عاد الهدوء إلى الحرم القدسي بعد صدامات عنيفة جرت ليلا بين مصلين فلسطينيين والشرطة الاسرائيلية التي اعتقلت مئات منهم، بعد اقتحام الباحة من قبل يهود عشية عيد الفصح الذي يحتفلون به الأربعاء. وجاءت هذه المواجهات في أجواء من التوتر المتزايد بين الاسرائيليين والفلسطينيين، وخلال شهر رمضان الذي يعتكف فيه مسلمون عادة في المسجد الأقصى ويؤدون الصلاة ليلا فيه. وأثار اقتحام الشرطة الاسرائيلية للحرم القدسي سلسلة إدانات. فقد اعتبرت حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، الخطوة "جريمة غير مسبوقة". وقد دعا إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة فجر الأربعاء الفلسطينيين إلى التوجه الى القدس من أجل "حماية" المسجد الأقصى. أما زياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي فقد رأى أن "ما يجري في المسجد الأقصى المبارك يشكل تهديدا جديا على مقدساتنا". وحذرت الرئاسة الفلسطينية أيضا "الاحتلال الإسرائيلي من تجاوز الخطوط الحمراء في الأماكن المقدسة"، مشيرة إلى أن ذلك سيؤدي إلى "انفجار كبير"، كما ورد في بيان بثته وكالة الأنباء الرسمية (وفا). وقال أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ إن "الوحشية" في "الاعتداء على المصلين" تستدعي "تحركا فلسطينيا وعربيا ودوليا ووضع الجميع أمام مسؤولياته في حماية المقدسات والمصلين من بطش الاحتلال". ودانت الخارجية الأردنية "إقدام شرطة الاحتلال الإسرائيلية على اقتحام المسجد الأقصى المبارك/الحرم القدسي الشريف والاعتداء عليه وعلى المتواجدين فيه"، في ما اعتبرته "انتهاكا صارخا وتصرفا مدانا ومرفوضا". وطالبت في بيان "إسرائيل بإخراج الشرطة والقوات الخاصة من الحرم القدسي الشريف فورا " محذرة من "هذا التصعيد الخطير". من جهتها، أعلنت الشرطة الاسرائيلية صباح الأربعاء أنها أوقفت "أكثر من 350" شخصا في الحرم القدسي. لكن فراس الجبريني أحد أعضاء طاقم المحامين عن المعتقلين أكد أن عدد الموقوفين يتراوح بين 450 شخصا و500 شخص. وأكد الجبريني تعرض الكثير منهم لإصابات معظمها في الجزء العلوي من الجسد ولا سيما في الرأس والعيون. وأوضح أنه تم "الإفراج عن عدد غير محدد منهم بشروط الإبعاد عن المسجد والبلدة القديمة والمثول للتحقيق عند الاستدعاء". كما أكد المحامي نفسه تمديد اعتقال "18 موقوفا (فلسطينيا) من حملة الهوية الإسرائيلية حتى عرضهم على المحكمة بالإضافة إلى الذين يحملون الهوية الفلسطينية". وقال مكتب الأوقاف الإسلامية أن الهدوء عاد إلى الحرم القدسي. ويرفض الفلسطينيون دخول اليهود إلى الحرم القدسي والصلاة فيه، ويعتبرون هذه الخطوة التي يسمونها "اقتحاما" استفزازا لهم. والمسجد الأقصى الذي يقع في صلب النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. ويطلق اليهود على الموقع اسم "جبل الهيكل" ويعتبرونه أقدس الأماكن الدينية عندهم. وتسيطر القوات الإسرائيلية على مداخل الموقع الذي تتولى إدارته دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن. وقال المصلي عبد الكريم إكريم (74 عاما) إن "الشرطة دخلت إلى المسجد عنوة". وأضاف "خلعوا الأبواب وكسروا الشبابيك ودخلوا على المعتكفين وهم يصلون ويقرأون القرآن". وتابع "كان معهم (عناصر الشرطة) هراوات وعصي وقنابل الغاز والدخان، ألقوا القنابل وضربوهم (المعتكفين) وأخرجوهم بالقوة، ضربوا النساء والرجال". واستغرب إكريم تصرف الشرطة خاصة، مشيرا إلى أن "اليهود لا يدخلون في الليل". واضاف "إنهم يريدون إفراغ المسجد من المسلمين". نشرت الشرطة الإسرائيلية مقاطع مصورة تظهر انفجارات ناجمة على ما يبدو من مفرقعات داخل المسجد الأقصى وظلال أشخاص يرمون الحجارة، وعناصر من شرطة مكافحة الشغب يتقدمون داخل المسجد وهم يحتمون من المفرقعات بدروع واقية. وتظهر المشاهد أيضا بابا محصنا وكميات من المفرقعات على سجادة على الأرض فيما عناصر الشرطة يجلون خمسة أشخاص على الأقل مكبلي الأيدي. وجاء في بيان للشرطة الإسرائيلية "أدخل شباب عدة من الخارجين عن القانون ومثيري الاضطرابات ملثمين إلى داخل المسجد (الأقصى) مفرقعات وهراوات وحجارة". وردا على اقتحام الشرطة للمسجد، أطلقت صواريخ عدة من شمال قطاع غزة باتجاه إسرائيل على ما أفادت مصادر أمنية فلسطينية ومراسلو وكالة فرانس برس. قال الجيش الاسرائيلي في بيان "أطلقت خمسة صواريخ من قطاع غزة على المناطق الإسرائيلية وتم اعتراضها جميعا بواسطة منظومة الدفاع الجوي". وفي وقت لاحق شنت طائرات حربية إسرائيلية غارات على قطاع غزة. وتجدد إطلاق الصواريخ من قطاع غزة بعد الغارات الإسرائيلية فيما شن الطيران الإسرائيلي غارات مجددا قرابة الساعة 06,15 (03,15 ت غ). ولم يعلن أي فصيل فلسطيني مسؤوليته عن اطلاق الصواريخ حتى اللحظة. ولم تسفر الغارات عن وقوع إصابات بحسب مصادر طبية. ونددت وزارة الخارجية المصرية في بيان ب "اقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى" داعية إسرائيل إلى "الوقف الفوري لتلك الاعتداءات التي تروع المصلين". وحملت مصر إسرائيل "مسؤولية هذا التصعيد الخطير الذي من شأنه أن يقوض من جهود التهدئة". من جهتها، استنكرت إيران "الهجوم الوحشي للنظام الصهيوني … الذي يظهر للعالم مجددا الطبيعة الإجرامية لهذا النظام فيما يتعلق بحقوق الإنسان". وتصاعد العنف منذ مطلع العام الحالي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعدما وصلت إلى السلطة في إسرائيل حكومة تعتبر من الأكثر يمينية في تاريخ البلاد. وأسفرت أعمال العنف منذ مطلع العام عن مقتل 91 فلسطينيا بينهم عناصر في فصائل مسلحة ومدنيون منهم عدد من القاصرين، بالإضافة إلى الشاب العربي الإسرائيلي الذي قتل في القدس الشرقية المحتلة. وفي الجانب الإسرائيلي قضى 14 إسرائيليا هم 12 مدنيا – بينهم ثلاثة قاصرين – وشرطي، بالإضافة إلى سيدة أوكرانية.