أثار تقديم 50 امرأة كفصل عشائري، أي ك"تعويض"، في محافظة البصرة بين عشيرتين، إثر خلاف بينهما استخدمت فيه أنواع الأسلحة كافة، وأسفر عن قتلى بين الطرفين، ضجة واسعة في المجتمع العراقي، فيما يعرف بزواج "الفصلية"، وهو أن تقدم النساء تعويضا لعشيرة المقتول وأبناء عمومته، بحسب المختصين. وكشف مجلس أعيان محافظة البصرة، أنّ "نحو 50 امرأة، بعضهن قاصرات، قدمن ك"تعويض" في قرى شمال البصرة، إثر خلاف مسلح بين عشيرتين أسفر عن قتلى وجرحى بينهما". وقال المتحدث باسم مجلس أعيان البصرة، الشيخ محمد الزيداوي، في تصريحه، إن "11 امرأة قدمت كفصل عشائري (كتعويض) بين عشيرتين متخاصمتين، كما حدث "فصل" عشائري آخر قدمت فيه 40 امرأة أخرى كتعويض "فصل" بين عشيرتين في منطقة أخرى، حدث بينهما صدام مسلح"، معتبراً أن "هذا الفعل منافٍ للأخلاق والشرائع السماوية، وأننا نحمل رئيس الوزراء والحكومتين المركزية والمحلية، في البصرة والقيادات الأمنية، مسؤولية هذا الانتهاك الصارخ في حق الإنسانية والمتمثل في جعل المرأة فداءً وثمناً". واستنكرت المدافعات عن حقوق المرأة هذه ال"سنينة" أو الاتفاق العشائري الذي يقضي إلى تقديم النساء كتعويض بين عشيرتين متحاربتين، كونه يخالف جميع التشريعات الدينية والأرضية، بحسب العديد من الناشطات. وقالت رئيسة جمعية الدفاع عن حقوق المرأة العراقية، منتهى الحسني، إن "هذه التقاليد العشائرية الممتهنة للمرأة تقترب في سلوكها من تصرفات تنظيم "داعش"، الذي يقر باستعباد النساء ويتخذهن كجواري، وهو فعل وتصرف عشائري منافٍ لكل خلق وعقل وفكر إنساني". وأضافت الحسني ل"العربي الجديد" أن "زواج "الفصلية" ينتشر في جنوبالعراق تحديداً، وهو من العادات والتقاليد المتبعة لدى عشائر جنوبالعراق، وتقضي هذه التقاليد أو زواج الفصلية، أن تقدم المرأة كتعويض حتى لو كانت قاصراً، وهو ما يعرف بال"فصل" بين عشيرتين يحدث بينهما خلاف مسلح يسفر عن قتلى بين الطرفين". ويعتبر زواج "الفصلية" أحد أبرز التقاليد المتبعة بين عشائر جنوبالعراق منذ قرون، والذي يمتهن المرأة بشكل كبير ويسلبها كرامتها وإرادتها وقيمتها الإنسانية بحسب الناشطات. وأوضحت الناشطة في شؤون المرأة، ربى العبيدي، أن "تصرفات العشائر وعاداتها وتقاليدها تجاه المرأة تدل بلا شك على أننا ما زلنا نعيش في عصر الجاهلية الأولى، حيث لا كرامة للمرأة ولا قيمة سوى أنها سلعة تباع وتشترى للأسف". وتابعت العبيدي: "من المخزي أن نرى شابات في عمر الزهور بعضهن قاصرات يقدمن كتعويض (فصلية) بين عشيرتين حدث بينهما خلاف مسلح بسبب رجال لا يملكون القدرة على التعقل، وحلّ تلك الخلافات من رجل لرجل، فيلجأون إلى زج بناتهم ونسائهم في هذه الخلافات ليقدمن في النهاية كضحية لخلافاتهم، وكأنهن مجرد سلعة بأيديهم، وكأننا نعيش في عصر الجواري وسوق النِّخاسة". وندد سياسيون بهذا التصرف من قبل بعض عشائر البصرة، مستنكرين بشدة هذه العادات والتقاليد ومطالبين بالقضاء عليها بالقانون. وقالت عضو مجلس محافظة البصرة، نجلاء التميمي، في تصريح صحافي، إن "على الرجل أن يسلم نفسه أو يخسر داره وكل ما يملك للحفاظ على ابنته، ولا يهدر قيمتها أو يجعلها ضحية أو "فصلاً" لمثل هذه الخلافات العشائرية، كون هذا التصرف معيباً ومخزياً ومخجلاً جداً". وكثرت النزاعات العشائرية في محافظة البصرة وعدد من محافظاتجنوبالعراق، وتطورت لاستخدام الرشاشات الثقيلة ومدافع الهاون، وشهدت قتلاً وتمثيلاً بالجثث بين الأطراف المتنازعة، والضحية في نهاية الخلاف تكون المرأة التي ستقدم في النهاية كتعويض"فصل" عن القتلى الذين سقطوا بين الطرفين. كما يوضح رجل الدين، الشيخ عقيل الدراجي، ل"العربي الجديد"، أن "العديد من عشائر البصرة تصاعدت خلافاتها بشكل كبير، وخرجت عن القانون بشكل واضح إلى درجة استهداف المواطنين الأبرياء في الشوارع والأسواق من العديد من العشائر بحجة الثأر". ويضيف: "من المخزي والمعيب جداً، أن تستمر هذه العادات والتقاليد الجاهلية المتخلفة التي تمتهن المرأة وتهينها بهذا الشكل المعيب، وتقدمها كسلعة وضحية لخلاف عشائري لا ناقة لها فيها ولا جمل، وهو أمر محرّم شرعاً بلا أدنى شك". ويعتبر مراقبون أنَّ ضعف سلطة الدولة جعل العشيرة وأعرافها هي السلطة الأعلى في البلاد، مطالبين بوقفة رجال الدين والمثقفين ورجال القانون لتحريم تقليد "زواج الفصلية" ومعاقبة متبعيه". عن "العربي الجديد"