سراج وهاج إمام طليق اللسان باللغة العربية ومعروف جدا لدى مسلمي أمريكا القادمين من جميع أنحاء العالم. يلقي الخطب في اجتماعات الجمعية الاسلامية لأميركا الشمالية، وفي الجلسات الاستراتجية لمجلس المسلمين الامريكيين، وهما المنظمتان اللتان تضمان مسلمين من جميع الاطياف. لكنه بصفته امريكي من أصل افريقي، من ناحية أخرى، فهو سيكون أول من يذكرنا أن المهاجرين المسلمين من لبنان في سنوات العقد الزمني 1890 أو من الباكستان في سنوات العقد الزمني 1990 جاؤوا إلى البلد ولم يكن فيها قبلهم إلا مجموعة صغيرة من السكان مجموعة من المسلمين السود. لقد جاءت أول نقلة رئيسة للمسلمين إلى امريكا مع تجارة الرق. حوالي عشرة ملايين انسان افريقي جلبوا بالقوة إلى أمريكا الشمالية كي يباعوا كعبيد في القرنين الثامن والتاسع عشر، وكثير منهم جلبوا من غرب افريقيا، التي كان قد مضى عليها في ذلك الوقت قرن كامل منذ تعرفت على الاسلام. على الأقل 10% من العبيد مسلمين، حسب تقدير ألين أوستن، الذي يستنتج هذا التقدير في بحثه المأخوذ من السجلات المعتمدة نسبيا والمحفوظة في ميناء شارلستون. ويفتح كتابه الأول المسلمون الافارقة في امريكا قبل الحرب، فضلا هاما في تاريخ اميركا ذات الديانات المتعددة. كان المسلمون الآتون من غرب افريقيا متنوعين بقدر تنوع الثقافات التي ينتمون إليها، مثل المانرينغ والغولا والغولب والغولاني. ويكتب العالم الفرنسي سيلفيان دوف فيقول: «إن جزءا كبيرا من المسلمين الذين وصلوا إلى العالم الجديد كانوا متعلمين، يقرأون ويكتبون اللغة العربية، كما أن لغاتهم الخاصة نسخت بالأحرف العربية» وحسب رأي أوستن ودوف، فإن وجود الافارقة المتعلمين كان مصدر استفزاز لأولئك الذين اشتروا وباعوا الافارقة على أنهم عبيد. هؤلاء في الواقع، علمهم لا يلائموا الصورة الملفقة التي يكونها الجنس الابيض عن الأفارقة وهي أنهم جنس جاهل وغير متحضر. كان البيض الذين يملكون العبيد لايصنفونهم كسود أفارقة بل كعرب. وبحسب تحليل دوف فإن «إزالة الصفة الافريقية عن المسلمين البارزين كان مقبولا لأكثر من التسليم بأن الافريقي «الحقيقي» يمكن أن يكون ذكيا ومثقفا ورغم ذلك يكون مستعبدا» من ناحية أخرى، ومن جهة نظر هؤلاء الافارقة المسلمين الذين لم يكن الاحساس بالعرق مرتفعا في أوساطهم لم يتم تصنيف معتقليهم على أنهم من الجنس الابيض بقدر تصنيفهم على أنهم مسيحيين. وفي هذا الصدد يقول عمر بن سعيد، في قصة سيرته الذاتية، أنه «بيع وسلم إلى المسيحيين» وأخذ عبر المحيط إلى مكان يعرف باسم شارلستون باللغة المسيحية. كان العلم الذي امتلكه العديد من هؤلاء المسلمين، الذين هجروا إلى أمريكا بالإكراه، خطيرا أيضا، إذ أنه أفسد الشعور بالسيطرة العرقية والفكرية لأولئك الذين اشتروهم وجعلوهم عبيدا لهم. رغم ذلك، كان أسياد العبيد في بعض الحالات يدركون بوضوح ويستغلون علم المسلمين الافارقة لمصلحتهم وذلك بتعيينهم وكلاء على مزارعهم. وكما يقول أوستن، كانت «أية دفاعات عن الكرامة والعلم إما تقمع، وبالتالي يتم تجاهلها أو إذا اعترف بها تعالج - بكثير من الخوف - من أجل الوصول إلى نوع من الفائدة المتبادلة بين السيد والخادم. بما أننا نعرف أي شيء عن مجتمع مسلم متجمع مع بعضه البعض، فإننا نجمع بعض المعلومات التي تعيطها لمحة عن المسلمين الافارقة الأوائل من حياة هذا العدد القليل من الشخصيات الذين يعرف بعض أسمائهم قصصهم. أيوب بن سليمان جالون، على سبيل المثال، كان عبدا في ماريلاند وأعتق في 