قال الأديب البريطاني Henry jams (1843-1916): «لا يستطيع الصحافي أن يقوم بعمل جيد دون إثارة كمية غير قليلة من الكراهية.. هذه طبيعة عمله». هذا بالضبط هو الحاصل اليوم مع هذه الجريدة ومع كاتب هذه السطور، وهي وهو لا اعتراض لديهما على تحمل كلفة القول الحر، ولا على أخطار المهنة، ولا تخلو مهنة من أخطار، وإن كانت مخاطر الصحافة في هذه البلاد عالية، خصوصا في غياب أي شركة تأمينات يمكن أن تقبل تحمل جزء من عبء الفواتير التي تسقط على ظهر الصحافي سجنا وغرامة وعقابا اقتصاديا، وسبا ولعنا في مواقع الارتزاق الإلكتروني… لنبدأ بآخر الملتحقين بلائحة الغاضبين من هذا العبد لله وهذه الجريدة.. إنه حسن بناجح الذي يعرف نفسه باعتباره قياديا في جماعة العدل والإحسان، والذي دبج ردا متسرعا على افتتاحية «أحلام الجماعة كوابيس المجتمع»، التي انتقدنا فيها دعوة الأمين العام للعدل والإحسان إلى إحياء الخلافة مستشهدا بجملة قالها عمر بن الخطاب قبل 14 قرنا: «إذا بقي مخالف للإمام بعد ثلاثة أيام فاضربوا عنقه»، وقلنا إن هذا لا يصح شرعا وعقلا، وإن سيرة الصحابة جزء من التاريخ وليست جزءا من العقيدة، وإن الإسلام فيه قيم سياسية هي العدل والشورى والرضى في اختيار الحاكم، والباقي متروك لاجتهاد البشر، أو كما قال رسول الله (ص): «أنتم أعلم بشؤون دنياكم». بناجح أغضبه نقدنا لمشروع الخلافة، وأغضبه أكثر أن يكتب منتقدا خرجة عبادي قلم لا يتحامل على العدل والإحسان، ويفتح للجماعة في الجريدة والموقع اللذين يديرهما، كما للآخرين، المجال لتعبر عن رأيها في كل ما يخصها. قلم انتقد وينتقد التضييق على نشاطها من قبل السلطة، ويدعو إلى الحوار معها، ويعترف لها بالسلمية، وبكونها أكبر الحركات الإسلامية في المغرب، لكنه لا يتفق مع مشروعها، ولا مع طريقتها في العمل السياسي، لهذا وجه إلي القيادي في العدل والإحسان لائحة طويلة من الاتهامات في مقال نشره في مواقع عديدة. هذه الاتهامات تبدأ برميي بالكذب، وتمر على وضعي في خانة المنخرطين في حملة ضد الجماعة، ولا تنتهي هذه الاتهامات بكوني أبث السموم والافتراء على عبادي، وأقوم بتهريب النقاش إلى مكان آخر وابتزاز الأفكار، ثم ختم بناجح صك اتهامه بوصف عملي بأنه دعشنة إعلامية مكتملة الأوصاف، وأنني لا أستطيع أن أنصف الجماعة خوفا أو طمعا. لم يفاجئني في رد بناجح عدم احترامه الحق في الاختلاف مع الجماعة، ولم تفاجئني نزعة البوليميك الفارغ في رده، ولم يفاجئني غياب الموضوعية والإنصاف في رده، بل الذي فاجأني في رده هو انحطاط المستوى الأخلاقي لمريد يدعي الانتماء إلى جماعة صوفية ديدنها التربية على مكارم الأخلاق وتزكية النفس. بناجح يتهمني بالكذب دون دليل، وبالدعشنة الإعلامية دون حجة، وينزل بالاختلاف إلى هذا المستوى المنحط فقط لأنه يريد أن يدافع عن قبيلته بمنطق «انصر أخاك ظالما»، أو كما قال الشاعر الجاهلي: «وما أنا إلا من غزية إن غوت ** غويت وإن ترشد غزية أرشد»… ثم