احتفلت الزاوية البوتشيشية امس بعيد المولد النبوي، وسط اهتمام إعلامي واسع، بسبب الإقبال الكبير على هذه الزوايا، التي لا تكلف أصحابها، تبعات ما يكلفه الإسلام السياسي، وكذا بسبب الدور السياسي الذي تلعبه الزوايا بين الفينة والأخرى، باعتبارها خزانا للنظام، من أجل المساندة والتأييد في اللحظات الحرجة، كما حدث عندما خرج البوتشيشيون لمساندة دستور 2011. جون أفريك أرخت لتلك اللحظات على طريقتها. كان الظهور القوي لأتباع الزاوية البوتشيشية في حملة الاستفتاء والمشاركة في المسيرة الكبيرة من أجل التصويت ب«نعم» على مشروع الدستور، بمثابة دليل يؤكد أن الملكية تتوفر على عدة أوتار في قوسها الديني. يوم الأحد 26 يونيو2011، استقبلت شوارع الدارالبيضاء المشاركون في مسيرة من نوع جديد. ففي الوقت الذي كانت العاصمة الاقتصادية في الأشهر الأربعة الأخيرة تعيش على وقع مظاهرات أسبوعية تدعو لها حركة 20 فبراير، كان أتباع الشيخ حمزة، في ذلك اليوم يتدفقون على شوارع درب السلطان. ففي هذا الحي الشعبي الذي يحيل اسمه على الكثير من الذكريات، حي «درب السلطان» القريب من القصر الملكي، تجمع أتباع الزاوية القادرية البوتشيشية لتأكيد دعمهم ومساندتهم لمشروع الدستور الذي قدمه الملك محمد السادس يوم 17 يونيه. تدفق الآلاف من أتباع الصوفية البوتشيشية على الحي عبر حافلات من مختلف المناطق، ومنذ الساعات الأولى من يوم الأحد الذي تميز بحرارة مفرطة. تجمع أتباع الشيخ حمزة في حلقات صغيرة للمناقشة، في انتظار انطلاق المسيرة بعد تأجيلها إلى ما بعد الزوال، فيما حاول آخرون اغتنام الفرصة السانحة لقضاء بعض الحاجيات أو للتبضع، في الوقت الذي اختفى الباعة المتجولون الذين كان يضيق بهم الشارع الرئيسي في حي «درب السلطان». كان استعراض القوة مدهشا ويثير الذهول. ليس فقط من خلال قوة الشعارات التي تمزج بين مساندة النص الدستوري، وبين أدعية الذكر الصوفي، والتي تظهر عبر التعددية البارزة للمتظاهرين. فالبوتشيشية تضم «بروفيلات» متعددة: حضريون وقرويون، شباب وكهول، صناع وجامعيون، يوحدهم الوفاء للمرشد. فهذا الأخير أعاد تأكيد بيعته للسلطة الملكية، وهي نوع من البيعة المتجددة بشكل علني من خلا ل أتباعه. والحدث، كان خروج ضخم للزاوية الدينية التي لم يسبق لها أن أرخت ظلالا من الشك حول قربها من الحكم، في اللحظة التي دعت الأحزاب السياسية الكبرى، ومن بينهم إسلاميي حزب العدالة والتنمية للتصويت ب «نعم» على مشروع الدستور. بالنسبة للمؤرخ المعطي منجب «إنها المرة الأولى الذي تستخدم فيها زاوية في قضية سياسية داخلية تهم جميع المجتمع المغربي وكل الطبقة السياسية، في الوقت الذي كانت الأحزاب هي من يقوم بهذا الدور». لا يجب أن تخفي هاته الملاحظة الخرجات العامة السابقة للبوتشيشية، عندما كان يتم فيها تقديم أتباع البوتشيشية على أنهم الصوت الصوفي المنافس للعدل والإحسان التابعة لعبد السلام ياسين، الذي ساهم أتباعه في تضخيم صفوف حركة 20 فبراير، والذين كانوا يدافعون عن مطلب مقاطعة الاستفتاء.
