تتضمن التقرير الذي وضعه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بين يدي الملك حول الصحراء، توصيات اعتبرها بعض المتتبعين «جريئة» لأنها تروم القطع مع النموذج التنموي المتبع منذ 1975 والقائم على الريع والامتيازات، واتباع نموذج بديل يشجع على الإنتاج. مفاجآت غير مسبوقة كشفها التقرير النهائي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حول النموذج التنموي الجديد في الصحراء، الذي رفعه المجلس إلى الديوان الملكي قبل أيام، حيث تضمن الخطاب، الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، تعهدا صريحا بالعمل على تنزيله وتطبيقه. التقرير النهائي الذي قال عنه الملك، خلال حديثه عن تقرير المجلس، إن الأمر لا يتعلق بمجرد اقتراح حلول ترقيعية لظرفية طارئة، أو مشاريع معزولة لا رابط بينها، «وإنما بمنظور تنموي متكامل، يرتكز على تحليل موضوعي لواقع الحال بأقاليمنا الجنوبية، ويهدف إلى التأسيس لسياسة مندمجة، على المدى البعيد، في مختلف المجالات»؛ أوصى بإجراءات غير مسبوقة مثل الشروع في تنزيل الجهوية الموسّعة في الجهات الثلاث للصحراء، والقطع مع سياسة الريع والامتيازات، ووضع نظام ضريبي محفز على الاستثمار، ثم الشروع في تقديم مساعدات مالية مباشرة للفقراء، وإدماج سكان مخيمات تندوف في هذا الدعم المباشر مع العمل على استباق عودتهم والتحضير لإدماجهم السريع اجتماعيا واقتصاديا.
120 ألف فرصة شغل في عشر سنوات ينقسم النموذج التنموي الجديد الذي وضعه مجلس نزار بركة، إلى مرحلتين، الأولى تمتد على المديين القريب والمتوسط، وتغطي قرابة عشر سنوات، وهي مرحلة إطلاق وأجرأة الدينامية التنموية الجديدة، وإعداد مخططات تنموية على مدى أبعد، ويتمثل الهدف المرسوم لهذه المرحلة في بلوغ الحد الأمثل من الاستفادة من مؤهلات الموارد المتوفرة، مع الحرص على هيكلة إدارية للإطار والآليات الموجهة لفائدة التشغيل، وتكوين والحماية الاجتماعية. وأما المرحلة الثانية، فتمتد على المدى المتوسط والبعيد، تكون فيها التنمية القائمة على المؤهلات المتوفرة قد بلغت سرعتها القصوى، تدعمها محطات تنموية جديدة، كقطاع التحويل ذي القيمة المضافة العليا، واقتصاد المعرفة والاستغلال الإدماجي لموارد طبيعية جديدة... وبلغة الأرقام، يتطلع النموذج الذي وضعه المجلس، في أفق عشر سنوات، إلى مضاعفة الناتج الداخلي الخام لهذه الجهات، وإلى خلق أكثر من 120 ألف فرصة شغل جديدة. كما سيتم تخفيض نسبة البطالة إلى أقل من النصف، أخذا بعين الاعتبار معدل نشاط ثابت وارتفاع السكان النشيطين بنسبة 2% سنويا. من جانب آخر، فإن النموذج الجديد إذ يرسي توازنات اجتماعية أكثر عدالة، فهو يعتمد على شبكات تضامن اجتماعي يستهدف السكان الأكثر هشاشة على أساس معايير شفافة ومعروفة لدى الجميع، من شأنه أن يتيح، في الأفق الزمني نفسه، الحد من الفقر بدرجة ملموسة، وبالتالي توسيع القاعدة الاجتماعية للطبقات المتوسطة في الأقاليم الجنوبية. ويتطلّع المجلس، من خلال هذا النموذج، إلى الارتقاء بالأقاليم الجنوبية لتصبح مدارا محوريا بين المغرب الكبير وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، خصوصا من خلال تكتل اقتصادي بحري، ومخطط ملائم قائم على أساس تطوير طرق سيارة ناقلة للطاقة الكهربائية، وبناء الطريق المدارية الساحلية وطريق الصحراء، ودعم شبكة الموانئ والنقل البحري والجوي، وإعداد قاعدة للإعداد الرقمي للمجال الترابي وقواعد ولوج لوجستيكية وتجارية. ويتوخى هذا المطمح انبثاق أقطاب تميز منفتحة إلى التعاون الجهوي المغاربي ومع بلدان جنوب الصحراء، في مجالات التربية والتكوين المؤهل والتعليم العالي والصحة والبحث العلمي التطبيقي.
