حاول الوزير الأول السابق إدريس جطو أن يتحاشى الرد بكل مايسيء إلى المفكر عبد الله العروي الذي وصفه ب«صاحب التحليلات التافهة»، إذ قال إن من قاد الحكومة غير مؤهل لتقييمها مواجهة ساخنة بين رجلين من العيار الثقيل: إدريس جطو، الوزير الأول السابق، والرئيس الحالي للمجلس الأعلى للحسابات، وصاحب كتاب «خواطر الصباح» عبد الله العروي. جطو، الرجل المقل في تصريحاته والبعيد عن الأضواء، يخرج عن صمته، ليعلق على ما طاله من «خواطر» وأوصاف وتأملات في كتاب «خواطر الصباح»، الذي يعد الجزء الرابع من سلسلة يدون فيها المؤرخ والسياسي عبد الله العروي تأملاته حول المرحلة، والتي وصفه فيها ب«صاحب التحليلات السياسية التافهة»، وأن تعيينه كان «خطوة إلى الوراء». تحدث جطو إلى «اليوم24»، قائلا، «لقد طالعت بعض السطور المتفرقة حول ما كتبه المفكر والفيلسوف عني وعن تجربتي في الوزارة الأولى، وسأقتني الكتاب لأقرأ بشكل مدقق خواطر السي العروي، لكن يجب أن أؤكد على أنه لا يمكنني مواجهة شخصية من هذا الحجم والوزن، وعلى هذا المستوى من المعرفة والعمق مثل المفكر عبد الله العروي، والذي بالمناسبة يشترك معي في الانتماء إلى المنطقة نفسها، (أزمور)، غير أنني أرى أنه من الضروري التوضيح أنني لم أطلب شيئا، ولم يسبق لي أن طلبت أن أكون وزيرا أول، أو سعيت إلى أي وزارة، وأعتز وافتخر بكوني تحملت المسؤولية في فترة دقيقة من تاريخ وطننا، وقد فعلت كل ما استطعت وقدمت كل مجهوداتي». وبنوع من الإحساس بالمرارة، يستطرد جطو «أود، أيضا، أن أشير إلى أنني ابن الشعب وليس لدي حزب أو جهة تحميني، وكل الوزراء والهيئات السياسية التي كانت مع الأستاذ اليوسفي في حكومة التناوب، أكملت معي المسار، وهي نفسها التي دعمتني وأعطتني ثقتها، وعندما قدمت البرنامج الحكومي في البرلمان، زكّاني الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بقيادة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، وأفتخر بأن الاتحاد قبل أن يشارك في حكومتي، بل هو من اختار وزراء حزبه في حكومتي، والتي كانت بمكوناتها استمرارا لحكومة التناوب». وردا على اعتبار أن حكومته عرفت تراجعا عن حكومة التناوب فيما سمي الخروج عن المنهجية الديمقراطية، قال جطو: «اليوسفي ساعدنا في تكوينها (الحكومة)، وأيّدنا في جميع القرارات التي كنا نتخذها، وهو ما كان بمثابة تشجيع لي على تحمل المسؤولية، ولا أعتقد أنه كانت هناك قطيعة بين حكومتي وحكومة التناوب. لقد اشتغل قياديون اتحاديون كبار إلى جانبي مثل اليازغي وفتح الله ولعلو والحبيب المالكي والأشعري.. أتفهم أن عددا من المفكرين والسياسيين اعتبروا تعييني (خروجا عن المنهجية الديموقراطية). لست بليدا أو غير متابع لأقول إنني لا أفهم ذلك، لكن إذا ظهر لهم أن ذلك شكل قطيعة أو تراجعا، فلهم ذلك. طبعا قبلت بالمسؤولية في ظل الشروط التي توفرت لي، والتي سبق لي أن شرحتها». في الجزء الخاص بكتاب عبد الله العروي والموسوم بعنوان: «المغرب المستحب أو مغرب الأماني»، والذي خصه للفترة ما بين سنوات 1999/ 2007، وخصوصا مرحلة انتقال الحكم في المغرب من الراحل الحسن الثاني إلى الملك محمد السادس، والذي نُشرت خلال هذا الأسبوع مقتطفات منه على صفحات عدد من المنابر الوطنية، أفرد المفكر المغربي فقرة خاصة للوزير الأول السابق إدريس جطو، حين كتب في يوميات الأربعاء 9 أكتوبر 2002، «خبر سيء: أسندت لوزير الداخلية الحالي، صاحب التحليلات السياسية التافهة، مهمة تشكيل الحكومة الجديدة. سيجد الكثيرون أعذارا شتى لهذه الخطوة: المشكلات الاقتصادية، الإصلاحات الملحة، التوتر مع إسبانيا، الأزمة المستعصية مع الجزائر..إلخ، لكن كل هذه التأويلات لن تحجب الحدث الأهم وهو أنها خطوة إلى الوراء، عودة إلى حكومة التقنوقراط، أخطأ من قال إننا نسير على النهج الديمقراطي ولا نخاف أدنى نكسة. سجلت في هذا الكناش بعض الإجراءات التمهيدية لهذا التراجع، وقد يقول البعض إن ذلك كان مخططا قبل وفاة الحسن الثاني.. بدا الوقت مناسبا بعد أن تمت الانتخابات في ظروف مقبولة وكانت النتائج غير حاسمة. يستطيع الوزير الأول المعين أن يؤلف حكومة مع أحزاب الوسط مستغنيا عن اليسار وحتى عن حزب الاستقلال، وينهي بذلك فترة التناوب. سيقال إنها كانت فاشلة، لكنه لن يرتكب هذا الخطأ تناوب بدون تناوب. هذا ما ينتظرنا بدون شك». إدريس جطو قبل أن ينهي حديثه مع «أخبار اليوم»، قال «من يحكم على التجربة ليس هو من قادها، بل ماذا حققت من نتائج؟ وهو أمر موكول للشعب، الذي عليه أن يبحث كيف دخلنا وماذا تركنا بعد خروجنا. أنتم، أيضا، عليكم أن تبحثوا في ذلك وتنبشوا في تلك المرحلة، أما أنا فضميري مرتاح، وإذا كنت قد أخطأت، فأطلب من المغاربة أن يسامحوني».