رفعوا شعارات قوية وقاسية ضد كل من رئيس الحكومة ووزير العدل والحريات، المصطفى الرميد، وصلت حدّ رفع الأكف بالدعاء عليهما مواجهة ميدانية غير مسبوقة وجد فيها الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة في شخص عبد الإله ابن كيران، مع السلفيين المطالبين بإطلاق سراح أقاربهم المعتقلين بموجب قانون محاربة الإرهاب، وفي سياق الاعتقالات التي تلم تفجيرات 16 ماي 2003 الإرهابية. ففي سابقة من نوعها، نظّم السلفيون، عبر اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين، وقفة احتجاجية أمام المقرّ المركزي لحزب العدالة والتنمية، ورفعوا شعارات قوية وقاسية ضد كل من رئيس الحكومة ووزير العدل والحريات، المصطفى الرميد، وصلت حدّ رفع الأكف بالدعاء عليهما باعتبارهما متخاذلين ومتواطئين مع السلطات التي يتهمونها بظلم أقاربهم. "العدالة والتنمية مواقف مخزية"، "المواقف غيرتوها والله الله على شوهة"، "ديستي راه بداها ونتوما كملتوها"، "يا رميد يا بنكيران خافو الله يوم الميعاد"... شعارات من بين أخرى ردّدها المحتجون السلفيون عبر مكبرات صوت قوية اهتز لها الزقاق الضيق الذي يوجد فيه مقرّ حزب المصباح بحي الليمون بالرباط؛ وسط إنزال أمني مكثّف وغير مسبوق، تجسّد في العديد من سيارات قوات التدخّل السريع، وضباط ومسؤولين من مختلف الأجهزة الأمنية، راقبوا الوقفة عن كثب أمام مدخل مقر حزب رئيس الحكومة. ولم يكتفي السلفيون المتظاهرون بترديد الشعارات وإلقاء الخطب، بل استعانوا ببعض "المؤثرات الخاصة"، من قبيل إنشاد مؤثّر لأحد الشبان، تغنى فيه بالصبر على الظلم، فيما ألقت طفلة صغيرة خاطرة مؤثرة، خاطبت فيها والدها المعتقل قائلة إنها لولا اقتناعها بأن الإجرام حرام، لارتكبت جريمة كي تلتحق به في السجن وتستشعر دفئ أحضانه. وفيما بلغ عدد المشاركين في الوقفة بضع عشرات، حضرت إلى جانب المحتجين الذكور بضع نساء وأطفال صغار، حيث انخرط الجميع في التكبير والتوحيد ورفع لافتات تحمل عبارات الاحتجاج صور المعتقلين، فيما كان البعض يذرف الدموع أثناء ترددي الشعارات. المنسق العام للجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين السلفيين، أسامة بوطاهر، قال ل"اليوم24" إن اختيار المكان المتمثل في مقرّ حزب العدالة والتنمية، يأتي "لأن رئيس الحكومة هو المسؤول المباشر عن السجون، وهناك اليوم إضرابات عن الطعام في السجون والحالة الصحية لبعض الإخوان مزرية، دون أن يحدث أي تحرّك أو بحث عن الحل". وبعد مواجهته بما قاله أحد شيوخ السلفية نهاية الأسبوع الماضي، وهو حسن الكتاني الذي أكد أن ملف معتقلي السلفية يتجاوز الحكومة؛ قال أسامة بوطاهر إن الوقفة جاءت لإقامة الحجة، "لكن أيضا لأن رئيس الحكومة كان يقول بضرورة فتح تحقيق حول أحداث 16 ماي ومعرفة المسؤول عنها، فإذا به اليوم يقول إن الملف أكبر منه وأن علينا أن نتوب". واستعمل المحتجون صورة لأحد أعداد جريدة "أخبار اليوم"، يتضمن مقالا حول دعوة عبد الإله ابن كيران إلى التحقيق في أحداث 16 ماي الإرهابية، ضمن إحدى اللافتات. وفيما تعذّر الاتصال بكل من رئيس الحكومة ووزير العدل، كان هذا الأخير قبل أسبوع قد اعتبر خلال مشاركته في منتدى وكالة المغرب العربي للأنباء، أن حالات العود المتكررة التي سجّلت في صفوف المعتقلين السابقين بتهمة الإرهاب، عقّدت الملف وجعلت الجميع يخاف من الاقتراب منه. الرميد قال إن وزارته "لا تملك معالجة هذا الملف بقرار منها، هذا موضوع ليس من اختصاص الحكومة نفسها، بل اختصاص الدولة بمؤسساتها العليا وهي التي يجب أن تقرر ما تراه مناسبا. وميّز الرميد بين ثلاث فئات ضمن المعتقلين بتهمة الإرهاب، حيث قال إن هناك فئة ارتكبت أعمالا إرهابية ومازالت مصرة على موقف الإرهاب، "وإذا خرجت اليوم ستقوم بأفعال إرهابية"، ثم فئة تراجعت وتابت، ثم فئة ثالثة "ينطبق عليها قوله تعالى "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة"، نظرا لفظاعة ما حصل في 16 ماي 2003 ولا يمكن أن نتصور سير الأمور بدقة لدرجة لا يذهب معها أي مواطن ضحية". المحتجون السلفيون الذين تظاهروا أمام مقر المصباح، اختاروا بدء وقفتهم بتلاوة الآيات الأولى من صورة "البروج"، والتي تقول: "والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود...". فيما قال أسامة بوطاهر إن "تعذيب إخواننا في السجون ونزع أظافرهم وتعليقهم في المسالخ، يتم بمباركة الرميد ورئيسه بنكيران، فالأول مسؤول عن المحاكمات الصورية، والثاني مسؤول مباشر عن السجون المغربية وما يقع فيها من انتهاكات، حيث لفظ ثلاثة معتقلين أنفاسهم منذ تولوا الحكومة، وهما مسؤولان أمام رب البرية ومطالبين بإعداد الجواب". وتعليقا على المبررات التي يقولها قياديو حزب العدالة والتنمية، من قبيل مراعاة المصلحة العامة للبلاد، قال بوطاهر إن هذه المبررات لو صحّت "لصحت حجة اللص بشظف العيش للتنكيل بغيره، لكن لا مصلحة ولا ضرورة لقبول الظلم". واختتم المتظاهرون وقفتهم برفع الاكف للدعاء، قائلين: "اللهم عليك بمن ظلم إخواننا، اللهم شتت شملهم وشرد بهم من خلفهم، أرنا فيهم يوما أسودا، اللهم أيما رجل أعان على ظلم إخواننا بكلمة أو فعل أو سكت عن ظلمهم أو خذلهم من موقع مسؤوليته، اللهم انزل عليه عذابك في الدنيا قبل الآخرة".