليساهم في تهييء الجو الملائم لصراع طائفي دموي مسلح. ويبقى الموقف الروسي ثابتا لا يتغير ضاربا عرض الحائط غياب الشرعية والجرائم التي ترتكب في حق الإنسانية بشكل سافر، كما أن روسيا لازالت تراهن على النظام السوري ورئيسه وهو ما سيدفع دول المنطقة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه إلى معاداة الموقف الروسي الذي يحتاج كما أسلفنا إلى مراجعات جذرية. وفي نفس السياق المتعلق بتحولات السياسة الروسية، عرفت العلاقات الأمريكية اتجاه روسيا بدورها تغييرا في المسار، فبمناسبة انخفاض الدور الأمريكي على المستوى العالمي، ساهمت الأزمة الاقتصادية العالمية في استفاقة روسيا بعد أن ركزت الولايات المتحدةالأمريكية على دور الصين التي بدأت على إثر الأزمة تشغل المركز الأول كقوة اقتصادية عالمية بحلول سنة 2020. وبالرغم من أن روسيا لم تصل إلى أمريكا على مستوى القيادة إلا أن الأمر الذي بات مؤكدا هو القطبية المتعددة التي باتت روسيا كقوة أوراسية والهند والصين كقوتين آسيويتين والبرازيل كقوة لاتينية تشارك بشكل جماعي في قيادة النظام العالمي والتأثير فيه، وهو ما يدل على أن النظام الدولي أصبح أكثر تعقيدا ويدفع الجميع إلى البحث عن سياسات مشتركة ومتجانسة (21). وأمام هذا الوضع حدثت متغيرات كثيرة على رأسها تأسيس مجلس الناتو روسيا الذي لازالت المعادلة الروسية صعبة بخصوصه، إذ ليس من السهل على روسيا قبول استمرار الناتو كعلامة ورمز للحرب الباردة، إضافة إلى أن مشروع إقامة نظام للدفاع الصاروخي الباليستي من جانب الولايات المتحدةالأمريكية في كل من بولندا وجمهورية التشيك كان يمثل تحديا للعلاقة بين روسيا والولايات المتحدة أو بين روسيا والناتو (22)، فضلا عن كون روسيا تقوم حاليا بتصميم قطار مخصص لحمل وإطلاق صواريخ حربية في الأول من شهر يناير 2014، وقد اعتبر هذا المشروع ردا روسيا محتملا على المشروع الأمريكي ” الضربة الأمريكية الخاطفة” الذي يتضمن صواريخ سريعة للغاية (23). وعموما يعتبر المحدد الإقليمي لسياسة روسيا اتجاه الولايات المتحدةالأمريكية حاسما، إذ يوجد على حدود روسيا أضخم جوار جغرافي مباشر، سواء بمعيار الجوار المباشر أو بمعيار مساحة ذلك الجوار، لا سيما أن هذا الأخير ازداد تعقيدا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وظهور وحدات سياسية متعددة. وبالإضافة إلى احتفاظها بالتنافس النووي مع أمريكا، فإن روسيا تعيش على احتمال نشوب حروب متعددة على الجوار الأوراسي ( حالة جورجيا مثلا)، وهو ما سيدفع روسيا لنشر قواتها على الحدود ذات المسافات الطويلة وذلك من خلال رفع تحد جديد على مستوى سياسة الدفاع في مواجهة الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدةالأمريكية، لا سيما أن الفضاء السوفييتي السابق ( أوكرانيا مثلا) بات يشكل مجالا واضحا للصراع والتنافس على المصالح بين روسيا والغرب (24). وإذا استحضرنا الأزمة الأوكرانية الحالية وجدنا أنها تمثل تجليا واضحا لهذا الصراع الذي يلعب فيه الاقتصاد دورا أساسيا لاسيما بعد طرح مشكل انضمام