اعترافات عائدات من جحيم الرق الأبيض في الوقت الذي يعتقد فيه الناس أن عصر العبودية والرق قد ولى، تنكشف كل يوم شبكة جديدة مختصة في المتاجرة بالإنسان.. إنهم يبيعون بناتنا، يوهمونهن بالمال وتحقيق الأمنيات ليجدن أنفسهم بين فكي وحوش نخاسة العصر الحديث. فتيات جرهن الفقر واليأس إلى البحث عن جنة الهجرة، أغرتهن الرواتب الخيالية والدينار والليرة والريال، فسقطن في واقع العبودية الجديدة. الاتجار بالبشر فعل تجرمه المواثيق الدولية وتمنعه الأخلاق والمبادئ الإنسانية، وتعاقب عليه التشريعات الحديثة، لكن الكثيرين مازالوا يمارسونه إلى اليوم.. عندما تقدمت فتاتان إلى « اليوم24» لتحكيا مأساتيهما، كان الأمر أشبه بقصة رعب، استعباد وتعذيب وخداع، ووسطاء ووجهة معلومة تحولت إلى وجهة مجهولة، كان الأمر يحيل مباشرة على ما نبهت إليه لجنة حقوق الإنسان بجنيف، حين أعلنت أن هناك آلاف الشبكات الناشطة في مجال تهريب والاتجار في النساء، وأن المغرب يعد بلدا مصدرا لهذه الظاهرة، وكانت رفوف المحاكم مليئة بقضايا من هذا النوع، وكانت الصحافة أيضا حافلة بأخبار تفكيك الشبكات، وإلقاء القبض على الوسيطات والقوادين الذين جعلوا أجساد الفتيات المغربيات مصدرا لثرائهم. ورغم كل ذلك مازال الوسطاء ينسجون خيوط شباكهن ليوقعوا فيها المغربيات اللواتي لا يملكن سوى أجسادهن لسد الرمق، وبعد الخضوع لشتى وسائل الضغط، من ترغيب وترهيب، تجد الفتاة المغربية الضحية نفسها وسط كمائن المافيات الدولية التي ترحل المغربيات إلى دول الخليج وتركيا، ويتم الترحيل تحت ذرائع متعددة، منها العمل أو السياحة أو حتى تغيير الخط الجوي «الترانزيت»، لكنهن بعد وصولهن إلى الوجهة المحددة يستخدمن في الدعارة، وأحيانا يتم تصويرهن في أشرطة بورنوغرافية تبث على الأنترنت وعلى قنوات إباحية في واحدة من صور الاسترقاق والاستغلال الأكثر بشاعة، بينما يجني «القوادون» الكبار والعابرون للقارات الأموال الطائلة من بيع اللحم المغربي. القوانين المغربية مازالت قاصرة عن مواكبة المواثيق الدولية، والفقر يتربص بالفتيات اللواتي يحلمن بانتشال الأسرة من واقع مرير، مثلما يتربص بهن الوسطاء.. الأرقام مهولة، والأشكال التي اتخذتها الظاهرة خلال العقود الأخيرة متعددة ومتلونة، إذ الكثير من النساء اللواتي يهاجرن من أجل الارتقاء بمستوى عيش أسرهن يجدن أنفسهن في جحيم المهانة والذل والإكراه لمنح أجسادهن إلى من يدفع أكثر، ولا قدرة لهن على الاستنجاد بالقوانين التي تعتبر الضحية مذنبة. في هذا الملف ننقل إلى الرأي العام قصصا حقيقية روتها ضحايا وحوش آدمية بعد أن عدن من جحيم المواخير، كن يبكين وهن يتذكرن كيف كان نصيبهن خدعة فقدن فيها المال والعمر والشرف، وأصبحت الفضيحة تطاردهن، ولا ذنب اقترفنه سوى أنهن بحثن عن المال والسعادة.. في تركيا والخليج وحتى دول إفريقيا جنوب الصحراء توجد فتيات مغربيات يتألمن في صمت.. إنهن ضحايا بامتياز، لقد أرغمن على ممارسة الدعارة، وكل حكاية من حكاياتهن تخفي وراءها مآسي إنسانية.. وفي كل طائرة تتحرك من المغرب هناك احتمال وجود فتاة مغرر بها. الوسطاء يتحركون بيننا و« اليوم24» تكشف هوية بعضهم، وتميط اللثام عن الوسائل المتعددة التي يستعملونها للضغط على الضحايا، واحتيالهم الذي لا ينتهي.. نفتح هذا الملف من أجل إطلاق صرخة استغاثة لإنقاذ الضحايا والفتيات اللواتي سيقعن في حبال شبكات الدعارة، المستمرة في اصطياد فرائسها في ظل واقع قانوني غير رادع، وفي ظل واقع اجتماعي لا يرتفع، حيث يخيم الفقر والجهل.. هذا الملف من أجل الإنسان الذي مازال يُستعبد في القرن الواحد والعشرين. عندما أعلنت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالاتجار بالبشر، جوي نغوزي إيزيلو، في يونيو الماضي، تفكيك حوالي 2702 شبكة للاتجار بالبشر ما بين 2004 و2011 بالمغرب، كان تقرير للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان قد سبق المقررة الأممية، وكشف نتائج ومعطيات خطيرة حول شبكات الاتجار في البشر بالمغرب، بعد أن قامت الرابطة بتجميع شهادات وخلاصات بحوث ميدانية، لتخلص إلى أن الظاهرة التي تعرف نموا مطردا، خصوصا في السنوات العشر الأخيرة، «تتميز بخصائص محددة وتضطلع بأدوار متعددة، جعلت المغرب وجهة لهذه الظاهرة، ومعبرا ليس إلى الخليج فقط، بل إلى بلدان أخرى». الكثير من الجمعيات الحقوقية والمنظمات غير الحكومية باشرت الاشتغال على موضوع تهجير فتيات مغربيات واستغلالهن في الدعارة، وكادت تجمع على أن تهجير نساء مغربيات تحت يافطات متعددة، ليس سوى الوجه الآخر للعبودية الجديدة، مقرة ب«وجود علاقة مباشرة بين البغاء والاتجار في البشر». إن جانبا من هذا الملف يتقاطع مع العمل الميداني الذي قامت به هذه الجمعيات والمنظمات، والذي اعتمد على شهادات فتيات وقعن ضحايا لتلك الشبكات، حيث كن منهارات وهن يحكين عن الكمائن التي نصبت لهن.. كمائن مزينة بإغراء المال والثراء، ليجدن أنفسهن وسط مستنقع من الدعارة وبيع اللذة، نتيجة مخطط منظم ومرعب.
