قبل ثلاث سنوات، كتب أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، مقالا يخاطب الإسلاميين تحت عنوان: "الإسلاميون في الحكم احذروا أنفسكم"، حمل رسائل إلى قياديي وأعضاء حزب العدالة والتنمية، خاصة إلى حكومة بنكبران ورئيسها، بحيث تضمن دعوة صريحة لمحاسبة انفسهم، خاصة عندما يكونون في السلطة، موصيا بالثبات على المبادئ، ومنها الشفافية الوضوح مع الشعب، وعدم تقديم مبررات واهية للبقاء في الحكم. مما جاء في المقال أن المحامي الفقيه الشهيد عبد القادر عودة كتب كتابه الذي سماه (الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه)، وفيه حمَّلَ مسؤولية ما اعتبره "إضعافِ الإسلام والإساءةِ إليه لأبنائه بجهلهم، ولعلمائه بعجزهم". وذكر الفقيه المقاصدي أن الإسلاميين أصبحت لهم اليوم "مشاركات ومسؤوليات في مؤسسات الدولة والحكم (..) لكنهم قريبا سيبدأون في دفع الحساب عن نتائج مشاركتهم وأدائهم فيما تحملوه من مسؤوليات"، قبل أن يتساءل: "فهل يعملون بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا..."؟"، وشدد: "إذا تفهم الإسلاميون — أو غيرهم — قولة عمر هذه وعملوا بها، فسيجلسون يوميا وأسبوعيا لمحاسبة أنفسهم ومحاسبة بعضهم، بشوق وتقبل، لا بضيق وتبرم". وذكر العالم المقاصدي أن "المشكلة التي تجرف الناس عموما، والسياسيين خصوصا، نحو منحدر التقصير والتبرير، هي تركهم للأمور تمضي بلا محاسبة يومية، وبلا توبة يومية. والتوبة هنا تشمل كل تدارك وتصحيح. فمرور أيام أو أسابيع بلا محاسبة ولا توبة، وبدون تدارك ولا تصحيح، يؤدي إلى التراكم والانجراف التدريجي، وهو ما يثقل كاهل صاحبه ويجعل قيامه بالتدارك والتصحيح أصعبَ وأثقل مرة بعد مرة، ويكون البديلُ السهل هو الانزلاق في مسلسل التبرير والدفاع عن النفس، واتهامِ المناوئين والمتآمرين ومردة الشياطين". وأورد الريسوني حالة المغرب في سياق ضرب المثال، وقال: "كان رئيس الحكومة وعددٌ من وزرائه يتصرفون ويتكلمون في البداية وما قبل البداية بدرجة عالية من الشفافية، ويدافعون عن هذه الشفافية، ووجدوا لهم في ذلك سندا قويا من الدستور، ولقُوا من الشعب كل ترحاب وإعجاب. ثم سرعان ما بدأت العتمة تزحف على أعمالهم وأقوالهم، وبدأ الدفاع عن العتمة والضبابية يحل محل الوضوح والشفافية". أبرز المتحدث ذاته أن التعتيم مَدعاةٌ للشك والريبة، خاصة إذا تكرر واستمر. "فإذا جاء ما يوضح ويضيئ ويُطَمْئن فذاك، وإلا تمكنت الشكوك، وتزعزعت الثقة، وتأكدت المخاوف. فمن عَتَّم فإنما يُعتم على نفسه، ويثير الشبهة في تصرفه"، مضيفا: "من الإسلاميين من يقولون: هذه فرصة تاريخية طالما انتظرناها وانتظرتها شعوبنا، ونحن لا نأمن أن تضيع هذه الفرصة وتضيع معها فرصة الإصلاح الحقيقي الذي نحمل رايته وأمانته، وفي ذلك ما فيه من خسارة للإسلام وللمشروع الإسلامي في هذا العصر. ولذلك لابد لنا من المسايسة والمكايسة لكي نحافظ على هذه الفرصة ونستثمرها، خدمة للإسلام والمسلمين". وختم الريسوني رسالته بقوله: "الإسلاميون يخافون على الإسلام وعلى المشروع الإسلامي، وأنا أخاف من خوفهم هذا، لأنه يضر من حيث يريدون النفع، ومن الحب ما قتل".