القطع مع الريع من بين أكبر المستجدات التي حملها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، دعوته الصريحة إلى القطع مع نظام الريع والامتيازات الممنوحة لبعض الفئات في المناطق الجنوبية، وتعويضه بنظام للمساعدة المالية المباشرة لفائدة السكان الأكثر فقرا وهشاشة. بل إن المجلس ذهب إلى أبعد من ذلك، وأوصى بشمل العائدين من مخيمات تندوف بهذه المساعدات المالية، ووضع برامج استباقية لعودتهم وضمان اندماجهم في النسيج المغربي. تتجسد الفكرة في إقرار نظام تحويلات نقدية مشروطة يستهدف الفئات الأكثر هشاشة عوض منطق المساعدات المعتمد حاليا، وهو ما من شأنه، حسب التقرير، تعزيز قدرات الأفراد ومواكبة اندماجهم، وكذا السكان الذين اندمجوا مؤخراً في هذه المناطق. وفي هذا الإطار، يوصي المجلس بالعمل على مراجعة منظومة شبكات التضامن الاجتماعي وتجديدها على أساس مبدأ الشفافية وإقرار مسؤولية الفاعلين المكلفين بالتدبير والمستفيدين، من أجل استهداف أمثل للأشخاص الفقراء والأكثر هشاشة، وتوجيه من توفرت لديه القدرة اللازمة نحو برامج الإدماج المهني، وذلك في مجموع الأقاليم الجنوبية. ويخلص تقرير المجلس إلى ضرورة تعويض المساعدات الغذائية الموجودة حاليا بمساعدات مالية من جهة، ومن جهة ثانية، الشروع من الآن فصاعدا في تقديم المساعدات الجديدة على أساس توجيهها طبقا لوضعية الأسر في الأقاليم الجنوبية، واعتمادها شبكة تصنيف إلى فئات تعتمد فيها مؤشرات الفقر متعدد الأبعاد. «ويجب أن يكون نظام المساعدات هذا مشروطا ومبينا على نظام قوامه شبكات التضامن الاجتماعي». وفي السياق نفسه، يوصي المجلس بتوجيه كل سياسة اجتماعية في الأقاليم الجنوبية وجهودها نحو رفع تحدي قرى الصيادين سعيا إلى تأهيلها اجتماعيا وتطويرها اقتصاديا. «ويجب جعل هذه القرى مركزا لتجميع الصيادين سعيا إلى تحسين شروط عيشهم وضمان استقرارهم بالمنطقة». ثم ينتقل التقرير إلى الحديث عن سكان مخيمات تندوف، حيث يدعو إلى تهييء الأرضية المناسبة لاستباق عودة «السكان المغاربة من مخيم تندوف»، قصد توفير الشروط الملائمة لإدماجهم في البيئة المحلية والوطنية. ويشمل نظام التكفل الاجتماعي هؤلاء الأفراد وأسرهم، كما يقترح المجلس تقديم حلول تؤدي إلى إدماجهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ما يفسح المجال لتمتين روابطهم الاجتماعية مع باقي السكان. ولإرساء هذه السياسة القائمة على شبكات التضامن الاجتماعي، وتتبع اندماج السكان العائدين من مخيمات تندوف، «يجب إنشاء صندوق مشترك بين الجهات، مخصص للدعم الاجتماعي وإدماج السكان العائدين من مخيمات تندوف. وستتكفل وكالة للدعم الاجتماعي للأقاليم الجنوبية بتدبير هذا الصندوق بموافقة المستفيدين منه، وبتنسيق الأعمال مع الجماعات والجهات الجنوبية الثلاث».
أخيرا الضريبة بالصحراء توصية جريئة أخرى تضمّنها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، تتمثل في خص المناطق الصحراوية بنظام ضريبي عوض استمرار الإعفاءات الحالية، حيث تحدث التقرير عن فرض ضريبة على الشركات وضريبة على الدخل «محفّزتين». وأوصى المجلس بضرورة الانتقال من اقتصاد الريع الذي يعتمد على الأنشطة الأولية والامتيازات، إلى إطار يشجع الاستثمار الخاص والمنتج، مع إرساء آليات شفافة لتقييم وتتبع حقوق وواجبات كل طرف. ومن بين ما يقترحه المجلس بهذا الخصوص، تمكين المبادرة الخاصة في المجال الاقتصادي من منظومة ضريبية تقوم على أساس نصوص واضحة ومستقرة على مدى زمني طويل. «فمن شأن النظام الضريبي أن يرفع من جاذبية تلك الأقاليم (ضريبة على الشركات وضريبة على الدخل محفزتين، وضريبة على القيمة المضافة ورسوم محلية موحدة)». كما شدّد المجلس على أن منح العقار والرخص وحصص الصيد والتصاريح باستخراج المواد المائية، «ينبغي أن تكون كلها مشروطة بخلق الثروات وفرص الشغل محليا. كما أن التحويل في عين المكان للأنشطة المنجمية واستكشاف واستغلال الهيدروكاربورات ينبغي أن يستفيد من إطار يتيح جلب المستثمرين والفاعلين الوطنيين والدوليين». ويوصي المجلس بتخصيص القسط الأكبر من مداخيل استغلال الموارد الطبيعية للصحراء لتنمية الأقاليم الجنوبية.
