قدر محللون غربيون يوم الخميس 14 نوفمبر 2013 أن القاهرةوموسكو استعادتا أجواء العلاقات الوثيقة لفترة عقد الستينات من القرن الماضي، حين كانت العلاقات المصرية الروسية في أوجها. هذا التحليل جاء في وقت استقبل فيه الرئيس المصري المستشار عدلي منصور كلا من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ووزير الدفاع سيرغي شويغو، ونظيريهما المصريين نبيل فهمي والفريق أول عبد الفتاح السيسي، في إعلان عن تدشين اجتماع 2+2، الذي تعقده روسيا بشكل دوري مع خمس دول فقط في العالم، هي الهندوالصينوالولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا. وخلال اللقاءات الثنائية التي جمعت فهمي ولافروف، والسيسي وشويغو، أعربت روسيا عن تقديرها للجيش المصري في حماية إرادة شعبه ومقدراته، وعن استعدادها لمساعدة مصر في كل المجالات التي تريدها، وأيضا لتقبل المقترحات من أجل جعل العلاقات والتبادل في العلوم والسياسة على أساس مستمر بين البلدين، مشددة في الوقت نفسه، على أهمية استقرار الأوضاع بمصر أمنيا واقتصاديا، وما لذلك من تأثير على منطقة الشرق الأوسط ككل. مصادر عدة ذكرت إنه جرى الحديث خلال الزيارة عن صفقة لشراء مصر أسلحة ومعدات عسكرية روسية متطورة. الفريق أول السيسي اعتبر المباحثات مرحلة جديدة للعمل المشترك بين البلدين، مشيرا إلى أن "مجالات التعاون تعمل على تحقيق أهدافنا في إقامة السلام الشامل والعادل والمتوازن، الذي يدعم توفير الأمن في منطقة الشرق الأوسط التي تعد قلب العالم وصمام الأمان للأمن والسلم الدوليين". من جهته، قال وزير الخارجية المصري نبيل فهمي، في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع نظيره الروسي لافروف، إن مصر تتطلع لعلاقات قوية متواصلة ومستقرة مع روسيا تقديرا لمواقفها ودورها بالنسبة للشرق الأوسط وعلى المستوى الدولي، مؤكدا أن "روسيا أكبر من أن تكون بديلا لأحد"، لافتا إلى أن "مصر لا تنظر إلى الأمور بهذا الشكل، وتتطلع لتعاون يحقق مصلحة لمصر". وأعرب عن أمله في أن تكون أيضا لروسيا مصلحة من هذا التعاون. من جانبه، قال لافروف إنه في مصلحة موسكو أن تبقى مصر دولة مستقرة ذات اقتصاد متطور وذات أداء حكومي فعال، لافتا إلى أن التحضير لمشروع الدستور والاستفتاء سيسمح لمصر بالتقدم إلى الأهداف المنشودة. وأضاف أن بلاده لا تزال تنطلق من مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لجميع الدول، لافتا إلى أن موسكو تحترم السيادة المصرية وحق المصريين في تقرير مصيرهم. يجب هنا الاشارة إلى أن المخابرات المركزية الأمريكية اعتبرت فهمي مناهضا لمزيد من التقارب مع واشنطن ومعاديا لدودا لإسرائيل وذلك عندما كان سفيرا للقاهرة في واشنطن في الفترة الواقعة بين 1999 و 2008. تزامنا مع هذ الزيارة وصل الطراد العسكري الروسي "فارياغ"، وسط استقبال رسمي من القوات البحرية المصرية، إلى ميناء الاسكندرية. ويعد هذا الطراد، المجهز بوحدة إطلاق صواريخ نووية مضادة للسفن وعدد من المروحيات القادرة على تدمير الغواصات، من أبرز وحدات الأسطول البحري الروسي في المحيط الهادئ وإرسل إلى المتوسط في ذروة الحشد البحري الأمريكي الذي كان يستهدف قصف سوريا. واشنطن تقلص من أهمية الزيارة الأوساط الرسمية في واشنطن حاولت التقليل من أهمية زيارة الوزيرين الروسيين للقاهرة أو احتمالات تأثيرها السلبي على النفوذ والمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.