هل تصدقون أن ثمن الغاز في السوق الدولي نزل بما يقرب من 40 في المائة، لكن تكلفة الدعم في المغرب زادت بما يقرب من مليار درهم سنة 2014؟ هل تصدقون أن 65 في المائة من الغاز المدعم لا تذهب إلى مطابخ البيوت، بل تُستهلك في كبريات الضيعات الفلاحية التي تصدر منتجاتها إلى الخارج، وتستفيد من إعفاءات ضريبية كبيرة، ومن 80 درهما عن كل قنينة غاز تستعملها لاستخراج مياه السقي من الآبار، وأن بعض الضيعات تستهلك العشرات من قنينات الغاز الكبيرة كل يوم؟ هل تصدقون أن صندوق المقاصة يدفع لشركات المحروقات كل ما تطلبه، وأنه لا يملك الوسائل ولا الإمكانات ولا الأطر ولا الشجاعة ليدقق مع هذه الحيتان الكبرى في الكميات المستوردة والمستهلكة من الغاز والبترول والفيول والغازوال، وأن صندوق الدعم يؤدي ثمن الفواتير التي توضع فوق مكتبه وعيناه مغمضتان؟ هل تعرفون أن الحكومة ستربح المليارات من الدراهم إن هي وزعت قنينات الغاز على المواطنين بالمجان وقطعت الدعم عن الغاز الذي يذهب إلى الجيوب الكبيرة؟ هل تعلمون أن شركات المحروقات الكبرى عندما فقدت «بزولة» الدعم المخصص للبترول والغازوال والفيول لجأت إلى تضخيم فواتير الغاز لأن هذا الأخير هو كل ما بقي أمامها من مواد مدعمة، وأن عمليات مخدومة جرت لتوزيع أكبر قدر من الدعم على نقل قنينات الغاز وتوزيعها وتخزينها، وذلك للالتفاف على نزول سعر الغاز في السوق الدولي، وبقاء هوامش الربح على حالها مهما كان سعر الغاز في السوق؟ القصة أصبحت مكشوفة، والحيلة لم تعد تنطلي على أحد. جزء كبير من الدعم الذي كان يخرج من ميزانية الدولة في اتجاه صندوق دعم المحروقات كان يضل طريقه ويذهب إلى جيوب الكبار، والخدعة كامنة في النفخ في كميات المحروقات التي يقال إنها تستورد، وترك الصندوق إدارة بلا أسنان ولا أظافر حتى لا ترى ولا تسمع ما يقع، والآن عندما توقف الدعم عن ليسانس والغازوال والفيول الصناعي توجهت الأصابع الخفيفة إلى فاتورة الغاز، ونفخت فيها من روح الفساد، وأصبحنا أمام مليار درهم زيادة في ميزانية دعم الغاز برسم 2014، في الوقت الذي نزل ثمن الغاز في السوق الدولي إلى حوالي النصف، والحكومة عندما وقفت على حقيقة ما كان يجري مع المحروقات عمدت إلى رفع الدعم عن الفيول والبترول والغازوال، أي أنها أقفلت الصنبور الذي كان يتسرب منه مال كثير إلى جيوب اللوبيات الكبيرة، عوض الدخول في مواجهات خاسرة معها… الدولة لا تظهر قوية إلا أمام الضعفاء والمساكين والأشخاص الذين لا يتوفرون على خالة أو عمة في العرس. أما الأشخاص النافذون والذين يعرفون من أين تؤكل الكتف، والذين يتوفرون على لوبيات للضغط قوية وأذرع للحماية تبطش بكل من يقترب منها، فإن الدولة تقف أمامهم عاجزة، أما القضاء فإنه يظهر كقط أليف في زاوية بعيدة لا يهش ولا ينش أمام قلاع الريع الحصينة… ما العمل الآن؟ إذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن فاتورة الغاز ستقفز إلى 20 مليار درهم هذه السنة، والدعم الذي خرج من الباب سيرجع من النافذة، والمليارات التي ربحها بنكيران من رفع الدعم عن البترول والغازوال والفيول سيخسرها في دعم الغاز الذي لا يستفيد منه الفقراء ولا مستهلكو غاز المطبخ، بل يذهب ريع هذا الدعم إلى الشركات البترولية وأصحاب الضيعات الفلاحية الكبيرة؟ الحل المؤقت هو تدخل الدولة للإشراف على استيراد الغاز، والاتفاق مع دولة أخرى أو عدة دول على ثمن تفضيلي، وإلزام الخواص بشراء الغاز من جهة معلومة ووفق اتفاق إطار توقعه الدولة مع المستوردين والجهة المصدرة، وبهذه الطريقة تعرف الإدارة ما يدخل وما يخرج من الغاز إلى المغرب، وتتحكم في أسعاره. ثانيا، لا بد من إزالة كثرة أنواع الدعم على قنينات الغاز. ثالثا، لا بد من إجبار أصحاب الضيعات الفلاحية على استهلاك قنينات أخرى من الغاز غير المدعومة، ووضع ذلك شرطا للاستفادة من كرم المخطط الأخضر. أما الحل الأنجع فهو إزالة الدعم نهائيا عن الغاز، وصرف تعويضات مباشرة للفقراء لشراء غاز المطبخ على قاعدة بطاقة المساعدة الطبية رميد، وبهذا تكون الحكومة قد التزمت بدعم غاز الفقراء، وفي الوقت نفسه توفر المليارات من الدراهم التي تتسرب من أموال الدعم إلى الحسابات السمينة. هذه هي السياسة الاجتماعية الحقيقية، أما ما نفعله اليوم فهو زيادة الشحم في ظهر المعلوف ليس أكثر، واستعمال غاز الفقراء لتدفئة مؤخرة الأغنياء…