عاد الجدل حول قانون الإرث وتحريره من إلزاميات الشريعة الإسلامية وتمكين المرأة ومساواتها بالرجل يطفو على السطح مجددًا ويتصدر مرة أخرى قائمة اهتمامات الشارع المغربي خلال الأيام القليلة الماضية، بعد دراسة نشرها عالم دين وداعية مغربي في أجزاء متتالية وتناقلتها وسائل الإعلام المغربية على نحو واسع. ويُدافع الداعية المغربي، مصطفى بنحمزة، في دراسته عن المقاصد المؤطرة لقانون الإرث في الشريعة الإسلامية، ويرد خلالها بصريح الكلام ومُبطنه على الجهات الحقوقية واليسارية الداعية إلى التخلي عن الخصوصية الدينية والثقافية عند طرح قضايا المرأة وحقوقها، والالتزام حرفيًّا بتشريعات القانون الدولي القاضية بالمساواة الكاملة بين الرجال والنساء، دون اعتبار لخصوصية مجتمعات بعينها وتشريعاتها الدينية. وتأتي هذه الدراسة بعد مضي نحو أقل من عام على حالة الجدل التي أثارها إدريس الشكر، زعيم حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حين طالب بمُراجعة قانون الإرث وتحريره من إلزاميات الشريعة الإسلامية، وإحالته للقانون الوضعي وتحقيق المساواة بين النساء والرجال على حد السواء. فحين طالب الشكر، أواخر العام الماضي، بمُراجعة قانون الإرث وتحريره من إلزاميات الشريعة الإسلامية، وتحقيق المساواة بين النساء والرجال على حد السواء، كان على الأرجح على علم بما سيثيره هذا الموقف من سجال جديد - قديم حول وضعية المرأة في المغرب، وما تمثله حساسية هذا الموضوع من نقطة اشتباك رئيسية مع خصومه الفكريين، دون أن يذهب به الظن حد الاعتقاد أنه سيصبح موضع اتهام ب"الكفر والزندقة" من قبل أحد شيوخ التيار السلفي. وقال عبد الحميد أبو النعيم، في شريط مصور بث على موقع مشاركة مقاطع الفيديو على الانترنت "يوتيوب"، مطلع شهر يناير الماضي، إن "أحد قادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو لشكر قال في ملتقى من ملتقياتهم يجب إزالة قضية للذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث، وأن تعدد الزوجات نوع من أنواع الإجرام، وما إلى ذلك من الكفر البواح، والحرب الضروس على القرآن والسنة". ورأى الشيخ السلفي نفسه أن "حزب الاتحاد الاشتراكي معروف بكفره، وتاريخه تاريخ الكفر، فمنذ الخمسينيات وهم ينشرون الكفر في مجالسهم العامة والخاصة"، على حد قوله. وفي فبراير الماضي، أصدرت محكمة مغربية حكمًا بالحبس شهرا مع وقف التنفيذ في حق الداعية السلفي أبوالنعيم لاتهامه "بسب وقذف هيئات ومؤسسات حكومية وتكفير شخصيات سياسية"، أبرزها إدريس لشكر، زعيم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. المبررات والحجج التي قدّمها الداعية المغربي بنحمزة، والذي يشغل عضوية المجلس العلمي الأعلى في المغرب، يرى فيها كثيرون عودة للنقاش إلى مساره الطبيعي، في مجتمع لا يزال يتلمس طريقه على مسار الانتقال الديمقراطي، ولا يزال عدد من الأسئلة الملتهبة، حول قضايا ساخنة كحقوق الأقليات، والمرأة، والدين وغيرها، تطرح للنقاش بقوة في الفضاء العام، باحثة عن توافقات يلتف حولها المجتمع بسائر مكوناته، دون اتهام البعض ب"الكفر"، أو وصم آخرين ب"الرجعية والتخلف". ويقول بنحمزة، في دراسته التي نشرها على موقعه الخاص على الإنترنت، أن الدعوات التي ارتفعت مؤخرًا لإقرار مساواة كاملة بين النساء والرجال، خاصة فيما يتعلق بتوزيع الميراث، "لا تستحضر المقاصد السامية التي تحكم هذا التشريع الإسلامي في مقدمتها توسيع قاعدة المستفيدين، حرصا على عدم تركيز الثورة في أيد قليلة"، على حد تعبيره. ويرى الداعية المغربي أن ما تركن إليه أطروحات بعض الحقوقيين والتيارات السياسية، من قبيل تغير أنماط العيش، وخروج المرأة إلى ميادين العمل وإعالة الأسرة، وحصولها على راتب، على غرار الرجل، لا يعد خاصية تميز الحاضر الحالي، عن الماضي الغابر، حيث كانت النساء في عهود الإسلام الأولى حين أقر هذا التشريع، صاحبات ثروة أيضًا، ومشاركات في مختلف صنوف التجارة الشائعة في عصرهن. ودعا بنحمزة، في ذات الآن، المطالبين بإلغاء قانون الإرث الإسلامي إلى إلغاء نصوص قانونية أخرى في مدونة الأسرة المغربية والتي تلزم الرجل بالإنفاق على الأسرة وتجعل الأمر اختياريًا بالنسبة للمرأة. أما القول بوجوب إلغاء العمل بالتشريع الإسلامي في مجال قسمة الإرث لكونه يتعارض مع مقتضيات