1832، وسمح له بالعودة إلى بلاده عبر بريطانيا. وبارو ماموت حرر في 1807، ويقال أنه استقر في واشنطن العاصمة، حيث عاش وعمر حتى مئة سنة. وقد رسم تشارلزبيل صورة يارو في 1819، وكتب عنه: «إنه يشهد بشهادة الاسلام وكثيرا ما يرى ويسمع وهو يسير في الشوارع وينشد المدائح التي يسبح من خلالها الله» هناك عدد آخر من القصص المطولة التي تعطينا لمحة عن هذا الجزء الهام، غير المطلع عليه بشكل كاف، من تاريخ أمريكا الديني. صالح بيلالي، على سبيل المثال، ولد في 1875 بالقرب من تيمبوكتو، فيما يعرف حاليا بدولة مالي. وبما أنه افريقي مستعبد في أمريكا، فقد عمل في مزرعة جميس هميلتون كوبر، وخدم في مزرعته الموجودة في جزيرة سانت سيمونز من 1816 إلى 1846، كتب كوبر عن القدرات المميزة لهذا العبد، الذي أسماه توم، وقال: «لقد تركته عدة مرات لشهور عديدة. كان يدير المزرعة بدون أي إشراف مني، وفي كل مرة أجد أنه أدار المكان على نحو مرض تماما». كتب كوبر: عنده سرعة فهم وملكات قوية لإجراء العمليات الحسابية والجمع بين مهمة أو أكثر، وحكم سليم وذاكرة قوية على نحو استثنائي وملكه على التدبر. كما أنه يتصف بالصدق والاخلاص. إنه مسلم ملتزم، يمتنع عن المشروبات الروحية، ويحرص على الصوم في أيام متعددة، خاصة شهر رمضان. وهو محصن ضد كل مشاعر الخوف اللاعقلاني من المجهول، وينتقد بازدراء كبير المعتقد الافريقي بالفَتَش، القادر على حماية صاحبه بالسحر، والارواح الشريرة. وهو يقرأ اللغة العربية ويملك قرآن (الذي مع ذلك لم أشاهده معه) باللغة العربية. ولكنه لا يكتب العربية). كان النقص في درجة العلم عاديا أيضا، لأن صالح بيلالي أسر وهو في سن المراهقة، وفي هذا الوقت كان قد أصبح في السبعينات من عمره.كان صالح بلالي صديقا لرجل آخر اسمه بلالي أيضا. استعبده توماس سبالدينغ في سابيلو في جزر بحر جورجيا. وقد سمي الاثنان بلالي تيمنا باسم الرجل الافريقي بلال، الذي كان من أوائل المسملين الذين انضموا إلى النبي محمد (ص) والذي بسبب صوته الجهوري، أصبح المؤذن الذي يدعو المسلمين إلى الصلاة. وقد أعطي عددا من أبنائه ال 19 أسماء اسلامية، مثل اسم فاطمة، ابنة الرسول يقال أنه كان يملك قرآنا وسجادة للصلاة، وحسب ما تقول القصة أيضا فقط دفن بلالي، ومعه القرآن والسجادة . كان بلالي يتكلم الفرنسية والانجليزية والعربية، وربما يعود السبب لهذا أن اختاره سبلادينغ وجعله مسؤولا عن عبيد اخرين. وقد اشتهر ببطولته خلال حرب 1812 ويقال أنه انقذ حياة سكان الجزر من اعصار في 1842. التقت سيدة من جزيرة بروغتون الرجل العجوز بلالي وعائلته في أواخر 1850 وكتبت: لقد كانوا طوال القامة ويتمتعون بشكل حسن، وتقاطيع جميلة. تحدثوا معنا باللغة الانجليزية ولكنهم تحدثوا فيما بينهم بلغة غريبة لا يفهمها أحد غيرهم. كان رئيس القبيلة رجلا كبير السن اسمه بلالي. يرتدي قبعة دائما على رأسه تشبه الطربوش التركي. استمرت بالكتابة عنهم حتى وصلت إلى ذكر أنهم كانوا يعبدون محمد. وأبقوا أنفسهم بمعزل عن الآخرين وكأنهم كانوا يشعرون بتفوقهم عليهم. بعد ذلك بعشرات السنين، وفي 1940 قابل مشروع كتاب جورجيا سيدة كانت تعرف «بلالي» وزوجته فوبي، من خلال أبنائهما. وقد أخبرتها بنات بلالي أن والدهما وزوجته كانا «يقيمان الصلاة ومعهما المسبحة، إذ أن استعمال المسبحة للتسبيح أمر شائع في العالم الاسلامي. كما كانا دقيقين جدا بالنسبة لمواعيد الصلاة: كان يقيمان الصلاة عند الفجر، وعند الظهيرة وعند مغيب الشمس. كان ينحنيان