مرت عشر سنوات على "انتفاضة" الأحياء الفرنسية المهمشة. فبعد مقتل شابين فرنسيين من أصول مهاجرة تحولت المظاهرات إلى صرخة ضد التهميس والتمييز. فهل أوفت الحكومات الفرنسية بوعودها لتحسين ظروف عيش سكان الضواحي؟ نشرت الصحف الفرنسية مجددا صورا بوجوه مبتسمة للشابين الفرنسيين من أصول مهاجرة زياد البنا وبونة تراوري، اللذين قتلا خلال اشتباكات المهاجرين والفرنسيين من أصول مهاجرة مع رجال الشرطة في ضواحي العاصمة الفرنسية باريس. كما كُتب في ملصقات مثبّتة على بعض الجدران عبارة "زياد وبونة لن ننساكما". "انتفاضة" الأحياء المهمشة فقبل عشر سنوات بالضبط انفجرت أعمال عنف في ضواحي العاصمة الفرنسية، بسبب وفاة زياد البنا (17 عاماً) وبونة تراوري (15 عاماً) بصعقة كهربائية في محطة كهرباء اختبأوا فيها هربا من الشرطة. بعد ذلك اندلعت أعمال شغب عمت جميع مناطق البلاد للتعبير عن الغضب المكبوت تجاه سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الضواحي الفقيرة للمدن الفرنسية. وبعد تلك الأحداث تحول حي "كليشي سو بوا" الواقع في الضاحية الشرقية لباريس إلى رمز لتدهور الأوضاع في المدن ولصعوبة اندماج ملايين المهاجرين في فرنسا. لكن الوضع أصبح في الوقت الحالي مختلفا تماما. ففي أحد الشوارع الرئيسية بدأت أعمال حفر خطوط جديدة لمترو الأنفاق، إضافة إلى انطلاقة أعمال بناء سكن اجتماعي حديث يعوض العمارات القديمة التي لطخ الغرافيتي جدرانها. الأوضاع أصبحت على أحسن حال؟ بالنسبة للمتقاعد يحيى جائيل من أصول مغربية، الذي يقتني أغراضه في السوق الأسبوعي، فالحي تغير بنسبة "مئة بالمئة". ويشرح يحيى جائيل ذلك قائلا: "الأمور أصبحت الآن على ما يرام"، ويضيف جائيل بينما يضع الزيتون والنعناع والملابس التقليدية العربية في عربة يد صغيرة "الشباب يذهبون إلى المدرسة، ولم تعد هناك أية مشاكل". لقد استثمرت الحكومة الفرنسية بوتيرة مكثفة في مجال البنية التحتية في ضاحية "كليشي سو بوا" وباقي ضواحي باريس، لكن درجات النجاح متفاوتة، وهو ما لامسه الرئيس فرانسوا هولاند في الأسبوع الماضي خلال زيارته لإحدى الضواحي، حيث استقبله السكان بهتافات ساخرة. وقال الرئيس الفرنسي خلال إعلان افتتاح وكالة جديدة للتنمية الاقتصادية: "في الجمهورية الفرنسية، لا توجد أحياء منسية". وتهدف الوكالة الجديدة إلى مساعدة الأحياء المحرومة مثل "كليشي سو بوا" لاستعادة توازنها. وأضاف الرئيس الفرنسي: "في المدن لا توجد فرنسا هامشية وفرنسا مركزية، لا يوجد سوى فرنسا واحدة يجب أن تكون فيها المساواة مضمونة". "الحكومة تعد ولا تنفذ" غير أن الكثيرين لا يصدقون هذه الكلمات. فرغم كل الجهود التي تبذلها الحكومة لجذب الشركات إلى المنطقة، فإن معدل البطالة في "كليشي سو بوا" هو ضعف معدل البطالة على الصعيد الوطني. وبالنسبة لمحمد شاشوة الذي يبيع الزيتون في السوق الأسبوعي فإن "الحكومة لم تفعل أي شيء، هي قدمت الوعود فقط". أما مهدي حسني (18 عاما)، فهو يريد أن يصير كهربائيا إلا أن الأمر ليس سهلا بالنسبة إليه. "سُمعتنا لا تزال مرتبطة بأحداث 2005 (…) لا نزال في أعين الكثيرين