الدستور المغربي الحالي، الذي يدعو بصريح النص إلى المساواة بين الرجال والنساء، فمردود عليه – بحسب بنحمزة – باعتبار أن الدستور المغربي يؤكد على أن الإسلام هو خيط ناظم لمختلف التشريعات في القانون المغربي لا يتوجب أن تتعارض وقطعياته الأساسية. ويعتبر بنحمزة أن الاستناد إلى المواثيق الدولية والمعاهدات التي تقر بضرورة المساواة الكاملة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجيات، يغفل في ذات الآن الأولوية التي تعطى للقوانين الوطنية خاصة تلك المرتبطة بالتشريعات الدينية، والخصوصية الهوياتية والدينية للبلاد. ويضيف بن حمزة، في دراسته، أن "خطاب المساواة الشائع عالميًا والذي تستند إليه بعض الأطراف السياسية والحقوقية في المغرب في دفاعها عن قضايا المرأة، تعتريه جملة من النواقص والأعطاب، تجعله محل شك ومساءلة، فهو لا يعدو عن كونه تشريعًا فرضته الجهات المُتغلبة دوليًا". ويتابع: "فالمسيحية لا تسمح للمرأة بأن تكون على ذات مستوى الرجل في الأهلية لممارسة الوظائف الدينية، فلا تشارك في انتخاب رئيس الكينسة، ولا في رعايتها، ولم تُطالب بشأنها هذه المواثيق مُساواة كاملة، لأنها ذات خصوصية دينية لهذه المجتمعات، فيما الأحكام ذات الصلة بالشريعة الإسلامية وحدها من تتعرض لشتى الهجمات تحت ذرائع مختلفة، على حد قوله. والجدل حول قضايا المرأة، خاصة تلك المرتبطة بالقوانين المؤطرة لحقوقها، ليس وليد اليوم في المغرب، بل كانت كبريات مدن البلاد قد عاشت سنة 2000 على وقت مظاهرات حاشدة، ومسيرات أخرى مضادة بعد احتدام الصراع بين التيار الإسلامي بقيادة حزب العدالة والتنمية المعارض آنذاك، وأحزاب يسارية في مقدمتها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بشأن "خطة وطنية لإدماج المرأة في التنمية" والخلاف بشأن بعض بنودها، خاصة تلك المتعلقة بالتشريعات الإسلامية كمنع التعدد ورفع سن الزواج إلى 18 سنة تقدمت بها الحكومة المغربية التي كان يقودها حزب الاتحاد الاشتراكي اليساري، ما استدعى تدخل العاهل المغربي للتحكيم، وفض الخلاف، وإصدار "مدونة جديدة للأسرة" (قانون الأسرة) اعتبرها كلا الفريقين نصره الخاص. ومنذ عقود ترفع الجمعيات الحقوقية المغربية شعارات تطالب بحماية حقوق النساء وتحسين أوضاعهن وإلغاء كافة أشكال التمييز في حقهن، وتطالب النساء في المغرب برفع تمثيلهن في مراكز صناعة القرار، وتولي مناصب عليا في البلاد، وإسقاط قوانين تعتبرنها تمس بحق المرأة كمواطنة متساوية الحقوق مع نظيرها الرجل. في الوقت الذي تقول الحكومة المغربية الحالية أنها أطلقت خطة أسمتها "إكرام في أفق المناصفة" لتفعيل المناصفة والمساواة بين الجنسين، بدأت في تفعليها السنة الماضية، وتنظر أن تزهر ثمارها في المجتمع واقعا وممارسة. وتعتبر هذه الخطة "آلية للوفاء بالالتزامات المعبر عنها في البرنامج الحكومي، كما تشكل إطارا للتنسيق بين مختلف المبادرات المتخذة لإدماج الحقوق الإنسانية للنساء في السياسيات الوطنية وبرامج التنمية"، بحسب تصريحات سابقة لبسيمة حقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية. وتقول الحكومة المغربية إنها تسعى من خلال هذه الخطة إلى تحسين الأوضاع الحقوقية للمرأة في المغرب، التي "ما زالت تتسم بالهشاشة واللا تكافؤ والإقصاء". وتتضمن الخطة 143 إجراءً من أجل "منع مختلف أشكال التمييز ضد النساء، وتعزيز مبادئ المناصفة والمساواة التي دعا لها الدستور المغربي الجديد" (الفصل 19 من الدستور)، إلى جانب وضع نصوص تشريعية وقانونية من أجل حماية حقوق النساء ومنع العنف ضد النساء والفتيات". وتتمثل الأهداف الرئيسية لهذه الخطة، بحسب بنكيران، في "تأسيس ونشر مبادئ الإنصاف والمساواة والشروع في إرساء قواعد المناصفة، ومناهضة جميع أشكال التمييز والعنف ضد النساء، وتأهيل منظومة التربية والتكوين على أساس الإنصاف والمساواة، وتعزيز الولوج المنصف والمتساوي للخدمات الصحية، إضافة إلى تطوير البنيات التحتية الأساسية لتحسين ظروف عيش النساء والفتيات". كما تسعى أيضًا إلى "التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء والفتيات والأسر، والولوج المنصف والمتساوي لمناصب اتخاذ القرار الإداري والسياسي والاقتصادي، فضلا عن تحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين في سوق العمل". المغرب