أقر الرئيس فلاديمير بوتين، في خطابه السنوي أمام الجامعة الفيدرالية،الخميس الماضي، عقيدة جديدة للسياسة الخارجية الروسية، لتحل محل العقيدة السابقة التي سنها بوتين سنة 2013، وتعكس إعادة ترتيب أولويات روسيا الاتحادية، فضلا عن أن هذه الوثيقة التي تحمل رؤية جديدة للسياسة الروسية الخارجية، تحاول ملائمة الأوضاع والظروف المعقدة التي عرفتها الساحة الدولية، منذ تدخل القوات الروسية في سوريا لمساندة الرئيس بشار الأسد بحكم العلاقة المتينة التي كانت تجمع البلدين منذ صعود حزب البعث السوري إلى السلطة سنة1963، باعتباره حزبا اشتراكيا طالما عرف بقربه من الاتحاد السوفياتي و المعسكر الشرقي، إلى جانب ذلك، ظهرت الأزمة الأوكرانية على السطح في 2014، و التي مكنت من إسقاط الرئيس الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، و استرجاع القرم من قبل الروس مما شكل أزمة بين القطبين الشرقي المتمثل في روسيا و القطب الغربي المتجسد في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي فرضت عقوبات على الدب الروسي بعد ضمه لجزيرة القرم. وفي هذا الصدد، اعتبر الخبير في الجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية التونسي، عماد الدين الحمروني، أن الخطاب السنوي لبوتين حدد ملامح روسيا الغد القوية اقتصاديا وعلميا وعسكريا، مشيرا في الوقت ذاته، أن روسيا هي الدولة الوحيدة تقريبا إلى جانب الصين التي تملك استراتيجية هجومية شامل على أكثر من محور، مما دفع بأمريكا والاتحاد الأوروبي إلى التراجع نسبيا وإعادة التموضع العسكري. وتسعى السياسة الخارجية الروسية الجديدة إلى تليين علاقتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وفقا لما جاء في الخطاب السنوي للقيصر الروسي، فلاديمير بوتين، خاصة بعد التوترات التي شهدتها العلاقات الثنائية بين البلدين في ظل حكم الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، المنتهية ولايته، كما عبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن أمله في بدء صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، في عهد الرئيس المنتخب حديثا، دونالد ترامب، الذي سيدخل البيت الأبيض في 20 يناير المقبل، مشددا في نفس الوقت، على ان إدارة أوباما قامت عمدا بتدمير العلاقات الروسية- الأمريكية، آملا في ان لا تتكرر نفس الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة السابقة. وفي نفس السياق، أشار بوتين في خطابه، إلى اهتمام بلاده ببناء علاقات متبادلة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، قائمة على التعاون الثنائي من أجل الحفاظ على الأمن العالمي والاستقرار الاستراتيجي في المسرح الدولي،إلا ان المحلل السياسي التركي، محمد هاتيب، اعتبر أن العلاقات الروسية-الأمريكية لا يمكن التنبؤ بها إلا بعد استلام الرئيس الجمهوريترامب، منصبه الجديد، الشهر المقبل، بحكم صعوبة فهم توجهاته. كما أبرزت الرؤية الروسية الجديدة لسياستها الخارجية تصالحا مع دول الاتحاد الأوروبي، باعتبارها شريكا اقتصاديا مهما لها، وتسعى إلى التعاون معها، خاصة في ظل تنامي اليمين المتطرف داخل المدار الأوروبي، المعروف بمناصرته لسياسة القيصر بوتين،حيث أنه سواء فازت مارين لوبان، زعيمة حزب الجبهة الوطنية، أو اليميني فرانسوا فيون، بالانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة في 2017، فإن العلاقات الفرنسية-الروسية ستكون قائمة على التعاون المتبادل بحكم تأييد كلا المرشحين للسياسة الروسية. وفي نفس السياق، اعتبر الخبير في الجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية التونسي، عماد الدين الحمروني، في تصريح ل "العلم"، أن روسيا استطاعت النفاذ إلى دوائر القرار بدول الاتحاد الأوروبي، حيث سيعاد صياغة بنود الاتفاقات بين الدول الأعضاء، فروسيا