انطلقت أول أمس بباريس تظاهرة ضخمة نظمتها جمعية "النساء من أجل الكرامة" تحت شعار "مسيرة الكرامة"، في الذكرى العاشرة لأحداث العنف التي شهدتها ضواحي العاصمة الفرنسية إثر مقتل شابين هما زياد بنا (17 سنة) وبونا تراوري (15 سنة) في ضاحية "كليشي سو بوا"، وهي ضاحية شعبية تقع شمال شرق باريس، بعدما كانت الشرطة تطاردهما من أجل إلقاء القبض عليهما. ولسوء حظهما، لجأ الشابان، للإفلات من الشرطة بعد أن تملكهما الخوف، إلى مخبأ كان يتواجد قرب محطة كهربائية فصعقهما التيار الكهربائي، مما أدى إلى وفاتهما على الفور. وبمجرد انتشار خبر وفاة الشابين، خرج سكان الضواحي إلى الشوارع للتعبير عن سخطهم، فقاموا بإضرام النار في بعض الأماكن، منها ما يرمز للدولة كالمدارس والمباني العامة، وأحرقوا السيارات، لتلتهب الضواحي الفرنسية لمدة ثلاثة أسابيع، إلى أن فرضت السلطات حالة الطوارئ في 8 نونبر 2005، وهي المرة الأولى التي يفرض فيها مثل هذا القرار منذ نهاية الحرب الفرنسية الجزائرية في 1962. وقد شارك آلاف الأشخاص في المسيرة تنديدا بمظاهر العنصرية المتفشية في بعض الشرائح وخاصة اليمين المتطرف، وتعبيرا عن رفضهم للأوضاع الاقتصادية المزرية التي تعيشها الأحياء والضواحي ذات الكثافة الإفريقية والمغاربية. وسار المشاركون مدعومون بعشرات الشخصيات والجمعيات التي تكافح العنصرية والتمييز، خلف لافتة كتب عليها "مسيرة الكرامة ضد العنصرية"، وجابوا عدة شوارع انطلاقا من من حي "باربيس" الشعبي شمال العاصمة مرددين هتافات ضد التمييز والإقصاء الذي يطال الجاليات الإفريقية والعربية وحتى الآسيوية. والسؤال الذي يجب طرحه وإعادة طرحه فيما يخص حال الضواحي الفرنسية اليوم، هو هل تغير وجهها؟ وهل عاد الأمل لسكانها خاصة الشباب منهم؟ وهل أصبح العيش فيها مريحا؟ وهل تبعث اليوم صورة إيجابية لباقي الفرنسيين؟ أسئلة يُجمع معظم المحللين بشأنها على أن نظرة الفرنسيين للضواحي لا تزال سلبية، وأن سكان هذه الأحياء الفقيرة لم يخرجوا بعد من النفق الاجتماعي والاقتصادي المظلم بسبب عدم وفاء الحكومات المتعاقبة بوعودها القاضية بتوفير الأمل لسكان هذه المناطق المعزولة. وفي خضم الواقع المزري للأحياء والضواحي ذات الكثافة المغاربية والإفريقية، وتفاعلاته السياسية والاجتماعية، لم يتمكن الرأي العام الفرنسي من التوصل إلى أجوبة شافية عن الأسباب الحقيقية لأعمال العنف الجديدة. هل هي نوع من الشغب الذي يمارسه بعض الخارجين عن القانون ؟ أم هي تفاعلات مفهومة نظرا للأوضاع الاقتصادية المزرية للأحياء المغاربية المهمشة ؟ أم الاثنين معا ؟ فمشاكل الفقر والمآسي العائلية والبطالة والتمييز والمخدرات ما زالت قائمة اليوم، والوضع يستدعي حلولا جذرية قد حان الوقت لمباشرتها حيث يتعين تضميد الجراح المتعفنة من خلال معالجة من العمق، ومن خلال التحاور مع الشباب الغاضب الذي لا يجد من وسيلة للتعبير عن غضبه سوى إحراق السيارات والتكسير واستهداف الممتلكات.