قبل أن ينظم حملة للتبرع بالدم، مساء الأحد الماضي، سُئِلَ الشيخ حمزة بالعباس، شيخ الزاوية البوتشيشية، منذ سنوات عن الطريقة الصوفية، فأجاب أنها أشبه بمستشفى، المريدون فيها ممرضون، والشيخ المعلم هو الطبيب، ثم توجه إلى الأتباع ناصحا "فأعفوا واصفحوا وأرفقوا بعيال الله ، فالخلق عيال الله.." غير أن الشيخ نزع وزرة الطبيب، غير ما مرة، عندما دقت السياسة باب الدراويش الذين خرجوا لساحات التدافع السياسي يحملون الأوراد و غير قليل من الأذكار. إطلالة على تاريخ زاوية الشيخ حمزة، حيث المهندس يقف الى جانب رجل الأعمال والأكاديمي الى جانب الوزير..، في جذبة روحانية مَسَّتْهَا رياح التحديث. وارث السر في 19 من فبراير، سنة 1962، جلس يحيى بن محمد العتيقي، مدير مدرسة سيدي مزيان بوجدة، الى جوار الحاج العباس القادري، شيخ الطريقة القادرية البوتشيشية آنذاك، الذي كان يملي على المدير وصية تقول أن الشيخ تلقى إذنا كريما من "الحضرتين حقيقيا نورانيا لا شك فيه و لا ريب، محتواه أن الله سبحانه و تعالى قد أعطاه سر الاسم المفرد، و أكرم طريقته بالحال والعلم و الصلاح، وأمره بأن يصدع بأمر ربه، و بهداية خلقه إلى طريق الحق و الرشاد و وعده بالنصر و التمكين، و ظهور بهذا الحق في الشرق و الغرب و أحاطه علما في هذا الإذن المبارك بأن وارث سره و خليفته من بعده هو ابنه البار الحاج حمزة بدون معارض ومنازع، وبأن هذه الطريقة ستنتشر في عهده انتشارا واسعا و سيقوى سرها و يعم علمها و صلاحها". كان دافع الشيخ، الساكن بدوار أولاد العامري بجماعة "مذاغ" شرق المملكة، هو تثبيت أمر الخلافة في يد ابنه لأن الموت و الحياة بإذن الله، و أن العبد لا يدري متى يباغته أجله، كما جاء في وصيته التي صادق على إمضائها قائد قبيلة طريفة بالسعيدية يوم 3 أبريل من نفس السنة. توفي الوالد سنة 1972 و ترك الابن حمزة يدير أمر زاوية "مداغ" ترافقه التعليمات التي تأمره بالعض بالنواجذ على القيم الروحية التي تلقاها الشيخان عن أبي مدين المنور، الذي يقول أتباعه أنه كان المجدد على رأس طريقة صوفية أخدت اسمها، حسب الروايات المتواترة، من طعام "الدشيشة" الذي كان الشيخ علي بن محمد، أحد أجداد الشيخ حمزة ، يطعم به الناس ، في زاويته، أيام المجاعة. دراويش بربطات عنق عرفت الطريقة القادرية البودشيشية في عصر شيخها الحالي، انتشارا واسعا، وإشعاعا عالميا لم تبلغه طريقة صوفية قبل ذلك ، فانتشرت في قارات العالم الخمس و استقطبت أتباعا من أوروبا الشرقية و الغربية و الولاية المتحدةالامريكية و كندا ، و بعض دول آسيا كالهند و فيتنام، ناهيك عن دول إفريقية و عربية و إسلامية كتركيا. عندما يطالع الملاحظ سحنة أغلب الوافدين الى القرية الشرقية، ليلة عيد المولد النبوي، يستشف انتماء جلهم الى طبقات متوسطة نالت حظها من التعليم و حققت رفاها إجتماعيا و خلعت ربطات العنق على بعد كيلومترات من الزاوية ليرتدي عشاق الشيخ جلابيبهم و يحملوا أورادهم و يصطفوا لساعات أمام بيت ا"سيدي حمزة" في انتظار الدخول إليه و السلام عليه أو تقبيل يديه أو قدميه أو التمسح ببعض من ثيابه لمن حالفه الحظ. يجلس الشيخ ممدا على سرير ملفوف ببطانيات، لا تحمل علامات الزهد، و إلى جانبه، عادة، إبنه جمال و عدد من المقربين بينهم منير الحفيد ذو المكانة الخاصة داخل زاوية يتحدث الشاب، ذو الألسن المتعددة، باسمها و يجيب على أسئلة الصحفيين نيابة عن شيخها. محامون، مهندسون، نساء و رجال أعمال، أساتذة جامعيون، مطربون، وزراء سابقون و غيرهم، الكل يلتقي في الليلة الكبرى داخل فناء واسع يتلون الأذكار و يُسَبّحون احتفاء بمولد النبي الأمي أمام أنظار الشيخ الممدد بجسده البض و لحيته البيضاء في واحدة من أكبر التجمعات الصوفية في العالم. زاوية "فرنكو أمريكية"؟ النخب "الحداثية" المنتمية للزاوية تجر على الشيخ و أتباعه نقمة عدد من المنتمين للتيار السلفي العالمي، الذي يتهم الزاوية بأبشع التهم حيث يقول عنها نوفل إبراهيم، و هو أحد وجوه التيار السلفي بتونس، أن هذه الزوايا جديدة لما تتسم به من خصائص "عصرانية" مخالفة للمعهود من الصوفية، حيث لا يتردد السلفي التونسي عن وصف الزاوية بال"فرنكو أمريكية" لأن القائمين عليها، حسب المعارض لهذا النوع من الطرقية، فرانكفونيون مشبعون بالثقافة الفرنسية. الزاوية البوتشيشة، حسب نوفل ابراهيم، تشبه حركات "العهد الجديد" النصرانية في الولاياتالمتحدةالأمريكية كما أنها تستجيب للمواصفات الأمريكية المطلوبة و توصيات مراكز البحث الغربية و مقترحات "برنارد لويس" التي تدعوا الغرب إلى مصالحة مع التصوف الإسلامي ودعمه لكي يستطيع ملء الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة أو توصية للجنة الحريات الدينية التابعة للكونجرس الأمريكي، القاضية بدعم حركات الإسلام التقليدي والصوفي و التي يذكرها الدكتور عبد الوهاب المسيري في احد كتبه معتبرا توصية الكونجرس "دلالة على أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية.." معطيا الدليل بانتشار مؤلفات محيي الدين بن عربي، وأشعار جلال الدين الرومي، في الغرب، لتأكيد مزاعمه. السلفي التونسي يضيف في أحد مقالاته المعنونة ب"التخريف و التغريب أو عندما ترتدي الخرافة ثوب الحداثة" أن المغرب يشهد منذ سنوات حركة تصوف نشطة تخالف ذلك النمط التقليدي مخالفة شديدة في ظاهرها و إن كانت تتفق معه في أصوله، فالقائمون على هذا التصوف الجديد، يقول الكاتب السلفي، مثقفون فرنكفونيون و أكاديميون في مختلف تخصصات العلوم الإنسانية و غيرها "و العمل جار على قدم و ساق منذ تعيين أحمد التوفيق أحد مريدي الطريقة البوتشيشية المقربين من شيخها على رأس وزارة الأوقاف على اكتساح المجتمع و خاصة نخبه المثقفة و المتعلمة وإعادة تصويفه من جديد". التصوف من ثوابت المملكة في الدرس الافتتاحي للدروس الحسنية، صيف السنة الماضية و الذي ألقاه أحمد التوفيق، وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية أمام الملك، تحت عنوان "الشعور الوطني عند المغاربة" انطلاقا من الآية القرآنية "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و لله عاقبة الأمور"، قال التوفيق أن "تعبير المغرب عن الانتماء للأمة رمزيا (تبث) عندما تسمى سلاطين المرابطين بلقب "أمير المؤمنين" واغتناء تدين المغاربة بالسلوك الروحي المعروف بالتصوف وقد تميز خاصة بغلبة الطابع الاجتماعي وقيام الفقهاء بوضع نموذج للتعبير عن الكمال المحمدي من خلال كتاب الشفا للقاضي عياض.."و عند حديثه عن الغزو الاجنبي للمغرب في عهد بني وطاس أضاف الوزير، في نفس الدرس، أن القوة الوطنية الجديدة، المرشحة لا للمقاومة والتحرير وحسب بل للاقتراح السياسي وفق متطلبات الوقت، خرجت من رحم التصوف. رمضان 2012 قال صاحب "جارات أبي موسى"، و في نفس المناسبة، أن في المغرب "أربعة ثوابت لا يجوز الخروج عليها أو التشكيك فيها أو الجدال حولها: إمارة المؤمنين، والمذهب المالكي في الفقه، وطريقة الجنيد في التصوف، والمذهب الأشعري في العقيدة.." صاحب "كتاب التشوف الى رجال التصوف" و هو يتحدث من على منبر الدرس الحسني، عن التصوف كثابت جديد من ثوابت مملكة أمير المؤمنين، كان يلتقي الى حد كبير مع تصريح صحفي لمنير القادري البوتشيشي، حفيد الشيخ حمزة، قال فيه أن الزاوية خرجت عن صمتها ودعت إلى التصويت لصالح الدستور لتجنب الفتنة وضمان استقرار البلاد، مضيفا أن الطريقة وشيخها كانوا يريدون أن يتضمن دستور فاتح يوليوز تنصيصا على العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والفقه السني والتصوف الجنيدي، موضحا أن هذه كانت ملاحظات شيخ زاوية صوفية على دستور دولة أرادت لها الآلاف من الحناجر المرفوعة في الشارع أن تحمل صفة المدنية.