، كما ركزت مصادر ذات توجه أمريكي على أنه من الصعب على القاهرة استبدال أسلحة جيشها الغربية الصنع بأسلحة روسية. هذا الاستنتاج أثار سخرية عدد من الخبراء الذين أشاروا إلى أن ما بين 35 و40 في المائة من معدات القوات المسلحة المصرية حاليا هو روسي الصنع وأن التعاون العسكري بين البلدين كان في تطور تصاعدي حتى استقالة الرئيس حسني مبارك سنة 2011. في سنة 1955 تسلمت مصر أول صفقة من الأسلحة الشرقية فيما عرف بإسم "الأسلحة التشيكية". وكانت تشيكوسلوفاكيا عضوا في حلف وارسو بزعامة الاتحاد السوفيتي آنذاك. واستمر نقل الأسلحة من التشيك إلى مصر حتى عام 1956 قبل أن ترسل المعدات العسكرية مباشرة من الاتحاد السوفيتي. وهكذا كانت تجري في الجيش المصري عملية إحلال وتجديد من السلاح الغربي البريطاني أساسا والقديم إلى السلاح الشرقي. يقول اللواء محمد قشقوش، أستاذ الأمن القومي في أكاديمية ناصر العسكرية العليا بمصر إن أول قطع من أسلحة حلف وارسو تخرج خارج الحلف وخارج الصين، كانت مرسلة إلى مصر. ويضيف أن جهد التسليح "كان في كل الأفرع.. في القوات البرية والبحرية والطيران.. كان تسليحا على مستوى دولة كبيرة ولكن بتكتيكات مختلفة"، إلا أنه أشار إلى أن قدرة أي جيش على استيعاب انواع جديدة من الأسلحة يستغرق من سنة إلى سنة ونصف السنة، من أجل التدريب "لكي يصل الجيش إلى قدرة التناغم مع أسلحته". وقبل أن تستوعب مصر الأسلحة الشرقية الجديدة وقع "العدوان الثلاثي" عام 1956. و"لو كان الجيش المصري قد استوعب الأسلحة الشرقية قبل ذلك لتغير التوازن العسكري لصالح مصر. ومنذ ذلك الحين أصبح الاتحاد السوفيتي بالنسبة لمصر مصدرا أساسيا للسلاح بدلا من الغرب. ومع ذلك لم يقدم السوفيات التقنية الصناعية الرئيسة لمصر، التي كانت تعتمد على تأسيس تقنية تصنيعية عسكرية مع دولة الهند منذ عام 1958 أسفرت عن تصنيع الطائرة "القاهرة 300"، إلا أن هذا المشروع لم يكتمل في مصر، بينما استكملته الهند، بسبب تركيز مصر جهودها على تبعات الوحدة مع سوريا، ثم دخولها في متاعب "حرب اليمن"، وأوقف المشروع. وتوثقت العلاقات بين القاهرةوموسكو، أكثر، مع تمويل السوفيات للسد العالي. واستمر هذا التعاون حتى قام الرئيس الراحل أنور السادات بطرد الخبراء السوفيات عام 1972، أي قبيل حرب أكتوبر 1973، بسبب خلافات سياسية وتباطؤ موسكو في إرسال ما طلبه السادات من جسور متنقلة ومعدات لقطاع للدفاع الجوي المتحرك لكي يتمكن من تغطية تقدم قواته نحو مناطق أوسع في سيناء تصل حتى حدود فلسطين المحتلة. ولهذا انهار التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي بين البلدين. وفي عام 1976 نقضت مصر "معاهدة الصداقة والتعاون" مع موسكو التي سبق توقيعها في عام 1971. وتوقفت مصر عن شراء الأسلحة السوفيتية بشكل تام مع قرب توقيع اتفاقية التسوية مع إسرائيل، أي في سنة 1978 تقريبا، واتجهت منذ ذلك الوقت إلى شراء الأسلحة الأمريكية. وبدأت علاقات جديدة مع الولايات المتحدة والغرب، بالتزامن مع إحياء مشروع التصنيع "العسكري المدني" بمصر من خلال "الهيئة العربية للتصنيع" بعد حرب 1973. ونتج عن العلاقة مع الغرب نظام جديد من التسليح للجيش المصري، والتدريبات العسكرية المشتركة، ومعونة عسكرية أمريكية سنوية تبلغ 1330 مليون دولار استفادت منها مصر طيلة الثلاثين سنة الماضية، كان من ثمارها تحديث الجيش المصري وإدخال خط إنتاج للدبابة الأمريكية "إم وان إيه وان"، إلا أن الأسلحة الأمريكية كانت غالية الثمن