محكمة في كل جهة خصص المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تقريره النهائي حول النموذج التنموي الخاص بالصحراء، الذي رفعه إلى الملك قبل أيام، جزءا من توصياته لكيفية تجاوز سوء الفهم بين السلطات ومواطني تلك الأقاليم، ورفع مستوى الثقة بينهم. من بين هذه الإجراءات، تعزيز القضاء في الجهات الثلاث للصحراء، وتزويد كل جهة بمحكمة إدارية ومحكمة للاستئناف ومحكمة تجارية، مع تسهيل الولوج إلى المساعدة القضائية. كما أوصى المجلس بتقوية المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، ومنحها سلطة الحصول على الوثائق والمعلومات من المصالح الإدارية في الأقاليم الجنوبية. كما ربط التقرير بين تحسين وضعية حقوق الإنسان في الصحراء، وضمان حق المواطنين في الحصول على المعلومات، وإخضاع الإدارة لمبادئ المسؤولية والمحاسبة.
الجهوية الموسعة في الصحراء أولا من أهم التوصيات التي تضمنها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حول النموذج التنموي في الصحراء، الشروع في تطبيق الجهوية الموسعة في الصحراء، من خلال البدء بالجهات الثلاث التي تغطي الأقاليم الجنوبية للمملكة، وانتخاب مجلس جهوي في كل منها بعد الاقتراع العام المباشر. فبمجرد انتهائه من الشق السياسي في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء الذي ألقاه مساء أول أمس الأربعاء، وفور انتقاله إلى الحديث عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي تهم الصحراء، أعلن الملك محمد السادس التزامه بتطبيق ما جاء به المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ضمن النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية. مصادر موثوقة قالت إن المجلس وبعدما استعرض التوجهات الاقتصادية والاجتماعية الواجب اتباعها في الصحراء، قال إن كل ذلك يجب أن ينجز في إطار مبدأ الاستقلالية في اتخاذ القرار، مضيفا أن تخصيص جهات الصحراء بالجهوية الموسعة تبرره وضعيتها الخاصة مقارنة بباقي أقاليم المملكة. التوصية تعتبر من أبرز ما جاء به تقرير نزار بركة، والذي التزم الملك محمد السادس في خطابه لمساء أول أمس بتطبيقه، فبمجرد انتهائه من الشق السياسي في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، الذي ألقاه مساء أول أمس الأربعاء، وفور انتقاله إلى الحديث عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي تهم الصحراء، أعلن الملك محمد السادس التزامه بتطبيق ما جاء به المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ضمن النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية. الملك قال، خلال حديثه عن تقرير المجلس، إن الأمر لا يتعلق بمجرد اقتراح حلول ترقيعية لظرفية طارئة، أو مشاريع معزولة لا رابط بينها، «وإنما بمنظور تنموي متكامل، يرتكز على تحليل موضوعي لواقع الحال بأقاليمنا الجنوبية، ويهدف إلى التأسيس لسياسة مندمجة، على المدى البعيد، في مختلف المجالات». وأوصى لمجلس في تقريره النهائي، الذي رفعه إلى الملك قبل عشرة أيام، بأن تنقل إلى الجهات الثلاث سلطات تنظيمية موازاة مع لامركزية موسعة وأكثر تحررا ووضوحا في الصلاحيات والوسائل، مع إحداث مجلس جهوي في كل جهة على حدة، يتم انتخابه بالاقتراع العام المباشر، يتولى وضع المخططات التنموية، وتوقيع عقود للأهداف والوسائل مع الدولة، فيما يكون من مهام الولاة والعمال مساعدة هذه المجالس في تحقيق أهدافها. ويوصي المجلس بتزويد كل مجلس من المجالس الجهوية الثلاثة، بوكالة جهوية لتنفيذ المشاريع، تكون مهمتها تمكين المجلس من المساعدة القانونية ومن الخبرة التقنية والمالية الضرورية لدراسة وبلورة مشاريع برامج تنموية وتنفيذ المخطط التنموي الذي يتم اعتماده.