يروي الكاتب الجزائري، محمد مولسهول، المعروف بين قرائه باسم ياسمينة خضرا، تفاصيل الساعات الأخيرة من حياة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، في رواية "ليلة الرئيس الأخيرة" التي صدرت حديثا عن دار "جوليار" الباريسية. وقد أراد الكاتب من خلال تناوله للأيام الأخيرة من حكم الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، معرفة نفسية الديكتاتور الراحل. وأضاف: "راودتني فكرة كتابة رواية عن اللحظات الأخيرة من حياة الرئيس الليبي السابق معمر القذافي لأنه شخصية قابلة لأن تنتقل لعالم الرواية، وبالفعل أعتبره شخصية شكسبيرية، تعطى الروائي تلك القدرة الفائقة على تناول جوانب من المأساة الإنسانية". وتابع: "لقد حاولت الانغماس في شخصية القذافي كديكتاتور يحمل بذور فنائه ككل ديكتاتور مهما كانت جنسيته، وأردت معرفة أدق تفاصيل حياته، ومعرفة ما أوصله لأن يكون ديكتاتورا. وكتبت الرواية بضمير المتكلم، حتى أعطيه الفرصة لكى يتحدث عن نفسه خلال ساعاته الأخيرة، وهو يعيش انهيار بلاده". وذكر: "أعتقد أن الديكتاتوريين عبر العالم لهم جميعا صفات واحدة، فهم يتشابهون جميعا عند ميزتين هما أنهم حبيسو تصوراتهم وتعاليهم وخضوعهم لمنطق أن لا أحد بإمكانه أن يحاسبهم، ومن هنا تجدهم يفقدون الصلة بالجنس البشري. ويعتقد أنهم ضحايا الثقة المطلقة التي يضعها فيهم الشعب الذى انتخبهم. هذا هو موضوع روايتي، لقد أردت فهم السلوك البشرى وهو ينحو نحو الحكم المطلق". وأوضح خضرا أنه ولأول مرة تصدر رواية مترجمة للغات عديدة في نفس الوقت وهى الفرنسية، الانجليزية (بالنسبة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة)، الإسبانية، البرتغالية، البولونية، الإيطالية، والألمانية. الرواية تعود بالزمن إلى الوراء لتحكي سيرة حياة هذا الرئيس المثير للجدل، كي تفسر مسارات حياته في ما بعد، وتنطلق الأحداث من مدرسة صغيرة بمدينة سرت، حيث كان القذافي مختبئا يترقب وصول العون بعد أن حاصرته جحافل الثوار. وفي حيز زمني لا يتعدى ساعات تلك الليلة الأخيرة للقذافي، يسبح الروائي الجزائري في محطات حياة القذافي، مستعرضا أغربها وأقواها لتقريب القارئ من هذا الرئيس العربي الذي أثار انتباه الشعوب طيلة سنوات حكمه، بسبب أساليبه الغريبة وتوجهاته المختلفة. في السياق ذاته، يفضح الكاتب طبيعة العلاقات التي كانت تجمع القذافي ببعض زعماء العالم الذين كانوا يفرشون السجاد الأحمر لاستقباله. ولا تكمن قيمة هذه الرواية كما عبر عن ذلك، أنطوان جوكي، في التفاصيل المعروفة بقدر ما تكمن في اختيار خضرا لسردها صيغة المتكلم التي تسمح بالانزلاق تحت جلد القذافي." ملخص رواية «الليلة الأخيرة للرئيس»: أحداث الرواية تقع في مدرسة مهجورة بمدينة سرت الليبية، حيث كان القذافي مختبئا مع بعض رجاله ينتظر العون من ابنه المعتصم، للانتقال إلى مكان آمن في جنوب البلاد. في تلك الليلة المحمومة، نراه لا يزال مقتنعا بإمكانية الإفلات من قدره المحتوم، فيحاول تمرير الوقت عبر توزيعه بعض الأوامر والشتائم على المحيطين به، والتأمل في فصول حياته. وفى هذا السياق، نتعرف -بلسانه- إلى طفولته التي عاشها في الفقر والذل، واختبر فيها اليتم والمصير المجهول اللذين شكلا الدافع لثورته على قبيلته ووضعه ككل، ثورة لم يلطفها سوى إعجابه بخاله الذى كان يقرأ في النجوم، وذلك الصوت داخله الذى بدأ يسمعه منذ تلك الفترة، ولطالما أكد له دوره ك"مرشد" لأبناء وطنه. جنون العظمة وما سيعزز مصداقية هذا الصوت داخله، وبالتالي جنون العظمة الباكر لديه تمكنه من متابعة دراسته بخلاف جميع أفراد عائلته، وإنهاء هذه الدراسة في بريطانيا، ثم ترقيه داخل الجيش وتأثر بعض رفاقه في هذه المؤسسة بخطاباته النارية ضد الوضع القائم في ليبيا وضد الملك المسؤول في نظره عن هذا الوضع. ومع وصوله إلى السلطة لن يلبث هذا الجنون أن يتحول إلى سادية وحشية يبررها في نظره "نجمه الساطع" ودوره ك"مخلص منتظر". هكذا، سيفتتح عهده بالانتقام من الفتاة التي أحبها في صغره ورفض والدها تزويجها منه عبر قتل هذا الأخير واختطاف ابنته واغتصابها على مدى أسابيع. سادية لن تتوقف عند هذا الحد، بل ستطال بسرعة من ساعدوه على الوصول إلى الحكم، ثم كل من سيتجرأ على معارضته أو ينتقد سلوكه أو حتى يثير ارتيابه. "يشير الكاتب إلى طبيعة العلاقات التي كانت تجمع القذافي ببعض زعماء المنطقة العربية والعالم، الذين كانوا يفرشون السجاد الأحمر لاستقباله". فعلى لسان "المرشد" نقرأ: "منشدو القومية العربية كانوا يعظمونني بصوت عالٍ، وزعماء العالم الثالث يأكلون في يدي، والرؤساء الأفارقة يشربون من نبع شفاهي، والثوار المبتدئون يقبلون جبيني لبلوغ النشوة". وعبر وصفه الحرب في شوارع مدينة سرت في الجزء الأخير من الرواية، يغمز خضرا من دون شك إلى الوضع الراهن لليبيا التي لم ينته فيها التقاتل أو عمليات القمع، وبالتالي إلى الإهمال الذى يعانيه هذا البلد من الدول العظمى التي ساهمت بقوة في تصفية طاغيته، بعدما كرمته طويلا بدافع المصلحة أو الخوف مما كان قادرا على كشفه. الرجل الأسطورة فحتى اللحظة الأخيرة نراه يكرر لنفسه أنه فعل ما فعله لصالح شعبه، الذى يبدو له ناكرا للجميل نظرا للثورة عليه، مما يجعله يقود تأملات في المستقبل "القاتم" لليبيا بعد رحيله، ويحمد نفسه بكلمات تعكس "ذهانه المرضى" كما في قوله: "أنا معمر القذافي، الأسطورة متجسدة في رجل، إن كان عدد النجوم في سماء سرت قليلا هذا المساء، والقمر أشبه بقصاصة ظفر فلكى أبقى كوكبة النجوم الوحيدة التي لها اعتبار". وتكمن قيمة الرواية أيضا في عدم حصر خطابها في التأثير السلبى للقذافي على ليبيا، فمن حين إلى آخر لا يتردد فى تناول إنجازاته التي لا يمكن نكرانها، مثل توحيده بلدا كان ممزقا إلى قبائل، والتشييد العمراني الذى قاده، وتطويره حقوق المرأة إلى حد ما.