مقارنة بالروسية زيادة على أن واشنطن إمتنعت عن تسليم مصر أنظمة أسلحة كثيرة بدعوى عدم الإخلال بالتوازن مع تل أبيب. التطبيع التدريجي مع موسكو مع وصول الرئيس الأسبق حسني مبارك إلى السلطة خلفا للسادات، بدأ في مواربة الباب الذي لم يكن قد أغلق تماما مع الروس. ومنذ مطلع ثمانينات القرن الماضي اتسمت علاقة مبارك مع الاتحاد السوفيتي ب"التطبيع التدريجي"، وجرى تتويجها، بعد قطيعة استمرت نحو 20 عاما، بزيارة قام بها وفد روسي برئاسة نائب وزير الدفاع حينذاك، أندريه كوكوشين، ليفتح ملف التعاون العسكري مع مصر مجددا بداية من عام 1995، ولتبدأ بعدها بنحو عامين عملية استيراد للدبابة الروسية "تي 80"، إضافة لمروحيات ومعدات أخرى. وهو ما أغضب الإدارة الأمريكية كثيرا. وترسخت العلاقات العسكرية بين البلدين بزيارة وزير الدفاع الروسي، إيغور سيرغييف، لمصر في عام 1998، حيث اتفقا على تطوير الروس للاتصالات المصرية في المجالات العسكرية وهو ما حصن القوات المسلحة المصرية إلى حد كبير من عمليات التجسس الأمريكية كما كشفت ذلك تسريبات الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية إدوارد سنودن. بعد هذا التاريخ أخذ باب الاستيراد العسكري المصري من روسيا يتسع أكثر وأكثر طيلة عشر سنوات. وبحلول عام 2008، كانت مصر قد تسلمت من موسكو مروحيات وأنظمة للرادار وأخرى للصواريخ المضادة للطائرات، وكذا تم تحديث أنظمة خاصة بالدفاع الجوي. وفي العام التالي، أي في 2009، وخلال زيارة الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف للقاهرة، وقع البلدان معاهدة شراكة استراتيجية للتعاون العسكري والتقني، خاصة ما يتعلق بمنظومة الأسلحة التي استوردتها مصر من الاتحاد السوفيتي في أوقات سابقة، وهو ما أكدت عليه زيارة قام بها لموسكو بعد ذلك بعام وزير الإنتاج الحربي المصري السابق سيد مشعل. وتجدر الإشارة إلى أن قيمة الصفقات التي نفذت في الفترة الواقعة ما بين عام 2006 و2011 بلغت نحو 1800 مليون دولار لتحتل روسيا المرتبة الثانية بين شركاء مصر في مجال التعاون العسكري، حيث شغلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى وبلغت قيمة الصفقات التي نفذت نحو 6700 مليون دولار في نفس الفترة المذكورة. وتوقفت بعد ذلك الزيارات بين مسئولي البلدين، بسبب الاضطرابات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط فيما يعرف ب"الربيع العربي"، إلى أن قام الرئيس السابق محمد مرسي بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إحدى المدن الصغيرة خارج موسكو، وهي الزيارة التي بدا منها أن روسيا غير متحمسة لتوثيق علاقاتها بالقاهرة في ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي، وتنظر اليها موسكو كمنظمة مساندة للإرهاب إن لم يكن ك "منظمة إرهابية". وقد علم في وقت لاحق أن مرسي أبلغ محدثيه الروس أن القاهرة مضطرة لعدم إتمام صفقات التسلح والتعاون العسكري معها بسبب الأزمة الإقتصادية. الاهتمام الروسي بمصر ظهر بقوة عقب الإطاحة بمرسي، وذلك خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري نبيل فهمي لموسكو، في سبتمبر 2013، وجرى خلالها مناقشة موضوع التعاون العسكري والاقتصادي والتقني وغيره من الملفات السياسية والأمنية التي تخص المنطقة. ويوضح اللواء قشقوش إن حال الروس اليوم يقول للمصريين: "نحن تحت أمركم في أي تعاون اقتصادي وعسكري، خصوصا أن دول الخليج ستدفع الأموال التي تحتاجها مصر للشراء