عيون جميلة وكبيرة ومعبرة، لضحكتها صدى يملأ المكان بهجة وسعادة، وابتسامتها دائمة حتى في أصعب اللحظات. لون أبيض وجسد رائع تخفيه داخل سروال رياضي فضفاض.»كانت لبني لفقيري أنثى حقيقية» محبة للحياة إلى أبعد الحدود. وحتى داخل ميترو الأنفاق، عندما يكون مزدحما بالركاب، لم تكن البسمة تغيب عن محياها، غير أنه في يوم الثلاثاء 22 مارس الماضي، غيّبها الموت، بعد أن امتدت إليها يد الغدر، تاركة خلفها ثلاثة أطفال كانوا كل حياتها. «اشتغلت معها وبجانبها. كانت امرأة تدخلُ القلب بدون استئدان. رؤية اسمها ضمن قائمة المفقودين والمختفين بعد هجمات بروكسيل، شكل بالنسبة إلي صدمة مدوية». بهذه العبارات المليئة بالحسرة والألم تحدثت إليزابيث أوريب مبنيسيس، المرأة البلجيكية من أصول كولومبية، إلى الأسبوعية الفرنسية «باري ماتش»، عن رفيقتها في الدراسة وزميلتها في العمل، التي كانت تواسيها وتزرع فيها الأمل يوميا، بضحكتها وبحركاتها وبنصائحها. كانت سعيدة بالحياة إلى حد لا يصدق، وكانت تتميز بجمال ظاهر وباطن. كانت دائما تبدو أنيقة وفي أبهى حلتها تبهر الناظرين بابتسامة لا تغيب عن محياها. كانت امرأة سعيدة، في عملها وداخل أسرتها، «على خلافي أنا تماما، حيث كنت غارقة في حزن ويأس دائمين. كانت تعرف كيف تجعلني أضحك، وكيف أشعر ببهجة الحياة وبمتعتها. عندما نكون منهمكتين في العمل، كانت تقوم بحركات وإشارات مثيرة للضحك لكي تخرجني من حالة التجهم والحزن والغضب. وكانت تقوم بكل ما في وسعها لكي تجعلني أنسى حياتي البئيسة في ذلك الوقت، حتى ولو كان ذلك، خلال ساعات العمل الثمانية. كانت لبنى الفقيري من النساء اللواتي يعرفن كيف يتجاوزن مشاكلهن من أجل إسعاد الآخرين، وإدخال السرور والفرح على الأطفال بشكل خاص». شغوفة بالإسلام تعود الذاكرة بإليزابيت إلى فترة الشباب، «عندما تعرفت على لبنى أول مرة، كانت مازالت طالبة في طور الدراسة، وكانت تربطني علاقة بمهاجر مغربي، حيث كنا في بعض الأحيان نذهب جميعنا لتناول وجبة خفيفة أو احتساء القهوة. كانت علاقة صداقة قوية تربط بيننا. وكانت تؤازرني خلال الأيام الصعبة التي عشتها في علاقتي مع ذلك المهاجر المغربي. كانت تقول لي بأن الإسلام ليس كما كان يراه رفيقي المهاجر. وكانت تبدو قلقة بشأني، تتحدث معي كثيرا عن الدين وعن الإسلام بشغف وبإيمان كبيرين. كان للدين مكانة مهمة وكبيرة في حياتها. كانت امرأة متدينة وممارسة لشعائر الإسلام. كانت تصلي خمس مرات في اليوم، ولكنها في بعض الأحيان لم تكن تقيم الصلاة في وقتها، وبخاصة عندما تكون منهمكة في العمل». امرأة عاشقة درست لبنى لكي تصبح معلمة لمادة الرياضة. واختارت هذه المهنة عن حب وإصرار كبيرين. كانت في تلك الفترة مخطوبة لزوجها الحالي. وكانت تمارس العديد من أنواع الرياضات، بالإضافة إلى حبها للرقص، وكانت دائما في عجلة من أمرها، موزعة بين عملها بصفتها معلمة للرياضة وبين مسكنها عند أبويها وبين حبيبها. تقول عنها إليزابيت التي حضرت حفل زفاف لبنى: «كانت امرأة عاشقة للغاية. في أحد الأيام، تشاجرت مع زوجها. وكانت المرة الأولى التي أرى فيها لبني تبكي وهي منهمكة في العمل». شهادة الزوج إلى آخر لحظة، ظلت أسرة هذه المرأة المزدادة في مدينة سلا، عام 1989، متمسكة بالأمل بعد ذلك اليوم المشؤوم الذي اهتزت فيه بروكسيل، قلب أوروبا، في هجومين انتحاريين استهدفا مطار «زفنتيم» ومترو الأنفاق في «مالبيك»، يوم 22 مارس . نشرت الأسرة إعلان بحث عنها في بعض الصحف البلجيكية، مستندة إلى معلومات عنها، بأنها خرجت في اتجاه عملها في الصباح الباكر من ذلك اليوم ولم تعد. وأوردت الأسرة في إعلان البحث، استنادا على شهود عيان، أن لبنى «كانت تستقل مترو الأنفاق، وبالضبط في محطة «مالبيك»، التي وقع فيها الانفجار الإرهابي في التاسعة صباحا. اتصلت عائلتها بالمستشفيات والشرطة، لكن لا خبر يخفف من معاناة أسرتها ويدخل الطمأنينة لقلوب محبيها..ولأن الشرطة، التي كانت منشغلة بحالة الاستنفار وبمطاردة الإرهابيين، استعصى عليها تحديد هويات جميع الضحايا، وواجهت صعوبات في ذلك، تشبثت أسرتها بالأمل والصبر، إلى أن أُبلغت يوم 24 مارس الماضي بمقتل لبنى. كان زوجها، أول من تحدث عنها بعد تأكيد مصرعها، بقوله: «إن لبنى لفقيري، أستاذة مادة الرياضة بمدرسة «الفضيلة» في أندرلخت، والأم المثالية لثلاثة أبناء كانت امرأة رائعة». عن «باري ماتش»