«توني موريسون» روائية أفرو-أمريكية رائدة، إنها مرجع. لا تطمئن إلى أمجادها، بل تواصل في سن الحادية والثمانين إسماع صوت المجتمع الأسود الأمريكي. ها هي تعاود الظهور بروايتها «الديار»، روايتها الأقصر، وربما الأكثر إيلاما. تحكي فيها «موريسون»، الفائزة بجائزة «نوبل» سنة 1993، قصة جندي أسود، صدمته حرب كوريا، حيث لا تساوره سوى فكرة واحدة: العودة إلى مدينته، ليهب إلى نجدة أخته التي راحت ضحية هذيان طبيب مريض نفسيا. إذ تستغل الروائية الفرصة، لتغوص بنا من جديد في أمريكا طفولتها، أمريكا الخمسينيات، لا أمريكا المعجزة الاقتصادية، بل تلك التي كان فيها السود لازالوا يخضعون لميز عنصري عديم الرحمة. فيما يلي حوار (*) مع روائية لا تخشى البوح:
تكتبين عموما كتبا طويلة جدا، بينما رواية «الديار» قصيرة. لماذا اخترت هذا الحجم؟ • لم يكن قرارا مقصودا، وإنما أردت، وهذا صحيح، أن أوجز في الكتابة، وأن أعبر عن أشياء كثيرة بكلمات أقل، وألا أصف الأشياء لمجرد أني قادرة على ذلك- وقد كنت كذلك دائما- وإنما أن أكثف سردي. اعتقدت أن هذا الأمر سيكون مفيدا، حيث كان في نظري تمرينا شيقا. واعتقدت أن بمقدوري أن أترك حيزا واسعا لخيال القارئ، ليملأ الفراغات التي تركتها. لماذا هذا العنوان «الديار»؟ ألأنك تعتقدين أن البيت، المنزل، والديار هي المكان الأهم بالنسبة إلى الإنسان، وأنه إلى هنا يجب أن يعود، ليلفي نفسه؟ • لا. فكرتي أوسع بكثير. قصدت محاولة اقتراح ما تعنيه كلمة «الديار» بالنسبة إلى سكان الولاياتالمتحدةالأمريكية، الذين يتحدرون، وباستثناء الأمريكيين من أصول هندية، من اللاجئين، والملاحَقين، والعبيد. إذ سنجد إذا عدنا إلى التاريخ أن الأمريكيين كلهم غادروا بلدانهم الأصلية في لحظة معينة؛ ومن هنا، ينتابهم نوع من الحنين إلى شيء يسمى «الديار»، وهو ما لا أجده عند الأوربيين. إذ لا تدل الكلمة على المعنى ذاته هنا. لكنها تجسد، عند الأمريكيين، الرغبة في مكان آمن، مكان لا تحظى فيه بالترحيب فحسب، بل تنتمي إليه. في روايتك، يطلب «فرانك»، وهو الشخصية الرئيسة، من طفل معاق وموهوب جدا في المدرسة: «أية مهنة تريد أن تزاول في الحياة، فيما بعد؟» يجيب الطفل: «رجل». ما الذي يعنيه هذا بالضبط في نظرك، أن يكون المرء رجلا؟ • إنه بحث. البحث عن أمر مختلف، ما آمله على الأقل، من صورة الكتاب الأولى نرى فيها جوادين رائعين يتصارعان بوحشية، حيث يمتلك الفائزُ الأنثى. والحال أن الخيال الذكوري عند هذا الفتى الصغير يتضمن بالضرورة العنف، والوحشية، وإرادة الهيمنة، وكل شيء يشكل جزءا من التصور المشترك لما يكونه الرجل. وعندما يرد هذا الفتى الصغير على سؤال «فرانك» ب»رجل»، فإن هذا الأخير لا يلقي بالا للكلمة، حيث يتعلق الأمر بمجرد سؤال موجه لطفل. لكن، لو لم نعرف ما تعنيه الرجولة لهذا الطفل، لأملتُ أن يكون سفر «فرانك» سفرا يصبح خلاله راشدا، دون اللجوء إلى العنف، رغم أنه ظل معرضا له طوال حياته، وأن يصبح قادرا على فعل ما يجب فعله دون اللجوء إلى العنف. هذا ما تعنيه الرجولة في نظري. لنعد إلى السؤال الذي يطرحه «فرانك» على الطفل. لو طلب منك أحدهم عندما كنت طفلة: «ماذا تريدين أن تفعلي مستقبلا؟» هل كنت ستجيبين: «روائية»؟ • (تضحك) لا. لم أبدأ الكتابة إلا في سن التاسعة والثلاثين، ولم أفكر في هذا العالم من قبل. لكن حياتي ظلت تتمحور الكتب. ففي سن الثانية عشرة، عملت في مكتبة، حيث كنت أقرأ طوال الوقت، وأتحدث عن الكتب مثل الكبار. بعد ذلك، درستُ، ثم عملت في دار نشر، وعدت إلى التعليم، قبل أن أصبح ناشرة من جديد. إذ لم أبدأ الكتابة إلا في منتصف عمري. لم تجيبي عن سؤالي... • في الصغر، أردت أن أصبح راقصة الباليه. (تضحك) تابعت دروس الرقص طوال سنوات عديدة. لكن الكتابة ظلت حاضرة في مكان ما من رأسي، والدرجة الأعلى التي استطعت تخطيها، لأنني كنت أول فرد في العائلة يلتحق بالجامعة. إذ تمنت العائلة أن أعثر على عمل مناسب، مما أبعد راقصة الباليه، حيث أصبحت أستاذة، وهو منصب ناسبني وعائلتي في الآن ذاته. لماذا شرعت فجأة في الكتابة في سن التاسعة والثلاثين؟ • هناك عدد لا بأس به من الكتب التي ألفها أفرو- أمريكيون، حيث كانوا مشاكسين ومتغطرسين جدا. إذ كان الأمر ضروريا من دون شك، لكن فيها غياب واضح لشخص منكشف، لربما كانت طفلة، سوداء. هكذا، عندما كتبت «The Bluest Eye» (العين الأكثر زرقة)، كنت أروم إدراج هذا الصوت في الأدب، ومعالجة آثار العنصرية، ومعالجة الألم الذي يسببه اكتشاف أنك لا تساوين شيئا بسبب لون بشرتك. تهدين كتابك لابنك «سلايد»، الذي توفي قبل وقت قصير. لكنك لم تكتبي أي إهداء، حيث اكتفيت بوضع اسمه... • لم تفِ كل العبارات للإقرار بهذه الخسارة. كانت نشازا، مثل الكليشيهات. ألّف بعض الكتاب، أمثال «ديفيد غروسمان»، كتبا حول خسارة ابن. هل تعتقدين أن الكتابة قد تساعد على تجاوز الحزن والأسى؟ • كان من نتائج وفاة ابني أن توقفت عن تحرير هذا الكتاب، حيث لم أعد قادرة على الكتابة خلال شهور عديدة. ثم بدأت أفكر فيه، لا فيَّ، وفي ألمي. أدركت أنه سينزعج، بل سيغضب إذا علم أنني استسلمت للمرارة والإشفاق على نفسي، وأنني يجب أن أفعل ما أراد أن أفعل إذا رغبت في تشريفه؛ أي أن أنهي الكتاب، وأعاود العمل، وأنهي عطالتي. لكن الكتابة لم تساعدني على تجاوز ألمي. إذ أعتقد في الواقع أن كل هذا معقد، حيث يواجه كل حيّ ألمه بطريقته. تضفين على الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال الخمسينيات صورة مختلفة جدا عن الصورة التي نجدها في الروايات. • كنت مقتنعة أنني كنت أعرف كل شيء، أو أكاد، عن الخمسينيات، لأنني عشتها، ولم أفهم حقيقتها إلا فيما بعد. إذ ثمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية خرافة الخمسينيات، هذا العصر الذهبي لقصة النجاح الأمريكية. وننسى ما كان يجري خلف هذا البريق، وهو ما سمح بإمكان ظهور «فاقدي الأمل» خلال الستينيات والسبعينيات. فقد كانت خيبة الأمل سائدة آنذاك، حيث كانت ثمة الحرب الكورية، وسياسة «ماكارثي» ومعاداة الشيوعية والعنصرية. كيف عشتِ الخمسينيات؟ • كنت ساذجة بالأحرى، ولم أكن واعية بهذا كله. أعتقد أننا لم نرغب في المعرفة، حيث كنا مقتنعين أن هذه السنوات كانت رائعة. شعرت أنني قوية جدا، بعد أن أصبحت أول فرد في العائلة يلتحق بالجامعة، حيث لم أكن أنظر إلى ما كان يجري حولي. ففي سنة 1954، أي بعد سنة من حصولي على الدبلوم، اكتشفت العنف المخيف الذي ساد في الجنوب، وما كان يتجرعه الأطفال. لكن لم أكن أربط ذلك بالوضعية العامة، وباغتيالات الأفارقة الأمريكيين، الذين كانوا رجالا في الغالب. ثم بدأت أقلق. نعم، حدث الأمر تدريجيا، حيث أثّر فيَّ في سن الرشد أكثر من صغري. ألم تعانِ خلال شبابك من العنصرية والميز؟ • ليس صحيحا. كنت أعتقد أن البيض كانوا مرضى، وأن الأمر شكل خيبة أمل، وأن الهستيريا كانت تصيبهم، أو شيء من هذا القبيل. لابد من القول إنني لم أعش أبدا في حي السود، بل عشت في مكان من «أوهايو» حيث كنا محاطين بالنشطاء المدافعين عن إلغاء الميز، في حي للعمال حيث يوجد أناس من كل الجنسيات، بولونيون، وهنود... كانت المدينة خليطا، حيث لم تكن هناك سوى ثانوية واحدة يلجها الجميع. أما الفصل الحقيقي الوحيد، فكان داخل الكنيسة، حيث كانت هناك عشرات الكنائس للبولونيين، والإيطاليين، والتشيكيين، وأربعة للسود؛ فيذهب كلٌّ يوم الأحد إلى كنيسته الخاصة. ونذهب خلال بقية الأيام إلى الثانوية سويا. جارتنا تتحدر من تشيكوسلوفاكيا، بينما كانت جارة أخرى، وهي إيطالية، أفضل صديقاتي. وكان ثمة، بالطبع، سود، حيث كنت أعتقد أن الأمر مماثل في كل مكان. لم تعان إذن من الميز العنصري؟ • قليلا. لكن هذا الأمر لم يكتس أهمية بالغة. إذ كانت ثمة شواطئ غير بعيدة، حيث اقتضت العادة- وليس القانون- أن يستقر البيض في مكان، والسود في مكان آخر حيث لا وجود للمنقذين. في نظري، كان يرضيني أن أكون في الجهة «السوداء» من الشاطئ، على أن أكون في الجهة «البيضاء». إذ لم أشعر أنني منغصة، وإن خيل لي ذلك، لكني كنت أحسن حالا بين السود. وأول مرة رأيت فيها حقيقة الميز، كانت عندما ذهبت إلى الجامعة في واشنطن. هنا، كان يفصل بين «الأشخاص الملونين» والبيض. لكن كان المكان عبارة عن «كوليج» حيث السود أكثر عددا، إذ كنت محاطة بمثقفين سود وطلبة آخرين. وجدت هذه البيئة مثيرة جدا، بينما لم يكتس عجزي عن الذهاب إلى مراحيض النساء في المدينة أية أهمية بالغة. كان الأمر هكذا، حيث لم أقضِ وقتي في التذمر. هل يمكن القول إن الأشياء تغيرت اليوم؟ • نعم، تغيرت الأمور في مجالات شتى، أولا بفضل الأجيال الشابة، التي تنظر إلى الأشياء نظرة مغايرة، ويعالجون الاختلاف على نحو مختلف. كما تعلم، رأيتُ أطفالا بيضا في سن الثانية أو الثالثة يصرخون عندما يرون أسودا لأول مرة، أسودا شديد السواد. كما أخبرني بعض الأصدقاء أنهم رأوا أطفالا أفارقة يفرون للاختباء وراء أمهاتهم عندما يرون أبيضا لأول مرة. لكن هذا الأمر ليس عنصرية. إذ أن العنصرية هي تأسيس تراتبية انطلاقا من هذه الاختلافات. غير أن جيل الشباب يبدو لي، خاصة في جامعة «برينستون» حيث أدرس منذ تسع عشرة سنة، يمتلك سلوكا مختلفا تجاه موضوع الأعراق. إذ أرى التطور سنة بعد أخرى، فهم لا يهتمون بها، حيث ثمة مزيج هائل بين الساكنة. كما تأثروا أيما تأثر بالثقافة السوداء