أوكرانيا إلى اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي أو انضمامها إلى اتحاد جمركي في الساحة السوفييتية السابقة بزعامة روسيا. وبالتالي يمكن اعتبار الأزمة الأوكرانية نقطة أساسية لاختبار نموذج العلاقات الروسية مع الغرب عامة والاتحاد الأوروبي بشكل خاص25. وبقي أن نشير في الأخير إلى التواجد الروسي في آسيا، الذي وثقت من خلاله روسيا إلى روابطها مع القوى الأسيوية بشكل حاسم، وذلك منذ إعلان واشنطن في نهاية سنة 2011 عن إستراتيجية جديدة سمتها ” التحول / الانعطاف” تهدف إلى تحويل مركز الثقل العسكري الأمريكي من منطقة شمال الأطلسي إلى منطقة آسيا الهادي، وهي الإستراتيجية التي ضايقت صانعي السياسة الروس (26) الذين فضلوا مدخل الشراكات الاقتصادية الوازنة لتسجيل حضورهم في آسيا. إن قراءة السياسة الخارجية الروسية في سياقاتها العالمية الحالية يؤكد على أن روسيا كقطب دولي بدأ يسجل حضوره بناء على استراتيجية بعيدة المدى، تتبنى خطوات مدروسة تأخذ بعين الاعتبار القواعد الجديدة التي أنتجها الصراع الاقتصادي والسياسي الدولي، وهو ما يؤكد أن ثمة جهودا مبذولة من طرف القيادة الجديدةلروسيا التي استطاعت أن تستفيد من إرث الثقافة السياسية كانت تصنع القوة السوفييتية في أوج صراعها مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدةالأمريكية، الأمر الذي يؤكد استفادة روسيا من أخطاء الماضي وتفادي الأخطاء المحتملة مستقبلا، هذا من جهة ومن جهة ثانية كانت المنهجية المبنية على الاستفادة من هفوات السياسة الخارجية الأمريكية منهجية ناجحة ساعدت على تأكيد الدور الروسي العالمي الجديد والدخول في أجندة حل العديد من المشكلات الإقليمية العويصة كالصراع الذي أفرزته الثورات العربية على مستوى الشرق الأوسط الذي أضحى يعتبر روسيا شريكا أساسيا في تدبير الاختلاف حوله وإدارة الإرث الأوراسي مع الاتحاد الأوروبي وتسجيل روسيا لحضورها بآسيا. هذا التنوع في الاهتمام الخارجي، كان ولا يزال يوازيه تنوع في تدبير مختلف القضايا التي حاولت القيادة الروسية الحالية أن تجعل منها مداخل لاستعادة دورها العالمي، بخطوات بطيئة، لكنها ثابتة. فهل تستطيع روسيا أن تنجح في المهام الدولية الجديدة التي حددتها لنفسها ضمن السياق العالمي الجديد؟. سؤال ستكشف المراحل المقبلة تأكيد أو نفي حظوظ نجاحه أو فشله، وإن كنا نجزم بأن تسجيل روسيا لحضورها العالمي بهذا الإصرار وبهذه الأبعاد هو بداية ذلك النجاح.
– لائحة الهوامش والمراجع [1] د. معتز سلامة، “تحركات مدروسة: طريق روسيا للعودة إلى مسرح السياسة العالمية”، مجلة السياسة الدولية ، العدد: 195، يناير 2014. 2Pascal Boniface ; Le monde contemporain, grandes lignes de partage, Presses Universitaires de France PUF.2001. 3Pascal Boniface ; Vers la quatrième guerre mondiale ? Armand Colin, Paris, 2005. 4 د. نورهان الشيخ، ” القيادة المحسوبة: كيف استعاد بوتين المكانة العالمية لروسيا؟”، مجلة السياسة الدولية، عدد:195، يناير 2014. 