تطرح الدوائر المالية تمييزا دقيقا بين المخاطر المنهجية والمخاطر المالية في أي بورصة بعد فضيحة " إم إف غلوبال " التي قامرت وراهنت وخسرت المليارات، وواضح أن هذه الفضيحة تطرح سؤال الشفافية المالية، وقدرة المخزن الاقتصادي على أن يخسر مليارات يمكن أن يعوضها عبر شبكة الريع. هذا البعد غير تنافسي، ويحمل وجها احتكاريا مس بيع بنوك في حالة بنك الوفا، أو سمسرات عمومية في أكثر من وزارة، وكشف فضائح البنك العقاري والسياحي التي تزعمها اتحادي أو المكتب الوطني للمطارات في عهدته السابقة ... أن الأمثلة كثيرة، وأن الدخول إلى البورصة لا يكفي للحكم على الشركة بالشفافية. التفاصيل معقدة لكن تتبعها إلى النهاية يكشف مشكلات نظامنا من فساد سياسي ومبالغة في الاقتراض، والتركيز " المرضي " على تحقيق الأرباح على المدى القصير على حساب الاستمرار والبقاء، وأخيرا الخسة والدناءة، هذا الوصف من الواشنطن بوست في مقال باري ريثولز وهو يصف هذا البعد النيوليبرالي في واشنطن تماما كما في البيضاء، حيث نقرأ من هذا المنظور " المخاطر المنهجية "، والتي يجب تجاوزها في أي مركز مالي، وفي قلب المغرب المالي: بورصة البيضاء. أولا، يجب أن تكون العمليات المالية قانونية، ليس من الناحية الفنية فقط، بل يجب أن تحترم كل العمليات روح القانون، تكريس التنافس من أجل توازن الفاعلين، وتمكينهم من الولوج وإصدار العقوبات في حال انتهاك المساطر. وجود شركات نافذة " لا تعاقب "، ومن أصول مالية مفتوحة دون رقيب بفتح التساؤل حول: جدية الإصلاح المالي في المملكة. ثانيا، مراقبة الأبناك في البورصة، وتكثيف مراقبة بنك المغرب لأي زيادة في الاقتراض بضمان أصول العملاء؛ كذلك على صعيد البورصة، لا يمكن الاعتماد على أي تقسيم بين المدرجين في هذه السوق وتمكين الجميع من معايير واحدة في الإدراج والتمويل. استغلال ثغرات خاصة بالاقتراض أو في التمويل قد تخول فاعلين التركيز على شركات دون أخرى، فالعدالة المالية – إن صح التعبير – تبدأ من احترام الضوابط وتوحيد المعايير. ثالثا، نفوذ بعض الشركات أو الأبناك قد يؤدي إلى التحرر من بعض القيود الحكومية، قد تكون نتيجته استخدام أموال العملاء في شراء سندات حكومية ذات مخاطر، كما أن المخزن الاقتصادي له أكثر من خمسين سنة، والدعوة إلى المقاولة المواطنة وإلى التنافسية لم تبدأ سوى لعقد من الزمن، عرف انتكاسات إصلاحية بارزة، ولم يحقق المغرب إلى الآن قطيعته مع الريع. إن الاقتصاد الريعي يجدد شكلياته، وتحت عناوين عديدة يقود الإصلاح، إن إعادة صبغ الريع بأشكال حديثة، ومختلطة لا تكفي لقيادة إصلاحات هيكلية، كما أن " تحديث وسائل الريع " ليست كفيلة بعد الرسملة البورصية أن تكون مقدمة " لمجتمع الرساميل " بهدف جذبه من الخارج أو الاعتماد عليه في الداخل، من خلال دينامية مستقلة. رابعا، عام 2010 كشف عالميا أن التحرر من القيود واللوائح المنظمة في تجارة عقود السلع الآجلة، أو السلع المشتقة ماليا أو القروض، تعرض العملاء إلى الخطر. وطلب الألمان والفرنسيون تغييرا للقواعد المتبعة، والانخراط السريع لبورصة البيضاء في الإصلاحات الكونية كفيل وحده ببناء نفسها مجددا، كطاقة جذب وتأمين واستثمار. إن اعتماد بورصة البيضاء على قواعد تنظيم " دولية " بعد الأزمة المالية وأزمة اليورو، يكفل لها أن تنشط، ولابد هنا من تقدير آخر أبداه " جون كورزين " عندما قرر أن يحدث " القطيعة عبر الشفافية " لإعادة بناء المجازفة مجددا. وفي بورصة البيضاء، يجب أن تحدث هذه القطيعة أولا وثانيا وثالثا، هذه القطيعة عبر الشفافية تكشف نقط الاختلال، وتعمل على تدقيق التدفقات ومصادرها، من أجل خلق منافسة مالية سليمة، لا يخسر معها أي من العملاء المغاربة أموالهم بفضل صرامة اللوائح والإجراءات. خامسا، تمكين وكلاء التصنيف الائتماني من الاشتغال الحر فوق الأراضي المغربية، لذلك فالتوازنات التي لا تعني سوى منع المقامرات