من روسيا بما فيها الأسلحة". وتقول مصر بشكل رسمي، على لسان وزير خارجيتها، فهمي، إنها لا تستبدل أمريكابروسيا، ولكنها تمد جسور التعاون مع الجميع. وبينما يقول المحلل شريف الحلوة، وهو من أصل مصري، إن واشنطن لا يبدو أنها قلقة مما يجري، يرى اللواء قشقوش أن "إسرائيل تراقب ما يجري.. وأمريكا أيضا تراقب وغير سعيدة من التقارب مع الروس، وتحاول أن تقول إن لكل واحد حريته، وإن الموضوع عابر مع مصر وإن خارطة الطريق لا مانع منها". ويذكر أنه في عام 1980 وقع "شد وجذب" بين واشنطنوالقاهرة بسبب رفض الأخيرة إقامة قاعدة أمريكية لقوات الانتشار السريع في رأس بنياس على البحر الأحمر. وبعدها نشب خلاف أكثر حدة في يونيو سنة 2005 عندما ضغط البيت الأبيض خلال زيارة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس على الرئيس مبارك من أجل إجراء تصفية تدريجية للمؤسسات الصناعية العسكرية المصرية وخوصصتها. وقد تجدد الضغط لاحقا وبصورة غير مسبوقة سنة 2009 خلال تولي هيلاري كلينتون إدارة الخارجية الأمريكية. دفن الرأس في الرمال إذا كانت إدارة البيت الأبيض قد تعاملت ظاهريا بلا مبالاة مع التقارب المصري الروسي فإن العديد من وسائل الاعلام خالفت هذا الأسلوب. نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية يوم الجمعة 15 نوفمبر عن شادى حميد، الخبير بمركز بروكنغز، قوله إن إعادة التقارب بين روسيا والقوى العربية اسلوب تكتيكي، للضغط على واشنطن، وليس بناء تحالفات جديدة، وأضاف أن المصريين يستخدمون هذا كوسيلة لإرسال رسالة للولايات المتحدة بأن لديهم شركاء آخرون، وأن هناك آخرين يمكن أن نتحول إليهم، وقد أثمر هذا عن نتائح على الأرجح حيث سيفكر صناع السياسة الأمريكية فى أنهم لا يريدون أن يخسروا مصر لصالح روسيا، ولذلك "دعونا نسرع ونستعيد المساعدات التي تم وقفها". ويتابع حميد قائلا "إن الحكومة المؤقتة في القاهرة اقتربت من الموقف الروسي بخصوص ضرورة الحل السياسي في سوريا، وعزا ذلك جزئيا إلى الرد على تحالفات مرسى "المتصورة" مع المعارضة السورية خلال الفترة التي قضاها فى الرئاسة". يذكر أن مصادر عديدة أفادت خلال الربع الأول من سنة 2013 أن مرسي وضع خططا لتدخل الجيش المصري ضد القوات النظامية السورية بدعم من تركيا والولايات المتحدة. بدورها قالت صحيفة "واشنطن بوست" يوم الجمعة 15 نوفمبر إن مصر اتجهت بعيدا بشكل أكبر عن مكانها التقليدي داخل نطاق النفوذ الأمريكي، باستضافة مسئولين روس في محادثات على أعلى مستوى يشهده البلدان منذ سنوات. واعتبرت الزيارة صفعة دبلوماسية للحليف الغربي للقاهرة. وتابعت الصحيفة قائلة، إن روسيا الداعم الأساسي للرئيس السوري بشار الأسد قد صعدت من دورها في الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة، وقامت بالتحرك في أماكن كانت واشنطن مترددة في التواصل معها. إن توسيع علاقات موسكو مع مصر، سيمنح روسيا موطئ قدم أكثر ثباتا في الدول التي كانت تعتمد من قبل بشكل أساسي على تحالفاتها مع الولايات المتحدة. غير أن الصحيفة واصلت ترديد مقولة سياسي البيت الأبيض بشأن استبعاد وجود صفقة عسكرية فنقلت عن مايك ستيفنز، نائب مدير المعهد الملكي للخدمات المتحدة، فرع قطر، وهو مركز أبحاث متخصص في الصناعات الدفاعية، إن الحديث عن صفقة سلاح ما هو إلا قدر من قعقعة السيوف، لكنه يرى أن هذا لا يعنى أنه لن يحدث، وأضاف أنه لو لم يرد الأمريكيون بشكل إيجابي على هذا، فإننا سنرى بعض المشكلات، وسنرى