في روايتها الأخيرة «الوطن»، تظل الروائية الأمريكية طوني موريسون، الحائزة على جائزة نوبل للآداب سنة 1993، وفيّة لموضوعاتها وأزمنها التي قرأناها في اعمالها الروائية السابقة: العنف المقنن وآثاره النفسية على ضحاياه من السود، وتضامن النسوة لرفع الغبن، والعلاقات المتأزمة بين الملونين، ومصائر السود في مجتمع جعل من الميز العنصري شرعة. في رواية توني موريسون الأخيرة والمعنونة «الوطن» تتحول بنا إلى ذكريات الحرب الكورية حيث تنقب عن الصدمات المؤلمة لهذه الحرب و تجربتها لحيوية على الجنود الأميركان من أصل إفريقي.هناك موضوعان يأتيان معا في هذه الرواية بشكل متسق وهما: تجربة الجنود الأميركان الأفارقة حول الخزي الأبدي لأميركا والعنف ضد النساء السوداوات بجعل الضحية أخت احد أولئك الجنود الذين اشتركوا في الحرب. رواية «الوطن» تتحدث عن فرانك موني وهو جندي أميركي من أصل إفريقي أصيب بصدمة من جراء الحرب الكورية وتم أعادته إلى الولاياتالمتحدة لمدة عام لكنه كان يشعر بأنه غدا أكثر عنفا واضطرابا من أن يعود إلى بيته في ولاية جورجيا حيث تعيش أخته الصغيرة هناك، يجد فرانك نفسه مجهدا في المستشفى لكنه لا يتذكر جيدا ما لذي أتى به هناك ولا يسمع غير الضوضاء العالية فيقول لنفسه ربما كنت في معركة. بعد ذلك يتلقى رسالة من امرأة غامضة تسمى سارة تخبره فيه بأن يعود بسرعة إلى بيته من اجل إنقاذ أخته الصغيرة من بعض المخاطر التي لم تسمها قائلا في آخر عبارة «تعال بسرعة فربما ستكون أختك ميتة إذا تلكأت في العودة». لذا يهرب من المستشفى ليشق طريقة إلى ولاية جورجيا معتمدا على شفقة الغرباء ومحاولا أن يقمع ذكريات الحرب المؤلمة. أما أخته التي تدعى سي و التي تركت البيت وهي في الرابعة عشرة من عمرها مع صديقها الذي تركها وهرب لتجد نفسها وهي تعمل مساعدة لطبيب عنصري أبيض فقد كانت تتساءل ببراءة عما تعنيه تعابير العنصرية والمجتمع والوراثة التي كانت على واجهة عيادة الطبيب بينما ينتابها الإحساس بالقلق فما هي الأشياء الفظيعة التي يمكن إن تحدث للأخت سي وكيف يستطيع فرانك أن ينقذها في الوقت الذي هو فيه غير قادر على إنقاذ نفسه؟. ضمن هذا الإطار الواقعي تؤسس توني موريسون نوعين من الأشكال ضمن إحساس أكثر خبرة هما إفساح المجال الذي يستطيع فيه فرانك أن يروي ذكرياته ومن جهة أخرى تروي التجربة المؤلمة لأخت فرانك مع الطبيب العنصري حيث يستطيع فرانك بعد ذلك أن ينقذها ليعودا معا إلى البيت والمدينة الصغيرة التي اصبحا يكرهانها. ومثلما بدأت موريسون الرواية بعناية أنهتها بنفس الطريقة حيث يمكن اعتبارها كواحدة من أفضل الروايات التي كتبتها منذ عدة سنوات. الرواية كما يدل عليها عنوانها هي عودة إلى المنابع والجذور، عودة الكاتبة إلى فترة الصراع بين البيض والسود أيام مارتن لوثر كينغ وجون كينيدي، وعودة بطلها فرنك موني إلى موطنه الأصلي، قرية لوتس البائسة بولاية جورجيا، «أسوأ مكان على وجه الأرض، كما يقول، أسوأ من أي ساحة معركة.» « ص 89 « قريته التي هجرها هاربا كأن في ظهره النار، هاربا من الفقر واعتداءات البيض والخلافات الأسرية والوقت المسربل بالسآمة والخواء، ليلتحق بالجندية، فإذا هو في معمعة الحرب الكورية يواجه بردا لا يرحم وعدوّا لا يرى وخوفا يعشش في النفس يهزها بمفازع لا تنتهي، وموت يرفرف فوق الرؤوس في كل لحظة، موت غيّب صديقيْ طفولته مايك وستاف اللذين هلكا في ساحة المعركة. ولا يكون بعد التسريح أحسن حالا، فقد عاد من الجبهة محطما كحال أغلب الجنود، يعاني من شيزوفرينا ورهاب وتنتابه هلوسات وهذيان تقضي بوضعه في مصحة للأمراض النفسية. النسخة الفرنسية لم تترجم العنوان قد يكون من الصعب ترجمة كلمة «Home» التي عنْونتْ بها موريسونْ روايتها العاشرة. فهذه الكلمة تنطوي في النّصّ على دلالة أعمق من المقابل «بيت» أو «وطن». إنها كلمة محمّلة بالاهتزازات الصوتية والعاطفية الخاصة التي يستشعرها الأمريكي وهو يتلفّظ بها، خصوصا أولئك الذين لا يمكنهم نسيان أنّ معظم الأمريكيين هم من المهاجرين والمنفيين والمغتربين. لذلك تقول موريسون :»إن كلمة «هوم» بالنسبة لنا كلمة معقّدة، لقد كان لنا ولأسلافنا بيت، لكننا غادرناه أو اضطررنا لمغادرته. وهذه الصورة، صورة البيت الأوّل، ماتزال حاضرة بشكل أو بآخر في ذاكرتنا ولا وعينا، باعتباره جنّة مفقودة».