«كما لن نرهن مستقبل أقاليمنا الجنوبية بتطورات قضية الصحراء، على المستوى الأممي، بل سنواصل النهوض بالتنمية الشاملة بربوعها». هكذا جدد جلالة الملك محمد السادس في خطابه أول أمس بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء التأكيد على أن المغرب لن ينتظر ما ستسفر عنه المفاوضات في إطار الأممالمتحدة، بقدر ما سيبذل أقصى الجهود من أجل تفعيل نموذج تنموي مندمج لخلق ديناميكية جديدة بأقاليمه الجنوبية. النموذج التنموي الذي كلف جلالة الملك المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ببلورته العام الماضي، هو بمثابة جواب عملي على ادعاءات التهميش والاستغلال التي يروجها خصوم المغرب من المناوئين لوحدته الترابية. واضعا الأصبع على مكامن الخلل التي اعترت المجهودات التي بذلتها الدولة المغربية من أجل النهوض بالمناطق الجنوبية منذ استرجاعها، أعد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، نموذجا تنمويا يهدف إلى «خلق دينامية اجتماعية واقتصادية كفيلة بإنتاج ثروات جديدة، وإنعاش فرص الشغل خاصة لفائدة الشباب ونساء الأقاليم الجنوبية للمملكة» كما يقول التقرير حول النموذج الجديد للتنمية بالأقاليم الجنوبية الذي صادق عليه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في دورة استثنائية أكتوبر الماضي. التقرير النهائي الذي كان ثمرة مشاورات مكثفة مع حوالي 1500 شخص يمثلون المؤسسات المنتخبة والإدارات المركزية والترابية و النقابات وجمعيات المجتمع المدني، خلص إلى أن الحاجة باتت ماسة إلى إعداد منظور شامل، يعتمد من جهة على المؤهلات المحلية للأقاليم الجنوبية ومن جهة ثانية على دعم السلطات العمومية، مع بناء علاقات بينية مع باقي الأقاليم الأخرى، وذلك في انتظار ربط الجسر مع المناطق بالشمال الغربي الإفريقي، كأفق لجعل المناطق الجنوبية قطبا جهويا للتعاون وتحقيق السلام على مستوى الساحل والصحراء. في تشخيصه لمكامن الضعف التي تشكوها الأقاليم الجنوبية، خلص تقرير المجلس أولا إلى أن ندرة المياه بالأقاليم الجنوبية و الإكراهات البيئية تعد أهم التحديات المطروحة على الأقاليم الجنوبية، لذلك قبل أن يشدد المجلس على ضرورة عقلنة المخزون المائي للمنطقة، دعا إلى التفكير في إيجاد التمويلات لتمويل تحلية مياه البحر، من أجل إدماجها في مجال سقي الاستغلاليات الفلاحية. على المستوى البيئي، دعا المجلس إلى حماية الثروات البيئية للمنطقة والعمل على الانخراط في استثمارات في مجال الطاقات النظيفة والبديلة. وفيما لاحظ غيابا شبه تام للقطاع الخاص بالأقاليم الجنوبية، أكد التقرير أن القطاع العام يظل المشغل رقم واحد للشباب العاطلين، بدون استراتيجية واضحة، حيث يتلقى بعضهم أجورهم دون حضور، مما أربك أجواء الثقة بين الكثير من ساكنة الأقاليم الجنوبية من أن ممثلي الدولة يمارسون سلطة تقديرية في توزيع المناصب والريع، يستنتج التقرير، منتقدا في نفس الوقت نظام المساعدات الاجتماعية التي يستفيد منها سكان المنطقة على مستوى التوظيفات والإعانات الغذائية ودعم المحروقات. التقرير خلص إلى أن هذه الآليات فاقدة للرؤية، ولاتؤدي إلى الوصول للأهداف المرجوة. وفيما انتقد التقرير غياب إطار قانوني للنظام الجبائي بالمنطقة، سجل كذلك غيابا للنسيج البنكي، وهو الأمر الذي لايشجع على استقطاب الاستثمارات بالمنطقة وخلق فرص الشغل. في مقابل ذلك اعتبر التقرير الصيد البحري ،السياحة وقطاع الطاقات المتجددة، بالإضافة إلى الموارد المعدنية، مفاتيح تمثل رافعات حقيقية من أجل تحقيق نموذج تنموي حسب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مشددا على ضرورة وضع إطار خاص وواضح . لاستقطاب الخواص المحليين والوطنيين و الأجانب لتشجيع عملية الاستكشاف والاستغلال.