البعض يضغط من أجل المضي في الصفقة. وأشارت الصحيفة إلى أن أحد الأسباب التي تعترض طريق الصفقة هو التمويل المالي، فقد حصلت مصر على مساعدات من دول الخليج مؤخرا لتوفير احتياطي النقد الأجنبي المنكمش وتأمين أموال الدعم والواردات الباهظة. ويقول الخبير الإستراتيجي اللواء صفوت الزيات، إن الاقتصاد لن يسمح بأي مشتريات أسلحة كبرى، مضيفا أن سياسات المنطقة تعتمد على من في السلطة، وهذا يمكن أن يتغير بسهولة. وأشارت واشنطن بوست، إلى احتمال أن يثير ما وصفته بتودد مصر لروسيا غضب الداعمين الأساسين للقاهرة، كالسعودية التي وقعت هي نفسها صفقة سلاح مع روسيا، لكن لا تزال تنظر لجهود موسكو في المنطقة بقدر من التشكك. الصفقات تبرم قبل الزيارات تقول مصادر رصد أوروبية أن ساسة واشنطن يمارسون سياسة دفن الرأس في الرمال حتى يتجنبوا رؤية الحقيقة الخاصة بأنهم يفقدون نفوذهم في مصر وأن لا أمل في عودة حلفائهم من الاخوان المسلمين إلى سدة الحكم ليوقفوا التوجه الجديد. وذكرت تلك المصادر أن كل من يعرف ولو الشيء القليل عن الدبلوماسية فإنه يدرك أنه عندما يجرى الحديث عن صفقات محتملة، فإن الحقيقة هي أن الأمر يكون قد حسم بشأنها مسبقا وأن الزيارات التي يقوم بها مسئولون كبار تكون لتتويج عقد الصفقة وليس لبحث إبرامها، وهذا ما وقع بين مصر وروسيا. يوم الجمعة 15 نوفمبر 2013 أعلنت روسيا، عن عرض شراء أسلحة روسية إلى مصر تتضمن أنظمة دفاعية ومروحيات، قد تصل قيمتها إلى ملياري دولار. وتشمل الصفقة مروحيات عسكرية، ومقاتلات من طراز ميغ 29 أم 2 حيث تسعى مصر إلى الحصول على 24 مقاتلة من هذا النوع في صفقة تبلغ تكلفتها 1700 مليون دولار. وأنظمة دفاع جوي متطورة ودبابات، وصواريخ كورنيت مضادة للدبابات، وهي صواريخ من الجيل الثالث الذي يستطيع خداع جهاز "تروفي" الإسرائيلي، الذي تم تركيبه على دبابة "الميركافا" الإسرائيلية. ويستخدم في الصاروخ نظام الرؤية الفنية مع تعقب الهدف تلقائيا ويحقق المبدأ العسكري "اطلق.. وانسى" وهذا يوفر دقة تزيد 5 مرات في إصابة الهدف ويعطي حماية للمطلق، حيث لا يمكن تحديد مكانه ويتميز بسرعة عالية تتجاوز سرعة الصوت كما أن له قدرة اختراقية عالية جدا، والتي تتراوح بين 1100 و1300 ملم، وهو ما أثبتته التجارب ضد الأبرامز الأمريكية والميركافا الإسرائيلية وهما من أثقل الدروع على الإطلاق على مستوى العالم. وقدر محللون أن الصفقة هي بداية لصفحة جديدة في العلاقات المصرية الروسية وتقليصا للاعتماد العسكري المصري على الجانب الأمريكي سواء في استيراد الأسلحة أو في تلقي المعونات، وهو الوضع الذي استخدمته واشنطن كورقة ضغط على القاهرة في أكثر من مناسبة قبل أن تقرر تعليق جزء كبير من المساعدات العسكرية. كما يرى المحللون أنها خطوة جديدة على طريق التغيير في السياسة الخارجية المصرية كانت موسكو الوجهة الأبرز لها، وهي خطوة انتظرتها موسكو طويلا لاستعادة دورها في الشرق الأوسط عبر البوابة المصرية. ونقلت صحيفة "فيدوموستي" الروسية عن مصدر قريب الصلة من وزارة الدفاع الروسية، قوله إن روسيا ومصر تبحثان إمكانية توقيع صفقة تسليحية أخرى تزيد قيمتها على ملياري دولار. وتفيد مصادر خليجية أنها تترواح بين 4000 و 6000 مليون دولار وتمولها إلى حد كبير دولة الإمارات العربية. وفي سياق متصل، رجح السفير عزت سعد، سفير مصر الأسبق في روسيا، إن التعاون المصري الروسي في المجال العسكري سيتضمن إنتاجا مشتركا لبعض أنواع الأسلحة