زاوية في طور الصعود
مثل جميع الزوايا الأخرى «كانت البوتشيشية دائما تلعب دورا سياسيا. كان ذلك خلال فترة حكم الحسن الثاني، وكذلك خلال فترة الحماية»، يذكرنا المحلل السياسي يوسف بلال المختص في الإسلام السياسي. وهو تقليد أكيد سرعان ما تقوى منذ جلوس الملك محمد السادس على العرش. خلال فترة حكمه، فرضت الطريقة البوتشيشية نفسها مثل «نجما صاعدا» في سماء زوايا المغرب. كانت لفترة طويلة منكمشة على نفسها، مقارنة مع الزوايا المنظمة والغنية والتي تضم عدة أتباع، إلا أنها سرعان ما أصبحت الذراع المتميز للسياسة الدينية للمملكة. عرف محمد السادس، الملك الليبرالي أكثر من والده بفرض المدونة على حقل ديني معارض. ومنذ 2002، قام بتعويض عبد الكبير العلوي المدغري، وزير الشؤون الإسلامية لمدة 18سنة والمتهم بالقرب من الوهابية السعودية بأحمد التوفيق، المؤرخ والأديب المعروف بتفكيره المتفتح. غير أن التوفيق يبقى رجلا صوفيا، ومن أتباع الطريقة البوتشيشية. ويحكى أنه طلب موافقة الشيخ حمزة للترخيص له بتولي المنصب. يدعو أحمد التوفيق الذي أصبح على رأس وزارة قوية إعادة الاعتبار للإسلام الصوفي الشعبي المعادي ل «لأرتودوكسية» السلفية.
مع أمير المؤمنين
في سنة 2003، كانت هجمات الدارالبيضاء المستوحاة من الصيغة السلفية بمثابة بداية تكريس الصوفية. فالملك محمد السادس،على الرغم من ليبراليته، لم يجد صعوبة قي تعزيز هيمنته على الحقل الديني، وتحمل مسؤولية ممارسة وظيفته كأمير للمؤمنين بشكل كامل. لم تبق الصوفية فقط اختيارا للأمن الروحي، وهو المفهوم الذي تمت تقويته منذ 2002، من أجل تعزيز الخيار المغربي لإسلام مالكي معتدل، ولكن أيضا أصبح ورقة في يد السلطة عندما يصبح الاحتجاج ضد شرعية الملك ضاغطا. فالقصر تربطه بالزوايا وزعمائها علاقة تبعية مقابل ولاء غير محدود. والزوايا تتوصل بالهدايا وبالبركات الملكية، «من خلال إعطاء قيمة، منذ الشيخ عباس والد الشيخ الحالي، المرشد لطريق الطمأنينة وللدعوة البعيدة عن أي طموحات سياسية، أصبحت البوتشيشية في الواقع في صف الملك الحسن الثاني الذي كان في حالة صراع مع التيارات الدينية المختلفة، وعلى رأسها «السلفية»، يحلل عبد الحكيم أبو اللوز، باحث مشارك بمركز «جاك بيرك» بالرباط، لم يكن اللجوء للبوتشيشية القوية «شيئا مدهشا في سياق الاستقطاب السياسي»، يضيف يوسف بلال،الذي يرى لخروج الزاوية بمثابة رد فعل للصراع القديم بين قطبي الصوفية المغربية: عبد السلام ياسين والشيخ حمزة، ولقصة منافسة قديمة بأربعين سنة.