5 ليليا شيفتسوفا ، روسيا بوتين، ترجمة بشار شيما، منشورات الدار العربية للعلوم، الطبعة الأولى، 1427ه/ 2006م. 6 نفس المرجع السابق. 7 نفس المرجع السابق. 8 نعوم تشو مسكي، النظام العالمي القديم والجديد، منشورات نهضة مصر، الطبعة الأولى مارس 2007. 9 د. نورهان الشيخ، ” القيادة المحسوبة: كيف استعاد بوتين المكانة العالمية لروسيا؟”، مجلة السياسة الدولية، عدد:195، يناير 2014. 10 نفس المرجع السابق. 11 ليزاك دويتشر، الصراع الكبير بين روسيا والغرب، ترجمة محمد خليل مصطفى، مراجعة محمود فتحي، سلسلة كتب سياسية، 1960. 12 السفير/ عزت سعد الدين، “تكاليف المنافسة: التحديات أمام مكانة روسيا في الإستراتيجية العالمية”،مجلة السياسة الدولية، العدد:195، يناير 2014. 13 هادي زعرور، توازن الرعب: القوى العسكرية العالمية: أمريكا، روسيا، إيران، الكيان الصهيوني، حزب الله وكوريا الشمالية، أسرار عسكرية. شركة المطبوعات للتوزيع والنشر.2000. 14 السفير/ عزت سعد الدين، “تكاليف المنافسة: التحديات أمام مكانة روسيا في الإستراتيجية العالمية”،مجلة السياسة الدولية، العدد:195، يناير 2014. 15 نفس المرجع السابق. 16 السفير/ علاء الحديدي،” مصالح لا محاور: فرص وقيود العلاقات الروسية المصرية ما بعد 30 يونيو”، مجلة السياسة الدولية، العدد:195، يناير 2014. 17 نفس المرجع السابق. 18 يقول المؤرخ الروسي ألكسي فاسليف: ” لم يكن الملك فيصل عدوا للروس أو روسيا، لكن إذا كنا نقصد بروسيا الاتحاد السوفياتي، وعقيدته الإلحادية، فالجواب نعم. حيث كان الاعتقاد السائد في منطقة الخليج أن الشيوعية هي وليدة الصهيونية، وكلا التيارين العقائدي والسياسي من أعداء الإسلام والعرب، لكن الملك فيصل لم يكن عدوا للروس أو روسيا، لذلك أقدمت روسياالجديدة بكل سرور في العام الأخير من عمر الاتحاد السوفييتي على استئناف العلاقات مع المملكة ثم اكتشف الطرفان الكثير من المواقف المشتركة بينهما سواء السياسية أو الاقتصادية أو الحقوقية أو الثقافية”. ذكره علاء الحديدي في المرجع المذكور آنفا. 19 د. عبد العزيز بن عثمان بن صقر، ” هواجس متبادلة: الخليج بين الحليف الأمريكي والوافد الروسي”، مجلة السياسة الدولية، العدد:195، يناير 2014. 20 د. ميشيل كيلو، ” رهانات صعبة: حسابات موسكو تجاه الصراع في سوريا”، مجلة السياسة الدولية، العدد: 195، يناير 2014. 21 د. مصطفى علوي، ” قطبية لا متماثلة: تحولات السياسة الروسية اتجاه الولايات المتحدةالأمريكية”، مجلة السياسة الدولية، العدد: 195، يناير 2014. 22 نفس المرجع السابق. 23 نفس المرجع السابق. 24 د. هاني شادي، ” الثقة المفقودة: الصراع الروسي الأوروبي على الفضاء الأوراسي”، مجلة السياسة الدولية، العدد: 195، يناير 2014. 25 نفس المرجع السابق. 26 أحمد دياب، “شراكة اقتصادية: محددات الدور الروسي في وسط وشرق آسيا”، مجلة السياسة الدولية، العدد: 195، يناير 2014.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------ الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن مواقف صاحبها ولا تلزم موقع برلمان.كوم