وخاصة الدبابات وصواريخ الدفاع الجوي، منوهاً بأن مصر تمتلك مصانع حربية متقدمة. وكانت وكالة الصحافة الفرنسية قد نقلت عن ممثل الشركة الروسية المكلفة بصادرات الأسلحة ميخائيل زافالى فى مقابلة مع وكالة الانباء الروسية: "نعرض على مصر مروحيات حديثة وانظمة للدفاع الجوى وخدمات لصيانة وتحديث تجهيزات عسكرية". توازن القوى مصادر عسكرية إسرائيلية، ذكرت أن مصر ستحصل على أسلحة وأنظمة دفاعية وهجومية متطورة ستؤثر على التوازن العسكري في المنطقة لصالحها. وقال موقع "ديبكا" المقرب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية: إنه من المقرر أن يصل 1500 خبير عسكري روسي لمصر منتصف عام 2014، بهدف تدريب القوات على استخدام صفقة الأسلحة التي ستمولها السعودية ويصل ثمنها لأكثر من 4000 مليون دولار. وأوضح الموقع الإسرائيلي أن من بين الأسلحة الحديثة التي ستحصل عليها مصر أنظمة دفاع جوي قادرة على اكتشاف طائرات الشبح والقاذفات الثقيلة والطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى صواريخ اعتراضية يمكنها تدمير الصواريخ في السماء، وهو ما سيجعل مصر أقوى دولة في المنطقة تمتلك أنظمة دفاع جوي يصعب الهجوم عليها أو اختراقها، ما سيمكن قوات الدفاع الجوي المصرية من رصد أي جسم مهما كان صغيرا أثناء تحليقه إبتداء من منتصف البحر المتوسط وحتى قبل اقترابه من مياهها الإقليمية، وزيادة قدرات مصر في حماية قناة السويس والبحر الأحمر والحدود الجنوبية والغربية بشكل كامل. وأضاف الموقع أن البند الثاني في صفقة الأسلحة الروسية سيشمل منظمة أسلحة هجومية، من بينها صواريخ "أرض أرض" قادرة على الوصول لأي دولة في المنطقة، ويتجاوز مداها إيران وتركيا، ولم يتم الكشف عن نوعية تلك الصواريخ حتى الآن. وأكد الموقع أنه بموجب الصفقة فإنه سيمكن لمصر أيضا تأمين الأجواء السعودية ضد أي تهديدات خارجية، وأنه من خلال الأسلحة التي سيتم وضعها على الحدود الشرقية المصرية سيتم تأمين الحدود الغربية للسعودية على طول البحر الأحمر إنطلاقا من مضيق باب المندب حتى خليج العقبة ونقطة الالتقاء مع الحدود الأردنية. يذكر إن معلومات تواترت خلال زيارة كان قام بها رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان الى موسكو في 16 يونيو 2013، عن نية البلدين توقيع صفقة تسليحية ضخمة، وأن جزء من هذه الصفقة تختص بتسليح الجيش المصري، تزامنا مع اعادة المحادثات حول صفقة تسليح للجيش السعودي كانت بدأت في العامين 2007 و2008 في عهد ولي العهد السعودي الراحل الأمير سلطان بن عبد العزيز الذي زار موسكو عام 2007. ويشار هنا، إلى أن مدير المهام الخاصة في شركة "روس ابورون اكسبورت" نيكولاي ديميديوك الذي كان موجودا في معرض الأسلحة "آيدكس 2013" الدولي في أبو ظبي يوم 18 فبراير 2013، كان قد قال إن السعودية على الأرجح اتخذت مهلة من المفاوضات مع روسيا حول شراء الأسلحة والمعدات العسكرية. ولكن بعد توتر علاقات الرياضوواشنطن نهاية صيف 2013 بعد كشف مخططات لتقسيم السعودية قرر ساستها عدم تركيز إعتمادهم على واشنطن، وبناء تحالف إقليمي واسع يتضمن مصر وباكستان ومجلس الدفاع الخليجي ودولة عربية أخرى لمواجهة التهديدات الخارجية. ووفقا لوسائل إعلام روسية، فإن المحادثات تجري بين روسيا والسعودية بشأن الحزمة الأكبر من العقود العسكرية منذ عام 2007 في مجالات الطائرات والمروحيات والمدرعات ومنظومات الدفاع الجوي. وكان ولي عهد السعودية الراحل قد زار موسكو