ختم بناجح رده بإشاعة خاطئة تماما لا أعرف من أين استقاها (أنا أفترض فيه حسن النية، وليس الكذب البواح الذي يمكن أن يستعمل لتدعيم رد متهافت). الإشاعة تقول، حسب القيادي في العدل والإحسان (لم نر منه عدلا فما بالك بالإحسان)، إن كاتب هذه السطور تعرض لتقريع شديد لبعض الجرأة التي أبداها في موضوع أوراق باناما، والاتهامات الموجهة إلى الماجدي في هذه الجريدة، وبناجح لا يكتفي باختراع الإشاعة، بل يبني عليها تفسيرا لما كتبته.. يزعم أنني انتقدت جماعة العدل والإحسان لكي أكفر عن ذنب تسليط الضوء على الجانب المغربي في أوراق باناما! وأنا أقول للقيادي في العدل والإحسان إنني لم أتعرض لأي تقريع، ولم يتصل بي، إلى حدود كتابة هذه الأسطر، أحد، ولا يمتلك أي مسؤول، كيفما كان، أن يعرضنا للتقريع، لأن الذي يتعرض للتقريع هو الذي يشتغل عند أحد، أو يقبض من أحد، أو يقع في دائرة الحريم الإعلامي لأحد. المسؤولون في هذا البلد يمتلكون سلطة جرنا إلى القضاء بتهم باطلة، وقد فعلوا، ويمتلكون إصدار أحكام السجن والغرامة والتعويض المخرب للبيوت، وقد فعلوا، ويمتلكون سلاح الإعلانات يمنعونها عنا، وقد فعلوا، ويمتلكون سلطة وضعنا على اللائحة السوداء للتلفزات الرسمية، وقد فعلوا، ويمتلكون القدرة على تمويل حملات إعلامية في مواقع وصحف وإذاعات مخدومة ضدنا، وقد فعلوا… أما تقريعنا فلا.. نحن أحرار إلى إشعار آخر، وندفع كلفة هذه الحرية كل يوم. تنظر الجماعة نظرة تقديس إلى أفكار مرشدها حيا وميتا، وتضع أمينها العام فوق النقد والتصحيح، ولا تقبل بفكر نقدي في صفوفها، ومن فرط عزلتها عن الواقع والعصر الذي تعيش فيه، تتصور أن كل من هو خارج عن حلقتها متآمر أو متربص أو جاهل أو مفتون. كان عبد السلام ياسين، رحمه الله، عندما يُسأل عن مصير الراحل محمد البشيري، وعما يردده من نقد لاذع للجماعة التي كان أحد مؤسسيها، كان الشيخ يجيب بجملة واحدة، فيقول: «ادعوا لأخيكم فإنه يفتن». الجماعة تجرب تقنية معروفة في التنظيمات المغلقة، وهي صناعة عازل فكري ونفسي لدى أتباعها حتى لا يتسرب إليهم شيء من النقد لمشروع الجماعة وبنيتها ومأزقها أيضا… سنظل نقوم بمهمتنا في نقد الدولة والمجتمع، الإسلاميين والعلمانيين، القوميين العرب والنشطاء الأمازيغ، الحكومة والمعارضة، الأحزاب والنقابات، وشعارنا: الخبر مقدس والتعليق حر، والصحافي هو محامي الدفاع عن الإصلاحات، إذا أخطانا سنعتذر، وإذا ابتلينا سنصبر، لكن لن نبيع ولن نشتري، لن نهادن ولن نوقع على دفتر تحملات مع أحد، لهذا هناك اليوم قائمة من الغاضبين من هذه الجريدة من مختلف المواقع. دعونا في هذا المقام نردد مع أبي فراس الحمداني أبياته الرائعة في وضع البشر في مكانهم، ووضع الخالق فوق الجميع… قال: "فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضابُ وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خرابُ إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب ترابُ"