هو الجزء الصلب أي معادلة مالية أو اقتصادية. اليوم الرهون البنكية في العقارات تتجاوز في المغرب الأرقام الطبيعية، ومع ذلك هناك رهون مضاعفة على ديون لأجل استثمارها بطريقة ملتوية في قرض أخرى بالنسبة إلى المتداولين في البورصة، تحث حالة الرهن عندما تستخدم شركة السمسرة التي يتعاملون معها ما يملكه العميل من أسهم كضمان للتداول أو الاقتراض، و بلغة أكثر بساطة نحن أمام شراء أسهم من خلال اقتراض بتقديم ضمان على هيئة أسهم إلى طرف ثالث أي إلى سمسار. فعدم ضبط أصول السمسرة وقواعدها في أي بورصة، والتعاطي عبر اقتراض أو تداول أسهم من خلال أسهم أخرى هو الخطر الكبير على أي بورصة. إن الطرف " السمسار " يسعى إلى قرض من خلال أسهم نتاج عملية إقراض أو تداول عبر أسهم، وفي هذه الحالة نكون أمام سداد مما لا يزال في ملكيتك عبر سمسار إلى طرف ثالث ؟! وهذا التعامل " الكارثي " يجري في اللوائح العادية ويشكل خطرا ضمن أخطار أو مخاطر منهجية في سوق المال يجب التعامل معها وتجاوزها، وهذه المخاطر تزداد كلما تم إيداع أموال إضافية تحسبا لحدوث تقلبات أو التصفية الإجبارية. سمسرة الأسهم والسلع لشراء سندات هو الشئ الذي يرفضه الاقتصاديون الجدد منهم صاحب كتاب " المال والنفوذ " لويليام كوهين، حيث روى كيف حكمت مؤسسة " غولدمان ساكس " العالم ؟ انهيار " بير ستيرنز " كشف لعبة السندات، التي لم تعد استثمارات آمنة سائلة تحظى بتصنيف ائتماني ممتاز. إن حكاية الانهيارات من 2007 إلى 2009 بدأت من دعوة مصارف إلى البورصات تخلي قواعد صافي الرسملة لإعفائهم من وضع قيود على الاقتراض، ومن الغريب أن يتم تسمية هذا الإعفاء " إعفاء بير ستيرنز " ! واليوم أمام شركة إم إف غلوبال وعقود السلع الآجلة، مما يعني أن النفوذ يصنع المال، وكل بورصة تستند على النفوذ والمال المحمي من خلال الريع بورصة لن تتمكن من الصمود إلا بفعل الخروج عن القواعد، فتكون البورصة " بيتا ماليا " للحاكم. الاستثمارات المالية تتركز على حسابات العملاء، وصناديق التأمين، وعندما ندرك أن الريع والنفوذ أفلس " صندوق التقاعد " وأبناك نكون قبل الأزمة " المالية " الأخيرة، دخلنا الأزمة " المنهجية " قبل وجود البورصة، وصنع المخزن بورصته، مما يعني أن المؤسسة المالية في البلد وليدة النفوذ. ثم إن البورصة في هذه الحالة ابنة شرعية للمخزن الاقتصادي، والأزمة البنيوية لحالة النشوء لا يجب أن تزيد وتتعمق بالمخاطر المنهجية الجديدة، واليوم نتساءل عن السمسرات في بورصة البيضاء، هل تؤدي إلى تأمين السوق المالي. حالة الخداع والتلاعب بأموال العملاء وصل إلى حدود الاقتراض بأموالهم لشراء سندات حكومية استثمارية ! هذا الإجراء " غير قانوني "، لأننا أمام ديون حكومية مرتفعة لا تمكن من الاستبداد، وقد رأينا مثال اليونان وإيطاليا وإسبانيا. اليوم، كل الخبراء يؤكدون أن وكالات التصنيف الائتماني دخلت أيضا في صفقات، فكيف يمكن تأمين مال المساهم في شبكة نفوذ " قانونية " من الناحية الفنية، ومتحكمة في البورصة والائتمان الذي نعرف أن جزءا من القوانين تحمي بعض الفساد داخله. في أمريكا تزامن النفوذ من خلال لوبيات والفساد التشريعي أو صمت البرلمان في دول أخرى، كما أن المخزن الاقتصادي في المغرب أخرس البرلمان في الفترة السابقة، وضغط بقوة كي تكون القوانين " خرساء " في وجه الفساد، وفي وجه التحايل. أخيرا هناك أمر مربك وجدي، هو اعتماد القطاع المصرفي البديل على نفس القوانين المنظمة للمجال في العقود الاشتقاقية والإقراض والألاعيب المحاسبية والائتمانية، فالبنوك الإسلامية يمكن أن تستخدم أموال العملاء كضمان لقروض أو اتفاقيات إعادة الشراء. بورصة البيضاء يجب أن تبدأ في معالجة المشاكل المنهجية، كما في بورصات العالم، لأن القطاع المالي يجب أن يكون رهانا للتنافسية وليس كازينو يموت معه الخلق والإبداع والعمل !! عبد الحميد العوني بالاتفاق مع أسبوعية ما وراء الحدث