غالبا ما تثير الساعات الأخيرة من حياة المستبدين والدكتاتوريين كثيرا من المداد. والزعيم الليبي المقتول معمر القذافي واحد من هؤلاء. لكن رغم كثرة ما كتب عن لحظات حياته الأخيرة، إعلاميا على الخصوص، لم ينتبه الروائيون إلى ليلته، أو عشائه الأخير. وهذا ما استدركه الروائي الجزائري ياسمينة خضرا في روايته التي صدرت قبل أيام عن دار «جوليار» الفرنسية تحت عنوان: «La dernière nuit du Raïs». إذ صارت هذه الرواية من أكثر الروايات إثارة للاهتمام بين الكتب الصادرة في فرنسا حاليا، كما ذكرت مواقع عربية وأجنبية. وقد تقمص الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا، في هذه الرواية، شخصية الزعيم الليبي الذي قُتل يوم 20 أكتوبر 2011، بعد أن حكم ليبيا طيلة 42 عاما. إذ تتناول الرواية الساعات الأخيرة من حياة الزعيم الليبي، كما يرويها معمر القذافي نفسه، الذي يظهر في هذه الرواية أيضا في صورة شخصية «فريدة ومتناقضة ومرعبة». تجري أحداث الرواية في مدرسة مهجورة بمدينة سرت الليبية، حيث كان معمر القذافي مختبئا مع بعض رجاله ينتظر العون من ابنه المعتصم، للانتقال إلى مكان آمن في جنوب البلاد. في تلك الليلة المحمومة، يصوره الكاتب أنه لا يزال مقتنعا بإمكانية الإفلات من قدره المحتوم، فيحاول تمرير الوقت عبر توزيعه بعض الأوامر والشتائم على المحيطين به، والتأمل في فصول حياته. وفي هذا السياق، يتعرف القارئ، على لسان القذافي، إلى طفولته التي عاشها في الفقر والذل، واختبر فيها اليتم والمصير المجهول اللذين شكلا الدافع لثورته على قبيلته ووضعه ككل، ثورة لم يلطفها سوى إعجابه بخاله الذي كان يقرأ على ضوء النجوم، وذلك الصوت داخله الذي بدأ يسمعه منذ تلك الفترة، ولطالما أكد له دوره ك«مرشد» لأبناء وطنه. إذ يقول السارد/ القذافي: «لطالما اعتقدت أنني أجسد وطنا، وأجبر أقوياء هذا العالم على الركوع. كنت الرجل الأسطورة. النجوم والشعراء يقبلون يدي. واليوم، ها أنا أسلم ورثتي هذا الكتاب الذي يروي الساعات الأخيرة من وجودي الخرافي. وفي أول التصريحات الصحافية التي أدلى بها صاحب «سنونوات كابول»، قال إنه لو كان بعض الكتاب الكبار، أمثال تولستوي وهوميروس وشكسبير، مازالوا على قيد الحياة، لاهتموا باللحظات الأخيرة من حياة القذافي. بل ذهب أبعد من ذلك، حينما صرح أن الكاتب والشاعر الفرنسي رابلي كان سيؤلف ثلاثية عن الدكتاتور الليبي في لحظات عمره الأخيرة. وأوضح أن وفاة القذافي تشكل نهاية مأساوية، لكنه أشار إلى أنه يمثل «شخصية استثنائية» تصلح في الكتابة الأدبية. خلاصة القول من هذه الرواية، كما يكشف عنها كاتبها، تكمن في أن الزعيم يتحول إلى دكتاتور، عندما يفتقد إلى مشروع مجتمعي قادر على الانتقال بالشعب إلى مرحلة الإنتاج والتفاعل الحي في جميع المجالات. جدير بالذكر أن ياسمينة خضرا كاتب جزائري، اسمه الحقيقي محمد مولسهول. كان ضابطا في الجيش الجزائري، قبل أن يُحال على التقاعد سنة 2003. كتب عشرات الروايات باللغة الفرنسية، منها ثلاثيته الشهيرة «سنونوات كابول»، «الهجوم» و»صفارات إنذار بغداد»، التي بِيعت منها مئات الآلاف من النسخ.