من تابع، ولو جزئيا، تصريحات دونالد ترامب المرشح للبيت الأبيض، وما بات يتحدث به عن الإسلام والمسلمين بعد مرور مائة يوم من تسلمه السلطة، يلاحظ، دون شك، حصول تحول في منطوق ما يفوه به، ويعلنه جهرا في مناسبات كثيرة، لا سيما خلال زيارته مؤخرا للمملكة العربية السعودية، والتقائه بوفود قرابة خمسين دولة عربية وإسلامية. فهو في الواقع تَحوُّلٌ مفهوم ومعتاد في السياسة ولدى السياسيين على وجه التحديد.. إنه من قبيل ما يُقال عنه "كلام الليل يمحوه النهار". لنرجع إلى ما شكّل لازِمات ثابتة ومتكررة في الخطاب الانتخابي للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، ونُمعِن النظر في حمولاتها ومقاصدها، ولنُقارن بما حصل لاحقا بعد أن فاز ترامب، وشرع في اختبار تعقيدات السياسة من موقع الممارسة، وللممارسة ضروراتها، كما يُقال. فقد استعمل أكثر ما من مرة مصطلح الكراهية في سياق حديثه عن الإسلام والمسلمين والعالم الإسلامي عموما.. قال بالحرف الواحد: "المسلمون يكرهوننا"، وإن لديهم تجاه أمريكا "كماهائلا من الكراهية". وفي تكرار حديثه عن التطرف الديني، والإسلامي على وجه الدقة، تكلم بصفة المطلق، واعتبر كل ما له صلة بالإسلام والمسلمين مصدر تطرف وعنف وشرّ لأمريكا وللبشرية قاطبة، بل إنه أعطى الدليل على جدية قوله ونظرته تجاه الإسلام والمسلمين، حين دشّن ممارسة سلطته بعد أداء القسم مباشرة بإصدار قرار يمنع سبع دول إسلامية من دخول الأراضي الأمريكية، لولا اعتراض قضاء الولايات واستقلالية أعضائه في الامتناع عن تطبيقه. تميز خطاب ترامب خلال الحملة الانتخابية بحدة لغة حديثه عن المسلمين، وإطلاقية الأوصاف التي ألصقها بالإسلام ومن يعتنقه في بقاع العالم، ولم يحصل أن ميز المرشح الجمهوري بين الإسلام كعقيدة، تدعو إلى السلام والتسامح وتنبذ العنف والقتل العمد، والحركات الممارِسة للتطرف باسمه، بل وضع الكل في سُلة واحدة، وألصق بالإسلام كل ما حصل ويحصل من فصول التطرف ومعاداة الحياة. والحقيقة أن قصده من هذا، وهدف من كانوا وراء صناعة خطابه الانتخابي، كان يروم استمالة الناخب الأمريكي، وتخويفه كي يصوت لمرشحهم الجمهوري دونالد ترامب.. علما أن التاريخ الأمريكي ينطوي على مفارقات كثيرة بخصوص رؤية القادة الأمريكيين للإسلام والمسلمين، وحدود قدرتهم على التمييز بين الإسلام وما يُلصق به من أوصاف ونعوت. لنتذكر من الأمثلة القريبة زمنيا أن الرئيس كلينتون كان أول من أصدر تهنئة رسمية بحلول شهر رمضان، كما عين أول سفير أمريكي مسلم في "فيجي"، هو عثمان صديقي، أو الرئيس بوش الابن، الذي نقل نسخة القرآن الكريم من مكتبة جيفرسون إلى مكتبة البيت الأبيض عام 2005، ولا ننسى خطبة أوباما في جامعة القاهرة سنة 2009، وما ورد فيها من رؤى إيجابية تجاه الإسلام والمسلمين، منها تحديدا قوله إن أول اعترف بأمريكا عند تأسيسها جاء من دولة مسلمة، أي المغرب، وليس من دولة مسيحية، وتشديده على أن الإسلام جزء من الواقع الأمريكي المتعدد، حيث هناك 1200 مسجد وبيت عبادة لقرابة سبعة ملايين مسلم في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ربما كان طبيعيا أن يعرف خطاب ترامب تحولا تجاه نظرته للإسلام والمسلمين بعد مرور وقت قصير من شروعه في ممارسة السلطة، وهذا ما حصل فعلا حين خصص أول زيارة له لعاصمة العالم الإسلامي وقبلة المسلمين المملكة العربية السعودية، وحديثه المميِّز بين الإسلام المتسامح والمسالم ونظيره المتطرف والمتشدد، وإشاراته الواضحة إلى عدم وضع الإسلام والمسلمين وما يحصل من أشكال التطرف والعنف في سلة واحدة. أما لماذا حصل التحول من خطاب إلى آخر مغاير له، فمرده إلى مصادر كثيرة وليس إلى باعث واحد.. ف"ترامب" المرشح، الباحث عن كل ما من شأنه أن يستميل الناخبين إليه، ولو بالترهيب والترغيب والكذب، ليس هو ترامب الممارس للسلطة، والمحتك بضروراتها، وعلى رأسها بالنسبة إلى ترامب الضرورة الاقتصادية والمالية. فهذا المرشح الذي أطلقت في حقه كل أوصاف التجريح، ونُعت بالأبله، وغير الذكي، والمهرول نحو الصفقات وكسب المال، زار المملكة العربية السعودية، ليخرج منها بعد يومين بصفقة قدرت ب 480 مليار دولار، لم يستطع الحصول عليها أي رئيس أمريكي سابق.. ولعل هذه مجرد بداية، وما هو مقبل يبقى في علم الله.