أمام مبنى ولاية أمن مكناس، لاح من بعيد بنيان شابة يافعة، تمشي بخطوات محسوبة وهي تلتفت ذات اليمين وذات الشمال. بدا جليا أن الخوف يتملكها ويقذف بجسدها النحيل صوب رفيقتها التي ظلت تسندها كلما عجزت عن مواصلة السير. الشابة ليست سوى القاصر "شيماء" التي حلق أفراد "عصابة" تقدم نفسها كفصيل طلابي، شعرها بالعنف، وكذلك حاجبيها، مهددين بقطع يدها ايضا، وذلك تنفيذا ل"حكم" صوري نطقوا به داخل أسواء جامعة مولاي اسماعيل، كلية العلوم، بمكناس. على الرغم من مرور يومين على الاعتداء الشنيع الذي تعرضت له، إلا أن رعبا كبيرا ما يزال يتملك الشابة "شيماء". حالة الرعب هذه تزداد كلما مررت يدها على وجهها لتتذكر جزءا من الظلم الذي طالها…فتنفجر باكية. شيماء ترتدي الآن "الحجاب" عنوة، فهي لا تريد أن يعاين الناس فظاعة ما تعرضت له..هي اليوم بدون شعر ولا حاجبين، والسبب: "حكم" صوري نفذه طلبة التنظيم المرحلي في حقها بتهمة "الخيانة"! ترددت شيماء كثيرا في سرد معاناتها..هي تريد أن تنسى كل شيء عن قصة الاعتداء، التي جعلتها تفكر في هجرة مدينتها مكناس التي رأت النور فيها قبل 16 سنة. تقول "شيماء" في لقاء مصور مع "اليوم 24″: "ما تعرضت له يشبه الحلم..أريد أن أنسى كل شيء"، وتضيف بعيون دامعة "لكن سأتكلم حتى لا تعيش فتيات أخريات العذاب الذي عشته". قضت شيماء اليوم كاملا في ضيافة ولاية الأمن التي استمعت اليها بناء على شكاية وضعتها شقيقتها "فاطمة الزهراء". تقول "استمعوا الي واعتقلوا بعض "الوحوش" الذين اعتدوا علي، والتحقيق مازال متواصلا". لم يكن سهلا على شيماء العودة بذاكرتها المتعبة إلى تفاصيل "الثلاثاء الأسود"، ظلت تصارع المها وتكبح دموعها التي خانتها أكثر من مرة. وتقول "حكموا علي في البداية بقطع اليدين، قبل أن يتدخل بعض الرفاق والرفيقات ويطالبوا بالاكتفاء بحلق شعر رأسي وحاجباي". وتضيف شيماء "كنت اصرخ وأبكي واستعطفتهم كثيرا حتى لا ينفذوا حكمهم، لكنهم واجهوا استعطافي بالضرب والصفع". وزادت "كبلوني ووضعوني في الساحة أمام جماهيرهم ونفذوا في الحكم..احضروا شفرة حلاقة وأزالوا شعري كاملا…". قبل ان تكمل، غالبتها الدموع "الآن أنا بدون شعر ولا حاجبين". علاقة شيماء بالجامعة ليس كعلاقة باقي الطلبة..شيماء دخلت جامعة مولاي إسماعيل بمكناس من أجل "لقمة العيش"، فهي تشتغل في المقصف من أجل مساعدة عائلتها البسيطة، قبل أن تجد نفسها في قلب زوبعة وصل صداها إلى البرلمان. "لا أريد أن يتكرر مع عشته…اريد السلم وليس العنف، وأريد أيضا أن ينال الجناة العقاب المستحق". أطلقت شيماء هذه الكلمات باكية مقهورة..فهي الشابة المحبة للحياة، والتي وجدت نفسها بدون شعر ولا حاجبين، وهو ما لا تتحمله فتاة في سنها. بعد تنفيذهم "الحكم"، طاف "الوحوش" بشيماء في كل أركان الجامعة، ثم أخرجوها مطأطأة الرأس، مجبرين إياها على الانصراف بتلك "الصورة" التي رسمها عنفهم. كانت شقيقتها "فاطمة الزهراء" تنتظر أمام مدخل الجامعة..منعوها من الدخول، وظلت تتخبط بين الاتصال برجال الأمن واستعطاف "الرفاق" حتى لا ينفذوا جرمهم، لكن دون جدوى.. "الحكم لم ينفذه قاض ولا هيأة حكم..الحكم نفذه مجرمون على شقيقتي"، تقول فاطمة الزهراء، التي عاشت تفاصيل الحادث مع شقيقتها أولا بأول، قبل أن تضيف "ما بغيتش اللي وقع لختي يتكرر..أوقفوا العبث عافاكم"…