للصلاة باتجاه الشمس ويضعان سجادة صغيرة للركوع عليها في الصلاة، وللمسبحة خيط طويل، يسحب بلالي منها حبة ويقول بيلامبي، هاكبارا محمد وترد زوجته بقول امين ، أمين. كان عمر بن سعيد من غرب افريقيا وينتمي إلى ثقافة الفولا مثله مثل صالح بلالي. ولد في 1770 وأخبر بكلماته الخاصة قصة حياته واعتقاله وكيف وصل إلى شارلستون وبيع في سوق النخاسة: اسمي عمر بن سعيد، ولدت في فوت تير، بين النهرين طلبت العلم تحت اشراف الشيخ محمد سعيد وهو اخي والشيخ سليمان كبمه والشيخ جبريل عبد الله. استمريت بالدراسة 25 سنة، وبعد ذلك رجعت إلى بلدي حيث بقيت 6 سنوات. بعد ذلك جاء إلى بلدنا جيش كبير قتل كثيرا من الرجال، وأخذوني إلى البحر المترفع الأمواج، وباعوني وسلموني للمسيحيين، الذين قيدوني ووضعوني على متن سفينة عظيمة أبحرت فينا في البحر المتلاطم الامواج وبقينا شهر ونصف على هذه الحال، حتى وصلنا إلى مكان يدعى شارلستون في اللغة المسيحية. هناك باعوني إلى رجل صغير القامة، ضعيف ، شرير اسمه جونسون ملحد تماما، لا يخاف الله على الاطلاق. الآن أنا رجل صغير وليس لدي قدرة على العمل الشاق لذلك هربت من قبضة جونسون وبعد شهر جئت إلى مكان اسمه فايديل. يبدو أن فايديل كانت فاييتفيل ويذكر عمر بن سعيد كيف أنه ذهب إلى كنيسة ليصلي، وهناك اعتقله شخص معه مجموعة من الكلاب ووضعه في بيت لا يستطيع الخروج منه، بمعنى اخر وضعه في سجن بعد أكثر من أسبوعين اشتراه جيم وجون أوين اللذين عاملاه بطريقة حسنة كما يبدو. كانت روايته مليئة بمشاعر الامتنان والاحترام للاخوين أورين وتبين أنه خلال السنوات التي قضاها في منزلهما أصبح مسيحيا. وتعتبره القصص المشوشة التي انتشرت حوله بمثابة الامير العربي الذي تحول من القرآن الملطخ بالدم إلى أمير السلام. ولكنه في روايته الاستعادية التي كتبت في 1831 يخبرنا عن حياته السابقة كمسلم. «قبل أن آتي إلى البلد المسيحية كان ديني هو دين محمد، رسول (ص) كنت أذهب إلى المسجد عند الفجر، وأقوم بغسل وجهي ورأسي ويداي وقدماي. وكنت اصلي عند الظهر، وعند العصر، وعند المغرب، ووقت العشاء. كنت أعطي الزكاة كل سنة، وكانت تتكون من الذهب والفضة والحبوب والمواشي والاغنام والماعز، والأرز والقمح والشعير. كنت أعطي عشر كل الاشياء التي ذكرت هنا. كنت أذهب كل سنة للقتال ضد الكفار. وذهبت إلى مكة لأداء فريضة الحج التي يؤديها كل من يستطيع ذلك. كان عند والدي ستة أبناء وخمس بنات، وعند أمي ثلاثة صبيان وبنت. عندما تركت بلدي كان عمري 37 سنة وأصبح لي في بلاد المسيحيين 24 سنة. كتبت ذلك في 1831 ميلادي». تعطينا هذه الذكريات لمحات مثيرة عن حياة المسلمين الاوائل في أمريكا. كما تعطينا شعورا عن مدى العمق الحقيقي لتاريخنا المتعدد الاديان، وعن حاجتنا لمعرفة المزيد عن خبرة هذا المسلم الذي كان من أوائل المسلمين الذي جلبوا إلى أمريكا. الشيء الملفت للانتباه، أنه مقابل كل هذا الاهتمام بتجارة الرقيق وبتاريخ الافارقة في أميركا، لم يكتشف إلا القليل من الامريكيين هذه الاصول الاسلامية. وقد بقيت لدينا لمحات عن حياة لا يعرف عنها إلا القليل، مثل المسلمين الذين كانوا يصلون على متن السفينة في فيلم ستيفن آلان سبيلبيرغ «أميستاد» أو اللحمات التي يعطينا إياها مالكوم إكس عن جدته التي كانت تضع حصيرة كي تسجد عليها عندما كانت تصلي، أو المقتطفات التي نسمعها من شخصيات جزيرة المحيط في رواية توني موريسون (انشودة سليمان» سونغ أف سولومن) -بلالي، ومدينة عمر، ومحمد.