مجرد مجرمين ومدمني مخدرات. وإذا كنتَ عربيا أو ذا بشرة سوداء أو تركيا، فإنه من الصعب جدا أن تعثر على عمل". يشرف بيير موغيت على إدارة وكالة "المهمة المحلية"، التي تهدف إلى دعم الشباب من أجل العثور على مكان للتدريب المهني أو مكان شغل. ويستعرض حاجيات الشباب بالقول: "لدينا على سبيل المثال مشكلة النقل. فالوصول إلى كليشي معقد، وهذا من بين أسباب وجود عدد قليل جدا من الشركات هنا. صحيح أن بعض الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، لكننا لا نزال نعاني من السمعة السيئة التي خلفتها أحداث عام 2005". تطرف شباب الضواحي وقد رفض التلاميذ في بعض المدارس الفرنسية المشاركة في دقيقة صمت على الصعيد الوطني على روح ضحايا أحداث 2005. وسفر مئات الشبان الفرنسيين إلى الشرق الأوسط للمشاركة في "الجهاد" هناك هو أيضا دليل على أن الكثير من الفرنسيين الشباب من أصل عربي يعانون من أزمة هوية. كما تتزايد المخاوف من أن تصير ضواحي المدن الفرنسية بؤرا للتطرف الديني. وفي شهر مارس/ آذار الماضي أطلقت الحكومة الفرنسية خطة عمل لتنمية ضواحي المدن. وتنص الخطة على دعم الاندماج من خلال بناء المساكن الاجتماعية وسن سياسات جديدة لمكافحة التمييز. لكن منتقدي الخطة مثل مهدي بيكدرني، نائب رئيس بلدية "كليشي سو بوا"، يرون أن هذه الخطط ليست كافية خصوصا في مجال مكافحة التطرف والإرهاب: "الشباب الذين ارتكبوا الأعمال الإرهابية الوحشية ليسوا من العراق أوالجزائر أوالمغرب. هم أبناء فرنسا، والجمهورية الفرنسية هي التي خلقت هؤلاء الإرهابيين". مبادرات محلية لتجاوز الوضع وبعد الاضطرابات التي حدثت عام 2005 ساهم مهدي بيكدرني في تأسيس جمعية ACLEFEU (الحرية، المساواة، الإخاء، التعاون، الاتحاد). وتسعى الجمعية إلى مساعدة سكان ضاحية "كليشي سو بوا" لتجاوز مشاكلهم. ويتهم مهدي بيكدرني الحكومات الفرنسية في السنوات القليلة الماضية – اليسارية واليمينية على حد سواء بالاقتصار على تجميل المناطق الحضرية بحلول ترقيعية. ويرى أن تلك الحكومات لم تعالج المشالك الحقيقية للناس. ويضيف بيكدرني أن الاهتمام بشباب الضواحي المهمشة جاء متأخرا: "لسوء الحظ، فالعديد من الناس أدركوا فقط بعد الهجمات على "شارلي ابدو" أهمية التركيز أثناء العمل مع الشباب على قضايا المواطنة.. إذا كان الشاب يسمع مرارا بأنه لا يصلح لأي شيء، ويلتقي يوما ما بشخص يؤكد له بأنه يمكنه الذهاب إلى الجنة، فإن هذا الشاب سينجذب بالطبع إلى هذا الرأي". "أحداث لن تنسى" داخل مكتب جميعة ACLEFEU عُلّقت صورة زياد البنا، وبونة تراوري اللذين توفيا عام 2005. حينها كان الشابان عائدان للتو من لعب كرة القدم، ليطاردهما رجال الشرطة. وفي شهر ماي أعلنت محكمة فرنسية براءة ضابطي شرطة لم يقدما المساعدة للضحيتين عندما دخلا إلى محطة الكهرباء. وأثار هذا الحكم امتعاض أسر الضحيتين والعديد من سكان ضاحية "كليشي سو بوا". ولكي لا تدخل أحداث عام 2005 إلى دائرة النسيان يقول مستشار بلدية "كليشي سو بوا": "كل عام نضع الزهور أمام المدرسة التي كانا يذهبان إليها..فلا أحد هنا نسي أحداث عام 2005".