قال الكاتب والناقد عبد النبي دشين إن صدور الجزء الأول من “الأعمال الكاملة” للكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد يعد “حدثا ثقافيا بامتياز”, وإثراء للمكتبة المغربية والعربية والإنسانية. وأوضح دشين, خلال حفل توقيع هذا المؤلف الذي نظم أمس الخميس بدار الثقافة محمد المنوني بمكناس على هامش الدورة ال11 للمهرجان الوطني للمسرح, أن عبد الكريم برشيد “كاتب استثنائي من زماننا”, ففي الحديث عنه يصعب إقامة المسافة بينه وبين ما يكتب وكيف يكتب إذ “الأسلوب هو الشخص نفسه”. واعتبر دشين, في معرض تقديمه لهذا الكتاب الذي صدر عن وزارة الثقافة والمتضمن لمسرحيات “يا ليل يا عين” و”الحكواتي الأخير” و”المقامة البهلوانية” و”اسمع يا عبد السميع”, أن عبد الكريم برشيد إنسان “قد من كلمة وبالكلمة يحيا” لأنها تعينه على خلق الاستعارات التي يضاعف بها وجوده وكينونته, مضيفا أن “الكتابة لديه فضاء للعب واستعادة طفولة ما فتئت مظاهر الحضارة تصادرها منه”. وأبرز الناقد المسرحي, خلال هذا اللقاء الذي حضره ثلة من المبدعين والباحثين المغاربة والأجانب, أن اختيار عبد الكريم برشيد للمسرح نابع من كونه الأقدر على إتاحة الفرصة لبناء العالم المنشود, ول”منح شخصياته إمكانية إعادة ترتيب فوضى الوجود الإنساني”. عبد الكريم برشيد -يضيف دشين-كاتب “عدته القلق الأنطولوجي الذي لا يمنحه الفرصة للتصالح مع العالم الذي يضيق به كل يوم والذي يدفعه لجعل الكتابة تمرينا مستمرا في تطويع الواقع الحرون ...”. وأضاف عبد النبي دشين أن المبدع عبد الكريم برشيد ظل وفيا لاختياراته ورؤاه الجمالية وبذلك “يمكننا الحديث عن تجربة برشيد في المشروع الإبداعي الذي تبلور إبداعا وتنظيرا ضمن سيرورات سوسيوثقافية عرفها العالم والعالم العربي ثم المغرب”. ولاحظ دشين أنه لا يمكن قراءة نص برشيد دون استشعار حساسية لغته أو التيه في عوالمه وتلك “خصيصة أبدعتها مجموعة من العناصر التي تشكل كيمياء الكتابة لديه, فهو يجترح لغة تتوشح الشاعرية الباذخة متوسلة بالاستعارة والمجاز”. وفي هذا السياق, قال الناقد إن برشيد “يخترق اللغة المسكوكة التي صارت كليشيهات لا تقول إلا ذاتها” ويهرب من التحنيط والتكلس مانحا للفكرة أن تعبر الوجدانات من غير رقيب ولا حاجز حيث يصرح المؤلف في معرض تقديمه لهذه الأعمال قائلا “في هذا الفضاء العربي الواحد تخضع السلع المادية للجمارك ولكن الأفكار الرمزية لا سلطان عليها (...) تخترق الحواجز الأمنية وتخترق الحقب التاريخية (...) فكبار الكتاب والشعراء والعلماء في العالم أكبر من الجغرافيا وأكبر من تسييجهم داخل حدود إدارية ضيقة”. وسجل الناقد دشين أن الإيمان “بإنسانية الأفكار” يترجم الهاجس الإبداعي لدى برشيد الذي “لم يحد عن هذا الاختيار قيد كلمة”, فهو يستعيد شخصياته التراثية التي استثمرها وصاغها في قوالب فنية لتستوعب “البرهة التاريخية” كما هو الحال في “امرؤ القيس في باريس ” و”عنترة في المرايا المكسرة” و”ابن الرومي في مدن الصفيح”. وفي الختام, يرى دشين, أن قيمة هذا الإصدار تكمن في كونه يتيح للدارسين والباحثين الاستماع لتجربة برشيد والإصغاء لنبضها وفق بنية شمولية تعين عن الإفصاح عن استراتيجية الكتابة لديه مشيرا إلى أنه يطلق على هذا الإصدار اضطرارا “الأعمال الكاملة” رغم أن مشروع الكاتب غير مكتمل و”هو منذور للعطاء المستمر”.