قرار دبلوماسي جريء، هذا هو الوصف الدقيق للتحرك المغربي باتجاه استعادة مقعد الرباط في الاتحاد الإفريقي، وجعل قمة كيكالي في روندا قمة استثنائية لاستعادة دولة كانت مؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية، التي خرج من رحمها الاتحاد الإفريقي، ولاستعادة بلد له وزنه في القارة السمراء وفي الخريطة الإقليمية والدولية، خاصة في ظل المتغيرات الكبيرة التي عصفت بدول شمال إفريقيا، والتي جعلت من المغرب استثناء عربيا. منذ ثلاثة أسابيع ووزير الخارجية المغربي يطوف القارة الإفريقية شرقا وغربا، حاملا رسائل ملكية إلى قادة الدول وحكوماتها، ومنذ أسبوعين جاء الرئيس الروندي بول كاغي الذي تستضيف بلاده القمة الإفريقية، بنفسه إلى المغرب من أجل أن يضم صوته إلى أصوات دول إفريقية كثيرة تطالب المغرب بالعودة إلى مقعده الفارغ منذ 1984 عقب اعتراف منظمة الوحدة الإفريقية بالجمهورية الصحراوية المزعومة. خطاب المستشار الملكي، رضا اكديرة، الذي تلاه في آخر قمة يحضرها المغرب سنة 1984 لم يعد له ما يبرره، كان القرار في حينه "مفهوما"، حتى وإن لم يكن "مناسبا". كان قرارا الغرض منه إحداث صدمة في بيت منظمة الوحدة الإفريقية، لكن بعد مرور 32 سنة، وبعدما جرت مياه كثيرة تحت كل الجسور في إفريقيا وفي المغرب وفي العالم، لم يعد هناك ما يبرر سياسة المقعد الفارغ، بل صار موقف الانسحاب من الاتحاد الإفريقي مضرا بالمصالح الاستراتيجية الكبرى للدولة المغربية. اليوم هناك عدة مبررات تسمح بقرار الرجوع إلى الاتحاد الإفريقي، ولو مع وجود جمهورية اللاجئين في الأراضي الجزائرية تجلس على شبه مقعد في الاتحاد الإفريقي. مقعد أهدتها إياه الجزائر لحسابات سياسية ودعائية لا أكثر.. جمهورية لا تتوفر على مقومات الدولة، وأولها السيطرة على الأرض ومراقبة الحدود. "الجمهورية الصحراوية" المزعومة لا يمكن أن تعرقل دبلوماسية المغرب تجاه الأفارقة. إبعاد البوليساريو عن منظمة الوحدة الإفريقية ممكن بصيغ مختلفة تتراوح بين التجميد والطرد، وهناك سوابق عدة في هذا المجال في منظمات إقليمية، مثل طرد كوبا من منظمة الدول الأمريكية، وطرد سوريا من جامعة الدول العربية، لكن هذا القرار لن يتم والمغرب خارج البيت الإفريقي. هذا قرار يحتاج إلى عمل وجهد وإقناع ونسج تحالفات مع الدول الصديقة وغير الصديقة، لكن ليس هذا هو المبرر الأول لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي. المبرر رقم واحد هو استعادة الكرسي الفارغ في اتحاد يكبر دوره وتأثيره كل يوم في القارة الإفريقية وفي السياسة العالمية. اليوم الاتحاد الإفريقي صار مخاطبا معتمدا وقويا للصين (المنتدى الصيني الإفريقي)، وللاتحاد الأوربي ولليابان وللأمم المتحدة والولايات المتحدةالأمريكية… لقد رأينا كيف تتحرك الآلة الدبلوماسية الجزائرية في كل مرة لإبطال دعوة المغرب إلى المنتدى الصيني الإفريقي على سبيل المثال، وكيف تلجأ الصين إلى تنظيم لقاءين متوازيين حتى يحضر المغرب الذي يعرف الجميع أن دوره مطلوب في إفريقيا، وأن مكانته من النوع الذي لا يمكن تجاوزه، ونعرف جميعا كيف تحرض الجزائر وأصدقاؤها مدام زوما للتدخل في نزاع الصحراء رغم وجوده في مقر الأممالمتحدة، لو كنا جزءا من الجهاز السياسي والبيروقراطي للاتحاد الإفريقي لما سمحنا للجزائر بهذه المناورات. الاتحاد الإفريقي اليوم لصبح أكثر قوة من منظمة الوحدة الإفريقية التي غادرناها قبل 32 سنة غاضبين. منذ تغيير ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية سنة 2001، اتسع تأثير الاتحاد الإفريقي في شؤون القارة السمراء، فالاتحاد موجود الآن في نزاعات عدة بشراكة مع الأممالمتحدة، موجود في مالي ودارفور وبورندي وغيرها من بؤر التوتر، والأممالمتحدة تشاوره باستمرار في شؤون القارة السمراء، وهو يتنظم ويتهيكل كل سنة، وطموحه أن يسير على طريق الاتحاد الأوربي، لهذا سينشئ الاتحاد الإفريقي قريبا المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان بعدما صادقت دوله على الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان… وهناك مؤسسات أخرى اقتصادية وإنسانية وقانونية في الطريق، ولهذا لا يمكن أن يبقى المغرب بعيدا عن هذه الدينامية، وإذا قبل أن يكون خارجها فلن تقبل هي البقاء خارج التأثير فيه وفي قضاياه، وأولها نزاع الصحراء. لقد أعطت دولة جنوب إفريقيا دفعة سياسية ودبلوماسية قوية للاتحاد الإفريقي بعدما هزمت نظام الميز العنصري فيها، وبعد صعود الراحل نيلسون مانديلا إلى رئاستها، وهو الرمز العالمي الذي تحترمه جميع الدول، وقد كانت للاتحاد مواقف مشرفة من الانقلابات العسكرية في القارة السمراء، آخرها الموقف القوي من انقلاب السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي، حيث عمد الاتحاد الإفريقي إلى تجميد عضوية مصر في الاتحاد. لهذه الاعتبارات، وغيرها، فإن رجوع المغرب إلى البيت الإفريقي مهم وضروري، وسيسمح، من جهة، للمشروع الإفريقي لمحمد السادس بأن يتنفس في رئة أكبر من رئة الدول الفرانكفونية، ومن جهة أخرى، ستسمح عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي لأصدقائه الكثيرين وسط 52 دولة المشكلة للاتحاد، بأن يدافعوا عن وجهة نظره، بأن يستفيدوا من موقعه العربي والإسلامي والأوربي، وأن يستفيدوا من تجربة دولة نشيطة في مكافحة الإرهاب -آفة العصر- وأن يجدوا مصالح مشتركة بين أبناء القارة الواحدة. هذا أفضل وقت للعودة إلى الاتحاد الإفريقي، وأعداؤنا يمرون من أسوأ حالاتهم، وتأثيرهم على القارة الإفريقية يضعف مع نزول أسعار النفط واحتدام الصراع على خلافة رئيس مريض في بلد مريض.