سوريا- تركيا : محمد أحمد عدة أبو عبيدة المغربي اسم مرعب مخيف في كل ربوع سوريا. الرجل الغامض، الذي يضع باستمرار لثاما على وجهه، ويتحدث بلكنة مغربية واضحة، أصبح خلال سنتين علامة من علامات تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، ورمزا لدموية ووحشية داعش. عندما كانت « اليوم24» تقوم بجولتها داخل التراب السوري، كان عليها أن تواجه – باستمرار- السؤال التالي: هل أنت مغربي هل تعرف أبا عبيدة المغربي؟ ظل الاسم يتردد على مسامعنا حتى توصلنا إلى أول خيط في حكاية أمير التعذيب أبي عبيدة المغربي. كانت الخطة تقتضي أن تتصل « اليوم24» عبر (الفيسبوك أو التويتر)، بأحد الإعلاميين السوريين الذين اعتقلهم أبو عبيدة المغربي، ومارس في حقهم همجية أليمة في التعذيب. فلما علم مصدرنا بوجودنا في مدينة غازي عنتاب التركية، قرر أن نلتقي مباشرة. وفي إحدى مقاهي عنتاب، استمعت «أخبار اليوم» إلى شهادة الصِّحافي السوري «أحمد بريمو» الذي سجنه وعذبه واستنطقه أبو عبيدة المغربي، كبير أمنيي حلب لدى داعش. بتأثر واضح، يبدأ أحمد بريمو حكايته التي واجه فيها مباشرة أمير التعذيب، وذلك بعد نشاطه الواضح على مواقع التواصل الاجتماعي ومنشوراته المناهضة لدولة البغدادي. كانت عبارة «تسقط داعش.. تسقط الساقطة» كافية ليقتحم منزله خمسة مسلحين من «داعش» أثناء حفلة عيد ميلاده، ويقتادوه إلى مقر التنظيم بمستشفى الأطفال بحي قاضي عسكر بحلب، وهو مستشفى كانت تتخذه داعش مقرا وسجنا في الآن نفسه، بعد إنزال أحمد إلى الطابق تحت أرضي للمعقل، باشرت عناصر داعش ضربه ثم تقييده في انتظار وصول أبي عبيدة المغربي، حيث عصبوا عينيه، وأخذوه إلى غرفة الاستنطاق. بمجرد دخول أحمد إلى الغرفة، تلقى صفعة شديدة من والي حلب «أبو الأثير»، واسمه الحقيقي عمرو العبسي، وهو داعشي سوري، ما جعل العصابة تتزحزح على عين أحمد، الشيء الذي سمح له أن يلمح طيف الجلاد، في الوقت نفسه سرت حركة غير عادية في المعتقل، لقد وصل أبو عبيدة المغربي، كان الاسم كافيا ليرتعش قلب أحمد.. مضيفا «إنه شخص قاس جدا طويل ونحيل، يتحدث باللهجة المغربية، وبخطى ثابتة تقدم نحو الصحفي المختطف وضربه حتى أسقطه مغشيا عليه، وهو يقول «هذا جزاء كلمة الساقطة». وبينما كان أبو الأثير يسألني عن علاقاتي بناشطين وإعلاميين، كان أبو عبيدة يمعن في ضربي مركزا على مواقع حساسة من جسدي، وهو يحاول أن يوجه الاستنطاق حول ما أكتبه على الفيس بوك. بعد ساعات من التعذيب أغمي على أحمد، ما جعل أبو عبيدة يأمر بحمله إلى الأسفل لجولة أخرى من التعذيب. لقد أعطى أمره للمحقق «أبو حيدر» بتجهيز الكهرباء استعدادا للجولة الثانية. مستشفى الأطفال الذي عذب فيه أحمد بريمو، هو المعتقل نفسه، الذي سجن فيه الصحافي الأمريكي جيمس فولي، والذي يحرسه عدد من السجانين المغاربة، لكن حسب ما سمعه أحمد بريمو الذي قدم شهادته أمام « اليوم24»، فإن أبو عبيدة يمنعهم من التحدث مطلقا مع المسجونين. وأثناء نزول أحمد عبر الدرج سمعه ينهر أحدهم بلغة غريبة، هل هي أمازيغية؟ يقول صحافي « اليوم24»، ليجيب أحمد «لم أفهمها، ليست لغة أوروبية». بعد مقتل الصحافي جيمس فولي كتبت صحف بريطانية أن سجان فولي هو مواطن هولندي من أصل مغربي، لكن هويته الحقيقية غير معروفة. بينما علمت « اليوم24» من مقاتلي أحرار الشام أنه بلجيكي من بروكسيل تحديدا. من جهة أخرى، أكد مقاتل داعشي وهو «عبد الهادي» الذي التقته «أخبار اليوم» في حدود كيليس، أن أبي عبيدة لم يسجن في غونتانامو وليس له أية سابقة بالجهاد، "اليوم24″ : تتجاوز خطوط النار وتدخل إلى قلب سوريا كما أنه لم يأت من المغرب، بل من بلد آخر. أبو عبيدة لم يكن يخشى أحدا حتى أمراء الدولة، يتذكر أحمد بريمو موقفا لأبي عبيدة المغربي، عندما أراد أحد أمراء داعش البارزين «أبو لقمان» إطلاق سراحه لكن أبا عبيدة المغربي رفض ذلك في عصيان سافر لأوامر الأمير قائلا « انه يشكل خطرا على الدولة ويشتمها في منشوراته»، لم يجد أبو لقمان بدا من اتباع مشورة أبي عبيدة، واستمر التعذيب بقسوة اكبر. في نهاية سنة 2013 قامت فصائل مقاتلة بالهجوم على مقر داعش بمستشفى الأطفال، حيث حاصروا المقر، ما جعل أبو عبيدة يلجأ إلى الانسحاب، لكن بعد قتل كل السجناء، كان صوته يسمع في الممرات وبين الزنازين يأمر بإخراج السجناء في مجموعات صغيرة، ثم يأمر بقتلهم في ساحة المستشفى، كان ذلك جزءا من مهمته الأمنية حتى لا يتحدث أي معتقل عما رآه أو سمعه أثناء الاستنطاق، حرر أحمد بريمو نفسه بمعية سجناء آخرين، فيما اختفى الجلاد المغربي الرهيب. أسطورة أبو عبيدة المغربي لا تقتصر على التعذيب والاستنطاق، يحكي أبو هريرة وهو مقاتل في صفوف أحرار الشام، بل يعتبر عبقرية في الخطط الأمنية والتجسسية، يتحدث أبو هريرة وبشكل جازم، «أكيد أنه من تكوين إحدى أجهزة المخابرات العالمية، يستطيع أن يستبق كل خطط العدو، وبسهولة يلتقط كل المحادثات التي تتم بين الفصائل المعادية، ويكشف بسهولة كل دخيل على التنظيم، نظراته القاسية كافية لإدخال الرعب في قلوب المستجوبين. بعد نشر «المزيد عن فيديو»فيديو ذبح الصحفي الأمريكي جيمس فولي، انتشرت أخبار تفيد أن فيديو الإعدام مفبرك، إذ توصل مسؤول سوري في داعش إلى أن أبي عبيدة المغربي بعد إعدام فولي قام بإيصال معلومات عن التنظيم لجهات أجنبية غربية وعربية. هل كان هذا سببا كافيا لتقوم دولة البغدادي، بقطع رأس «أبو عبيدة المغربي»؟ يتساءل أحد مقاتلي داعش، التقته «اليوم24»، «اتهامه بالتجسس «المزيد عن ونقل»ونقل المعلومات، ليس كافيا للإسراع بإعدامه، لقد كبر أبو عبيدة وأصبح يشكل خطرا حتى على الدولة نفسها». أعدمت داعش أبو عبيدة المغربي الذي تحمل مسؤولية التواصل والتنسيق الأمني في مكتب أمن الولايات التابع لجهاز استخبارات الدولة الإسلامية، وحمل لقب «الأمني العام». قطعت رأسه مع اثنين من قيادات داعش في الرقة عاصمة الدولة، حيث وجهت له اتهامات بالخيانة، فيما ضبط الآخرون في محاولة للهروب إلى تركيا. وعن ذلك قال «قضاة المحكمة الشرعية» في صك إدانته، إن أبي عبيدة المغربي «ثبت اتصاله بأجهزة استخبارات غربية وإقليمية عبر وسطاء خارج حدود الدولة الإسلامية وقيامه بتزويدهم بمعلومات عن تحركات عناصر التنظيم وأسماء قياداتهم وأمرائهم ومواقعهم على الأرض»، قتل وقتلت معه الكثير من الأسرار، ورغم موته بقي اسم أبو عبيدة المغربي اسما مخيفا يتردد في مواقع الحرب داخل بلاد الشام.