في خطوة قاربت بين البلدين بعد قطيعة دامت لسنوات، ووقتها أكد الأمير على رغبة بلاده في تزويد القوات المسلحة السعودية واسلحة الطيران والدفاع الجوي بأسلحة روسية متطورة. وحينها، ذكرت صحيفة "فريميا نوفوستيه" أن الصفقة تضمنت، منظومات صاروخية للدفاع الجوي "س-400" و"بانتسير-1س" ومدرعات "ب إم ب-3" ودبابات "ت-90س" وطائرات "مي-17" و"مي-35" و"مي-26" المروحية. تواصل بين الرياضوموسكو في تثبيت للأخبار المتعلقة بموقف ساسة الرياض، أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجرى اتصالا هاتفيا مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، يوم الأحد 10 نوفمبر 2013. وقال الكرملين إن الملك عبد الله وبوتين "أعربا عن اهتمامهما المشترك في تعزيز التعاون بينهما ومواصلة الاتصالات على مختلف الأصعدة" بهدف المساعدة على حل الخلافات العالمية. في أعقاب ذلك لم يستبعد مصدر دبلوماسي روسي يعمل في عاصمة عربية خليجية ان يقوم رئيس الاستخبارات العامة السعودي الامير بندر بن سلطان بزيارة جديدة الى روسيا، وفق ما ورد في تقرير استخباراتي غربي نشره موقع "تاكتيكال ريبورت" المتخصص في تقديم معلومات استخباراتية حول الطاقة والدفاع في الشرق الأوسط، حيث ورد بتقرير "عاجل" للموقع "أن الأمير بندر يخطط للتعاقد على أنظمة دفاعية متطورة، وذلك في إطار جهوده لتعزيز الأنظمة الدفاعية الاستراتيجية للمملكة. في عدد من الدول الغربية والكيان الصهيوني بصفة خاصة تشعر الدوائرة المتحكمة في القرار السياسي بقلق شديد من التوجهات الجديدة لساسة القاهرة، وتقدر أنها ستنعكس على عواصم آخرى في منطقة الشرق الأوسط الذي أدرك العديد من سياسيه أنه لا يمكن الاعتماد كليا على قوة دولية تعتبر إسرائيل إمتدادا لها، قوة تتطلع إلى الهيمنة على ثروات المنطقة وخاصة البترولية عبر مشاريع مختلفة في مقدمتها "الشرق الأوسط الجديد" والذي يستهدف تقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و56 كيانا على أسس عرقية ودينية ومناطقية، أي المشروع الذي وضعه المحافظون الجدد في الولايات المتحدة. الكاتب الإسرائيلى يوران فريدمان كتب في مقال بصحيفة "يديعوت أحرونوت" نشر منتصف شهر نوفمبر، إن الأخطاء التى ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، خاصة دعم التيارات المتطرفة كجماعة الإخوان المسلمين، دفعت دولا كبرى مثل مصر والأردن إلى الارتماء فى أحضان روسيا، وعودة الدب الروسي من جديد إلى المنطقة. وأضاف الكاتب، في مقال له حمل عنوان "بوتين يسحق أوباما فى لعبة شطرنج الشرق الأوسط" أن العالم فوجئ بالربيع العربي فى عام 2011 وبالخريف الإسلامي فى 2012 وبتطرف الأنظمة فى 2013، وبعودة الروس في 2014. وذكر الكاتب، أنه على الرغم من كون روسيا قد أغضبت بعض العرب لمساندتها النظام السوري، إلا أن هناك ترحيبا كبيرا بعودة الروس إلى المنطقة من جديد، بفضل أخطاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. وأشار الكاتب إلى أن موسكو استوعبت جيدا هذه الأخطاء التي ارتكبتها واشنطن مع القاهرة، فسارعت إلى استعادة مكانتها وأرسلت وزيري الخارجية سيرجى لافروف ووزير الدفاع سيرجى شيميغو، لتكون الزيارة الأولى لوزير دفاع منذ عام 1979، كما لم تضع موسكو الوقت لكي تملأ الفضاء الواسع الذي خلفته وراءها واشنطن بعدما أعلنت وقف المساعدات الأمريكية حتى تبرم صفقة أسلحة ب2.2 مليار دولار، منها طائرات وغواصات من طرازات متطورة. [email protected]