خرج ادريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي خرجة ثقيلة وشارذة تدعو لمراجعة احكام الارث وتجريم التعدد وهي دعوة تتوخى : استدراج خصومه الاسلاميين"الظلاميين والرجعيين " لمعركة ايديويوجة معه كممثل للصف "الحداثي التقدمي" تحقيق هدفه الأخير في خلق اصطفاف وشرخ مجتمعي يمهد لحالة فوضى اجتماعية يلعب فيها حزبه دور المعارضة الثقافية كما أعلن عنها وتوعد بها ولم ينجح بعد . الدعوة لايمكن أن تخرج عن سياق الدعوة الى تدريس الدارجة ودعوة تلفيق تهمة العنصرية تجاه الأمازيغ إنه سياق يشهد هجمة شرسة على الهوية بعد الفشل الذريع في الرهان على تبخيس وضرب شرعية الإنجاز الحكومي ومن بعده الرهان على الشارع بعمق مطالبي اجتماعي .. وهي ليست ولايمكن ان تكون دعوة حداثية لأنها تفتقد للعقل وتقوم على كثير من الجهل و قائمة على نزوع ماضوية سنأتي على شرحها . لابد من التأكيد أولا على أن الأسباب السياسية التي تجعل ردنا على هده الدعوة المقيتة كثيرة لكن المقام يقتضي توخي العلمية والموضوعية لأن الأمر لايتعلق بجرأة سياسي على برنامج او قرار سياسي بل بجرأة مفضوحة على الله وعلى أحكامه وعلى الدستور الذي صدعوا رؤوسنا بضرورة تنزيله . إن دعوة لشكر في حقيقة الأمر قديمة جديدة كما هي نزعته الماضوية التي ظهرت مع تعيينه رئيسا لأعتد حزب وطني مغربي حينما أخرج صورة الشهيد بنبركة من الرفوف وتوعد بمعارضة ثقافية وصاح مناصروه في وجه ضيفهم ابنكيران : قتلة بنجلون . هي دعوة يمكن الرد عليها عبر مدخلين الأول قانوني دستوري والثاني علمي شرعي . فمن الناحية الدستورية تعتبر دعوة تعديل أحكام الإرث وتجريم التعدد بحجة ظلمها للمرأة مخالفة للدستور المغربي الذي يشير في الفقرة الثانية من ديباجته الى أن وفي الفصل 1: تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح... . والفصل 3: الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية . والفصل 7 : لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني... ولا يجوز أن يكون هدفها المساس بالدين الإسلامي . والفصل 41 : الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه. ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، بشأن المسائل المحالة عليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة. . كما ينص الفصل 64 على انه : لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان، ولا البحث عنه، ولا إلقاء القبض عليه، ولا اعتقاله ولا محاكمته، بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه، ماعدا إذا كان الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي، أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك. الفصل 175 : لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، وبالنظام الملكي للدولة، وباختيارها الديمقراطي، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور . .إن الفصول السابقة تؤكد تأكيد الدستور الذي هو أسمى نص قانوني على الإسلام كمصدر أول للتشريع وبالتالي فإن أي نص و تشريع يتعارض مع أحكام الشرع سيكون مآاله الرفض والإلغاء لعدم دستوريته وادريس لشكر يعلم ذلك جيدا بحكم تكوينه القانوني ولكنها معارك الغرض منها ليس ربحها ولكن تأخير وتيرة الإصلاح وخلق نقاش عمومي ثانوي لمحدودية افقه " وحساس وخطير " يلهي عن النقاش الحقيقي المتعلق بالتنزيل الديمقراطي للدستور ومحاربة الفساد . أما من الناحية العلمية والشرعية فإن دعوة ادريس لشكر دعوة رجل جاهل و هذه مبررات هكذا حكم كنت أتمنى أن أنأى بنفسي عنه : لقد تمكنت عبقرية ادريس لشكر من حل كل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية واستتب الأمر لقضيته الوجودية لمتعلقة بنكران استعمال الدين في السياسة وكأنه أجهش على خصومه من الاسلاميين ممن يستغلون الدين في السياسة فحان الوقت ليتكلم في السياسة والدين فيستغل السياسة في الدين ويتجرأ بحصانة السياسي على الله سبحانه وتعالى جرأة لايقوم بها الى شيطان أبى واستكبر أوجاهل طغى وتجبر وقد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا". دعوة ادريس لشكر بمراجعة أحكام الارث وتجريم التعدد دعوة تنم عن جهل عميق ومزمن لأن الحديث عن مراجعة هده الأحكام بحجة أنها غير عادلة وتظلم المرأة هو اتهام صريح لله عز وجل بالظلم فالذي شرع التعدد هو الله – سبحانه وتعالى – الذي يقول في الحديث القدسي: { ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا } [رواه مسلم]. هل يمكن أن يحرم الله العادل الظلم ثم يبيح التعدد وفيه ظلم للمرأة ؟ كلا وحاشا لأن الله هو الذي خلق المرأة وهو أعلم بحالها ويعلم أن التعدد لا يضرها أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ [البقرة:140]. ووالراجح أن الله تعالى قد أباح التعدد لمصلحة المجتمع والمرأة في عدم حرمانها من الزواج لأن المرأة ليست فقط تلك التي تسكن مخيلة او جلسات السمر في حضرة ادريس لشكركما أن التعدد المقيد بشروط تشريع من حكيم خبير، لا يطعن فيه ولا يتجرأ عليه إلا من أعمى الله بصيرته بكفر أو نفاق أو عناد أما فيما يخص دعوته لمراجعة أحكام الإرث فهده قمة الجهل لأنها تخلط بي منطق التشريع الوضعي الخاضع للتطور التاريخي ومنطق التشريع الالهي المطلق . نعم ،كانت مسائل الإرث من جملة الأحكام التي عرفت الأخذ والرد، والجزر والمد، إذ كان تقرير قواعدها متروكا لدى الشعوب والحضارات السابقة لماتشتهييه الأنفس والأهواء فانتشر الظلم والحيف بين الناس في التوريث ، ، فيعطى وارث أكثر من وارث ويمنع وارث ، حتى أشرقت الأرض بنور الله وجاء الإسلام بشريعة بعمق أخلاقي حقوقي وأعطت كل ذي حق حقه على وجه الإنصاف والعدل، ومن ذلك العدل في الارث خلافا لماخذ الظلم لأن العدالة ليست دائما هي المساواة بل الإنصاف . وتعد أحكام الإرث في شريعة الإسلام أكبر حجة وأقوى برهان على عدم تأثر هذه الشريعة السمحة بغيرها من الشرائع سواء كانت سماوية أم وضعية ولاسيما ما يدعيه بعض المستشرقين، وقلدهم في ذلك بعض الكتاب من المسلمين إما عن قصد أو جهل من دعوى أن الشريعة الإسلامية قد تأثرت في أحكامها بالقانون الروماني. . هي إذن دعوة مرفوضة من أساسها لأنها جعلت الشريعة الإسلامية خاضعة كأي قانون وضعي للتطور التاريخي الذي يمكن أن يحصل فيه تأثير السابق في اللاحق، ونسي دعاتا أن شريعة الإسلام أمر إلهي صادر من رب عليم منزه سبحانه عن أن تتأثر أحكامه بهواجس وهلوسات المخلوقين ومزايدات السياسيين . ونظام الإرث في الإسلام هو أعدل الأنظمة في المحافظة على حقوق المرأة توريثا وتوزيعا وفي ذلك يذكر المفكر الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب" : "مبادئ المواريث التي نص عليها القرآن على جانب عظيم من العدل والإنصاف ، والشريعة الإسلامية منحت الزوجات التي يزعم أن المسلمين لا يعاشروهن بالمعروف حقوقا في المواريث لا نجد مثلها في قوانيننا". هناك فعلا نوع من التفاضل الكمي بين نصيب الرجل ونصيب المرأة في الارث لكن أساس هذا التفاضل هو ما أرتبط بالرجل من تكليف وأعباء وتبعات تجعل مبدأ الحاجة والمسؤولية مراعى في حقه، قال تعالى: " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم" النساء 34. وفي نفس السياق يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال " وليس الأمر في هذا أمر محاباة لجنس على حساب جنس، وإنما الأمر أمر توازن وعدل، بين أعباء الذكر وأعباء الأنثى في التكوين العائلي، وفي النظام الاجتماعي الإسلامي: فالرجل يتزوج امرأة، ويكلف إعالتها، وإعالة أبنائها منه في كل حالة وهي معه، وهي مطلقة منه …، أما هي فإما أن تقوم بنفسها فقط، وإما أن يقوم بها رجل قبل الزواج وبعده سواء، وليست مكلفة نفقة للزوج ولا للأبناء في أي حال …فالرجل مكلف على الأقل ضعف أعباء المرأة في التكوين العائلي وفي النظام الاجتماعي الإسلامي. ومن ثم يبدو العدل كما يبدو التناسق بين الغنم والغرم في هذا التوزيع الحكيم، ويبدو كل كلام في هذا التوزيع جهالة من ناحية وسوء أدب مع الله من ناحية أخرى، وزعزعة للنظام الاجتماعي والأسري لا تستقيم معها حياة". إن دعوة ادريس لشكر ومن والاه عودة الى الوراء والتخلف والظلم والجاهلية والى ما كان معروفا عند الأمم السابقة التي كانت تبني الميراث على تقديرات بشرية جائرة، وأسس مصلحية ضيقة، فتحرم بعض الورثة من الميراث كالزوجة والبنت كما عند اليهود حتى يبقى المال محصورا داخل الأسرة . ومن أجل ذلك جعلوا الابن مستحوذا على التركة دون غيره من أخواته. وسار على نهجهم المسيحيون لعدم تناول الإنجيل مسائل الميراث. وكان الميراث عند العرب في الجاهلية أشد ظلما قبل مجيء الاسلام ولكن حديث ادريس لشكر عن ظلم نظام الارث في الاسلام ينتمي لروح الجاهلية يحاول عبثا ان يلبسه لبوسا حداثيا ولكن هيهات هيهات .. حريش الحسين