الاصطدام العنيف بين حكومة عبدالإله بنكيران والمندوبية السامية للتخطيط برئاسة أحمد لحليمي، أخذ بعدا دوليا واستأثر باهتمام رؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدة في المغرب. الاهتمام برز خلال لقاء جمع الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الحبيب الشوباني، بعشرات السفراء الأجانب المعتمدين في المغرب، بدعوة من «المؤسسة الدبلوماسية». فيما صرح الوزير عن حزب العدالة والتنمية، بأرقام مهولة تكشف خطورة الاختلالات المالية والتدبيرية التي تستفحل في الجسم الجمعوي، حيث قال إن الأغلبية الساحقة من الجمعيات المغربية لا تصرّح بمعاملاتها المالية، علما أنها تستفيد من دعم مالي من الداخل والخارج يقدّر مجموعه بما بين 300 مليار و880 مليار سنتيم. وفيما توقف الشوباني عند تجاوز عدد الجمعيات المغربية عتبة ال100 ألف جمعية، قال إن طموح الحكومة هو بلوغ مستوى المليون جمعية في السنوات القليلة المقبلة، شريطة توفير الإطار القانوني وتفعيل الضبط والمراقبة والحكامة الجيدة. وبمجرّد انتهاء رئيس المؤسسة عبد العاطي حابك، من محاورة الشوباني عبر سيل من الأسئلة المتعلقة بالحصيلة التشريعية للحكومة الحالية وسياساتها تجاه المجتمع المدني، وفي أول سؤال طُرح من جانب السفراء، سارع سفير دولة فنزويلا، أحمد بوسعيد، إلى طرح سؤال مباشر على الوزير الحبيب الشوباني، قائلا إن الانتقادات الموجّهة للحليمي، غير مفهومة بكون الأرقام التي كشفت عنها المندوبية السامية في آخر دراسة لها حول الوضع الاقتصادي للمغرب، تتطابق مع المعطيات الصادرة عن مؤسسات التخطيط العالمية. الشوباني أجاب بالقول إنه مضطر إلى تكرار الجواب الذي ردّده وزير الحكامة والشؤون العامة في الحكومة، محمد الوفا، في خرجاته الإعلامية والبرلمانية الأخيرة. وأوضح الشوباني أن أحمد لحليمي هو مسؤول كبير برتبة وزير، لكنه يقع تحت سلطة رئيس الحكومة، «والمشكل هو أن هناك خللا في تعامل مسؤول بمرتبة وزير، حين يقوم بالتصرف خارج هذه التراتبية الإدارية، وهو ما لا يمكن أن يستمر». ثاني المواضيع التي بادر السفراء الأجانب إلى طرحها، تتعلّق بالدعم الأجنبي للجمعيات، وكيف تنظر إليه الحكومة. فيما تساءلت سفيرة فنلندا، كريستينا أرتيلا، عن المعايير التي تعتمدها الحكومة لاختيار الجمعيات التي تخاطبها وتتواصل معها. الشوباني قال إن المغرب لا يتوفّر حتى الآن على أي تصنيف للجمعيات، معتبرا ذلك من مكامن النقص التي يجب تجاوزها. «لا نملك حاليا أي تصنيف للجمعيات، وكل من وضع ملفا لتأسيس جمعية يصبح جمعية، وغياب هذا التصنيف يؤدي إلى ضعف الحكامة واستغلال النفوذ»، يقول الشوباني، مشددا على أن المغرب لا يخشى من الدعم المالي الذي تتلقاه الجمعيات من الخارج، معتبرا ذلك مؤشرا على الكفاءة والقدرة على تعبئة الموارد المالية. لكن الشوباني أقرّ في المقابل بوجود خلل كبير في التزام الجمعيات بالضوابط القانونية الخاصة بالاستفادة من الدعم الأجنبي. «في سنة 2012 أعلنت أمام البرلمان أن 325 جمعية صرحت بتلقيها 14 مليار سنتيم، وأثار ذلك نقاشات وجدلا كبيرا»، يقول الشوباني، مضيفا أنه وفي السنة الموالية، أي 2013، «تم التصريح ب22 مليار سنتيم، أي أن مجرد الحديث عن الموضوع ضاعف حجم التصريحات». مشكلة التصريح هذه تشمل أيضا الدعم الذي تستفيد منه الجمعيات من داخل المغرب، حيث قال الشوباني أمام السفراء الأجانب، إن 95 في المئة من الجمعيات المغربية، لا تصرّح بأي معاملة مالية، علما أن أموالا كثيرة تتدفّق على الجمعيات. واستشهد الشوباني بالأرقام التي كشفها زميله وزير الداخلية محمد حصاد مؤخرا في البرلمان، والتي تفيد أن الجماعات المحلية وحدها تقدّم 66 مليار سنتيم من الدعم للجمعيات. فيما قدّر الشوباني مجموع الدعم الذي تستفيد منه الجمعيات، استنادا إلى البحث الوطني الذي قامت به المندوبية السامية للتخطيط، بما بين 3 مليارات و8.8 مليار درهم.