ربحت في معركة "كسر العظام" وأن الخاسر الأكبر في النهاية هو الاتحاد الأوروبي. بيد أن المحلل السياسي الفرنسي، سيريل بري، يرىأن توجهاتالقيصر الروسي، فلاديمير بوتين، قائمة علىالتأرجح بين السخونة والبرودة، وأنه لازال مبكرا، الحديث عن عودة العلاقات الجيدة بين روسيا والغرب، مشيرا إلى أن التوترات العسكرية والسياسية والدبلوماسية لا حصر لها، فلا يمكن الحديث عن تقارب بين روسي-غربي في هذه الفترة، كما أنها ليست حتى بداية تصالح الرئيس بوتبن مع الغرب، معتبرا في نفس الآن، أن خطاب بوتين هو مجرد تقنية تواصلية، ولا يمكن الحكم فعليا على بداية التفاهم الحقيقي بين القيصر والغرب. كما أوضح في حوار له مع موقع "أطلنتيكو" الفرنسي، أن الرئيس الروسي يحشد عددا من رؤساء الدول الغربية إلى جانبه لتحقيق مجموعة من الأهداف الأولية للزعيم الروسي، كمحاربة الإرهاب، من جهة، باعتباره أكبر تهديد لاستقرار الجغرافيا السياسية العالمية. وفي نفس الموضوع، أكد عماد الدين الحمروني، أنالأولوية الروسية هي تشكيل تحالف دولي بين روسيا والدول الغربية خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، لمحاربة التنظيمات المتطرفة وتحجيم دور الحركات الإسلامية، إلى جانب ذلك، أشارت وثيقة " السياسية الخارجية الروسية" إلى سعي بوتين لبناء تحالف دولي واسع مبني على التعاون الفعال والمنتظم بين الدول، بحيث يكون اتجاها رئيسا في مجال مكافحة الإرهاب. وحذر الحمروني، من احتمال نشوب حرب روسية – غربية في حال تزايد نفوذ حلف الشمال الأطلسي في الحديقة الخلفية لروسيا الاتحادية، إلا أنه يستبعد هذا الاحتمال، بحكم الضغوط الكثيرة التي ستكون على الناتو، فضلا عن ذلك، أشار إلى أن أي تقدم للحلف الأطلسي نحو الحدود الروسية، سيواجهه توغل روسي في المياه الدافئة بالأطلسي والمحيط الهاديوالبحر الأحمر، موضحا أن أي تقدم داخل محيط الأمن القومي الروسي، سترد عليها القوات الروسية بالتوغل في المتوسط، بحكم أن روسيا قوة علمية صاعدة، و أن رئيسها بوتين أحد زعماء القرن 21. كما اعتبر مراقبون غربيون، أن سيد الكرملين مصر على كسر أحادية القطب في الساحة العالمية، فضلا عن ذلك، أشارت الوثيقة الروسيةإلى أن توسعات الناتو شرقا، يشكل انتهاكا لمبدأ الأمن المتكافئ غير المجزأ، مما يمكن أن يؤدي إلى تعميق الخطوط الفاصلة القديمة وظهور خطوط جديدة في أوروبا، وردا على توسعات الناتو شرقا، بدأت روسيا بنشر أنظمة صاروخية من طراز "إسكندر" في إقليم كاليننغراد المتاخم لحدود كل من بولندا و ليتوانيا و دول البلطيق.و في مقابلة تلفزيونية، أبدى سيد الكرملين امتعاضه من تواجد حلف الناتو و الولاياتالمتحدةالأمريكية بقاعدة سيفاستوبول الأوكرانية القريبة من الحدود الروسية. كما لفتت الرؤية الجديدة للسياسة الخارجية الروسية التي أقرها الزعيم الروسي، فلاديمير بوتين،الانتباه إلى الحرب الأفغانية الدائمة التي لم تستطع أي قوة إخمادها، منذ أن تدخلت القوات الأمريكية في الأرض الأفغانية بعد هجمات 11 شتنبر 2001، لتدمير تنظيم القاعدة باعتبارها المتهم الرئيسي في الهجوم على برجي مركز التجارة الدولية ومقر وزارة الدفاع الأمريكية،فضلا عن إزاحة طالبان من السلطة، إلا أن القتال لازال مستمرا إلى حدود اليوم، مما يشكل تهديدا حقيقيا لروسيا ورابطة الدول المستقلة، خاصة بعد انسحاب جزء كبير من القوات العسكرية الدولية التي كانت منتشرة في أفغانستان. فقد تعهد القيصر الروسي، في الوثيقة التي تحمل الرؤية الجديدة للسياسة بلده الخارجية،إلى محاولة فض النزاع الأفغاني، مشيرا إلى الدعم الذي يمكن أن تقدمه روسيا للحكومة الأفغانية من أجل إعمار البلاد في مرحلة ما بعد الصراع، بالإضافة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات بهدف القضاء على الإنتاج غير الشرعي للمخدرات في أفغانستان والاتجار بها.