صراع ثنائي تاريخي في «مداغ»
يقدم يوسف بلال في كتابه «الشيخ والخليفة، سوسيولوجيا دينية للإسلام السياسي بالمغرب الصادر عن المدرسة الوطنية العليا في ليون سنة2011، شهادة محمد شفيق صديق ورفيق عبد السلام سابقا، خلا ل الفترة المتراوحة ما بين 1965 و1972، والذي سيصبح بعد ذلك مدير المدرسة المولوية، ثم أحد المدافعين عن الأمازيغية انطلاقا من الثمانينات. كانا الرجلان مفتشان بوزارة التربية الوطنية بالرباط في سنة 1965. كان ياسين آنداك مفتونا بالغرب، وتعدد لقاؤه بالشيخ عباس، مرشد البوتشيشية، تغيرت حياته وضحى بوظيفته، وبكل مباهج الحياة من أجل اتباع تعاليم الشخص الذي كان يدعوه ب «السيد»، والذي كان يلتقي به أسبوعيا في «مداغ». كان مواظبا على الحضور، وكان يقرأ كثيرا، وكان الأقرب للشيخ عباس من كل الأتباع. تركه هذا الأخير يغذي طموحاته، وفي سنة 1972 عندما توفي الشيخ عباس، انتظر الأتباع الوصية وكذلك ياسين. وكان شفيق قد حذره بقوله: «اسمع، يا عبد السلام، ستضع يدك في الجرة وستخرج الوصية، وسأضع يدي في النار إذا لم يكن الشيخ حمزة هو المعين». كانت الوصية صريحة وواضحة «لا أحدا يمكن أن يعترض أو يمكنه أن يتقدم بأي مطلب، فالأمر يتعلق بولدي المؤمن الحاج حمزة»، كان ياسين يعتقد أن بإمكانه رفض قواعد مؤسسة تقليدية وراثية، لأنه كان يعتقد أنه يتوفر على علامات الخلافة، لتبدأ القطيعة مع الزاوية بعد ذلك. وفي سنة 1974 وجه الشيخ ياسين للحسن الثاني رسالة» الإسلام أو الطوفان»، والتي أعلن فيها مشروع انشاقه الذي يستند على رفضه للشرعية الدينية للملك على عكس ما هو عليه الحال مع البوتشيشية.
الشيخ حمزة.. النجم الأول مند 1972،أصبح أتباع الزاوية يتدفقون على «مداغ» من أجل رؤية ولمس الشخص الذي يحترموه إلى حدود التقديس مثل إله حي. بالنيابة لعالم الاجتماع عبد الله الرامي،»إن جماعة حمزة هي ورقة توازن في الحقل الصوفي وبمثابة مكسب لصورة المغرب على المستوى الدولي. ففي كل احتفال بعيد المولد يتم إحياؤه بمداغ،العاصمة العلمية للبوتشيشية الموجودة في شمال المغرب، لا تتوقف حركة الزوار. يأتي الأتباع من المناطق البعيدة للبحث عن بركات الشيخ. فهم يتدفقون من كل جهات المغرب ومن الخارج: السينغال وبريطانيا وهولندا وفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية من أجل رؤية ولمس الرجل المقدس.
من الأب إلى الإبن تربى الشيخ حمزة داخل الزاوية من طرف المعلم الكبير سيدي أبو مدين وتلقى تعليما دينيا كلا سيكيا. وكان مستقبله مرسوما في الواقع مند 1955 عندما أصبح والده الشيخ عباس مرشدا. كان محبوبا ومحترما إلى حد التقديس مثل إلها حيا يستقبل الشيخ حمزة المولعون به منذ 40 سنة، وهو مستلقي على سريره صامتا. يعتبر من كبار ملاك الأراضي، ويعيش من الهدايا والعطايا «عندما نحب، فإننا لا نحسب»، يقول المثل..، وهو الشيء الذي يشير إليه مغني الراب «عبد المالك» أحد أتباع الزاوية الذي أعلن حبه للشيخ في ألبومه الذي يحمل عنوان «جبل طارق»، بقوله «إنك كيمياء باق، أنت الذي أحب». من مواليد 1922 حسب سيرة حياته الرسمية،عين الشيخ حمزة ابنه الأكبر حمال خلفا له، فيما تم تعيين أحد أبنائه الآخرين: أحمد في سنة 2004 عاملا على إقليمبركان، مما يوسع من نطاق نفوذ وتأثير البوتشيشية.