والموسيقى والرقص ومآثر الرياضيين. واكتسبوا عادةَ مشاهدة السود في التلفزيون، وهو أمر لم يحدث في زمننا. إذ عندما كنا نشاهد واحدا بالصدفة، كنا نتصل ببعضنا البعض. لهذا أنا متفائلة بالأحرى. لكن ثمة هذه البقايا العنصرية التي تظهر بين الفينة والأخرى عندما يثير البعض الرئيس أوباما... • صحيح، ثمة هذه اللغة العنصرية، التي لا تحترم الرئيس أوباما، وهذه المزايدة التي مصدرها الجمهوريون المستعدون ل»إحراق القرية»، كما كانوا يقولون في فيتنام، وإضعاف الولاياتالمتحدةالأمريكية، بغية التخلص منه. لكن جزءا من حقدهم، وأنا مقتنعة بذلك، ليس مصدرها كونه أسود البشرة فحسب، بل كونه ذكيا. وهذا يخيفهم أكثر. لا تنتمين إذن إلى فئة الخائبين من رئاسة أوباما؟ • خائبة منه؟ لا، إنه أفضل مما كنت أتصور. أمامه معارضة شرسة انصرفت إلى العرقلة. فكلما أراد أن يفعل أمرا ما، اعترضوا عليه. بل أظن أنهم صوتوا ضد مساعدة موجهة إلى قدماء المحاربين. وكل هذا غرضه القول إنه فشل، بينما هم منعوه من التصرف. والحال أنني عندما أنظر إلى حصيلة عمله، أقول في نفسي إن لا أحد استطاع الاضطلاع بهذا العمل. ناصرته إذن في هذه الحملة الأخيرة؟ • بكل الطرق الممكنة. أثناء حملته الأولى، طلب مني أن أسانده علنا، فأجبت: «لا، لا أقوم بهذا النوع من الأمور». شرع يكلمني حينها عن كتبي، وهو ما أثار اهتمامي أكثر بالطبع. (تضحك) ثم ألح علي أن أكتب نصا في جريدة «نيويورك تايمز» من أجل دعمه. رفضت ذلك، لكني قررت أن أكتب له رسالة أشرح فيها سبب إعجابي الكبير به. لم يتعلق الأمر بدعم تبرره أسباب عرقية فحسب، وإنما لأن البلد كان أسوأ حالا بحيث أردت رئيسا مفعما بالحكمة. وكان هو. أرسلت رسالتي إلى ديوانه، ثم اتصل بي، ليطلب مني أن أبعث بنسخة منها إليه شخصيا، وهو ما فعلت. قلت في حوار إن «ميت رومني» كان يشخص في نظرك دمية «باربي»... • لم أقل هذا أبدا (تقهقه). أعرف أنهم يتهمونني بأنني قلت ذلك، لكن ليس صحيحا، رغم أنه... (تقهقه من جديد) كائن فارغ، حيث لا يختلف عن كل الأشخاص الذين لا يعرفون سوى تكديس المال. وهو في هذا مختلف جدا عن أوباما. ألم تفكري أبدا في أن تمارسي السياسة، وأن تصبحي امرأة سياسية؟ • لي رؤية إلى العلاقة بين الفن والسياسة تختلف كثيرا عن رؤية أغلب الناس. أعتقد أن كل فنٍّ حقيقيٍّ سياسيٌّ، وأن تحويل أي شيء لا سياسيا هو فعل سياسي في حد ذاته. إذ يتحدث «شكسبير» في مسرحياته عن الحكومة، والحرب، والسلطة، وكل هذا سياسي في نظري. ففي فترة محاربة الشيوعية، جعلنا من «سياسة» كلمة قذرة. وردا على ما كان يجري في الاتحاد السوفياتي، قررنا في الولاياتالمتحدةالأمريكية ألا يكون الفن إلا جماليا. وهكذا، شرعنا في تحريف معنى كلمة «سياسة»، مشبهين إياها بالدعاية، بشيء قذر. إذ يكمن عملي، وأنا أكتب، في إحياء العلاقة بين السياسة والأدب بما للكلمة من معنى. تجسدين إذن ما نسميه في فرنسا بالكاتب الملتزم؟ • نعم، أقبل هذا الوصف. هل تصورت في صغرك أن روائية سوداء ستحصل يوما ما على جائزة نوبل للأدب؟ • لا، على الإطلاق. ليس شخصية سوداء، ولا امرأة بالتأكيد. أعتقد أن آخر امرأة حصلت عليها آنذاك كانت «بورل باك». فضلا عن هذا، اندهشت لما علمت أني فزت بالجائزة. وفي الآن ذاته، قلت في نفسي إن اللجنة أحسنت الاختيار، لأن كتبي- كتبي، لا أنا- تستحقها. هل غيّر فوزك بالجائزة شيئا في حياتك ككاتبة؟ وهل منحك الثقة في نفسك؟ • لا. لقد ظللت أثق في نفسي. هل أحسست أن هذا التتويج ألقى عليك بمسؤولية جديدة، وأن صوتك سيصير مسموعا أكثر؟ • لا. لقد ميزت على الدوام بين هذه الفائزة بالجائزة وأنا. إنهما شخصيتان مختلفتان: إحداهما هي الشخصية التي تبتسم، وثانيتهما هي هذه المرأة التي شرعت في الكتابة، وهي حياتي... أهو شكل من انفصام الشخصية؟ • (تضحك) نعم، تماما. أنا منفصمة.
هل ثمة بعض من كتبك لم ترضيك؟ • نعم، روايتي الأولى «العين الأكثر زرقة». ثمة طفلة في هذه الرواية، لها ملابس أنيقة، وبشرة ناصحة، عاملتها بقسوة كما لم أعامل أية شخصية في رواياتي مذ ذاك. وعندما أعيد قراءة هذه الرواية اليوم، أقول في نفسي إنني ظلمتها، حيث استغللتها بطريقة أتأسف لها. كانت الرواية كتابي الأول. إذ كنت في حاجة إلى مفارقة بين الطلفة الفقيرة والغنية، حيث جعلت الطفلة غنية دون أن أنشغل بما كانت تحبه، وبما كانته في حقيقة الأمر. يؤنبني الضمير تجاهها، إذ أريد تناول الكتاب ثانية. هل ستفعلين ذلك؟ • (تضحك) لا. ما رأيك في أن الكتّاب السود، في الولاياتالمتحدةالأمريكية، يختلفون جذريا عن الكتاب البيض؟ • إنهم يهتمون بمواضيع مختلفة. إذا أراد الكتّاب السود الأوائل أن يبرزوا مدى طيبوبتهم، حيث توجهوا بكتاباتهم إلى البيض. لعل أفضل مثال هو كتاب «رالف إليسن» «الإنسان الخفي، لمن تغني؟» لكن السؤال الذي كنت أطرحه: إنسان خفي عن من؟ لم يكن خفيا عني، بل عن البيض. وهذا ما رغبت في تغييره. وقتذاك، في الوقت الذي لم أنشغل فيه بعالم البيض خلال طفولتي، لم تظهر شخصيات بيضاء مهمة في كتبي. إذ ظللت أكتب في إطار ثقافتي الخاصة، لا لإثارة القراء البيض، وإنما لإثارة كل القراء، سودا وبيضا، حيث فتح هذا الأمرُ العالمَ. لن تكتبي أبدا، إذن، رواية بطلها الرئيس أبيض؟ • ثمة أبيض في رواية «محبوبة» (Beloved)، لكن صحيح، ليس هو الشخصية الرئيسة. أعتقد أنني لن أفعل هذا يوما ما. لماذا؟ • للسبب ذاته الذي يجعل الكتّاب البيض لا يختارون الأسود شخصية رئيسة... لكن «وليام ستيرون» اختار ذلك في كتابه «اعترافات نات تورنر»... • نعم، لكن شخصية «نات تورنر» (**) في كتاب «ستيرون» لا تتحدث مثلما كان يتحدث «نات تورنر». إذ لم يعرف «ستيرون» لغته، أو لم يستطع تبنيها، حيث كانت شخصيته تتحدث إنجليزية البيض. أنا لا ألومه على ذلك. بلا شك، استحال عليه أن يمسك بهذه الطريقة في الكلام، واعتبار الذات، والإحساس بالأشياء. لماذا اخترت توقيع كتبك باسم «موريسون» الذي هو اسم زوجك السابق؟ • كان خطأ، حيث أرسلت كتابي الأول موقعا باسم «موريسون»، ثم قلت في نفسي: أنا مطلقة، واسمي «كلو ووفورد». اتصلت حينها بالناشر قصد تغيير التوقيع، لكني تأخرت كثيرا. أتأسف لذلك. فضلا عن هذا، أجد أن لاسم «توني» وقع سطحي، مثل اسم مراهقة، لكن الأمر هكذا...