فخ في تركيا بعد أخذ ورد ومحاولات مستمرة للإقناع، قررت (م) التحدث إلى « اليوم24»، وحكت على مسامعها القصة الكاملة لوقوعها ضحية شبكة خطيرة للاتجار في الجسد تعمل على تهجير فتيات مغربيات إلى تركيا، وإجبارهن على العمل في الدعارة. تمكنها من العودة إلى المغرب لم ينه القصة، التي ازدادت فصولها إثارة. اليوم تتعرض (م) لضغط من قبل «قواد دولي»، توصلت « اليوم24» إلى تحديد هويته، وهو يسعى حاليا إلى تشكيل شبكة جديدة من الوسيطات.
«السلاوية» أول الخيوط في أبريل الماضي ألقي القبض على سيدة من حي الرحمة بمدينة سلا، بتهمة إدارة شبكة للدعارة. لم يكن أحد يعلم أن المرأة المغربية المتهمة بأعمال الوساطة والتهجير ليست سوى شجرة تخفي غابة ضخمة ومخيفة من عالم القوادة وتجارة الرقيق الأبيض. توبعت المرأة بثلاثة أشهر حبسا، وانكشفت مع التحقيقات قضية أخرى، حيث اتضح أن للمرأة ابنة تدير شبكة أخرى اشتغلت لمدة سنوات في تهجير فتيات ونساء مغربيات إلى سوريا قصد ممارسة الدعارة. البنت المتزوجة من «قواد» سوري ينشط على مستوى دولي، حكم عليها غيابيا بثلاث سنوات حبسا، ولا يعلم شيء عنها إلى حدود اليوم. مريم واحدة من ضحايا هذه التجارة المخيفة، التقتها «أخبار اليوم» بعدما استطاعت التخلص من قبضة سمسار دعارة عالمي، وعن طريقها استدرجه الموقع ليفصح عن تفاصيل خططه لجلب فتيات مغربيات واستغلالهن في واحدة من أبشع صور العبودية الحديثة.
لكن في البدء، كيف استُدرجت مريم لتقع في شبكة هذا القواد؟ حين تلقت (م) اتصالا هاتفيا من المرأة الوسيطة، وشهرتها «السلاوية»، هللت وفرحت وأعلمت أسرتها بأنها أخيرا حصلت على عمل محترم في المرافق السياحية بتركيا، كانت (م) و(ك) صديقتين تلقيتا معا «الخبر السعيد»، «وجدوا 3000 درهم والسفر خلال أسبوعين»، هكذا تحدثت السلاوية، وهي تصف الخير الذي سيعم على الجميع، والأموال التي ستتدفق على الفتاتين.. وبسرعة ولهفة قامت الفتاتان باقتراض مبلغ مالي لا يتجاوز 4000 درهم، وأخذتا تعدان الأيام والساعات حتى وصل اليوم الموعود. الحكاية التي امتدت وقائعها من البيضاء إلى اسطنبول، كما روتها (م)، التي رفضت نشر اسمها أو صورتها خشية الفضيحة أو انتقام أفراد الشبكة التي مازالت إلى اليوم تمارس نشاط الاستقطاب بالمغرب، بدأت في أوائل فبراير الماضي، حينما تلقت الفتاتان اتصالا من السلاوية تخبرهما فيه بأن تذكرتين من وكالة أسفار تركية تم حجزهما لهما، وتتضمنان رحلة ذهاب فقط (allez simple) نحو اسطنبول، وفي المطار ستلتقيان ثلاث فتيات أخريات، جئن عن طريق المرأة نفسها، «السلاوية».. وبدأت رحلة نحو عالم مجهول. في مطار اسطنبول ستجد الفتيات المغربيات شخصين بالانتظار، رجل تركي وآخر سوري، اصطحبوهن إلى شقة صغيرة في قلب اسطنبول، وفي الغد عقد الرجلان اجتماعا مع الفتيات، وبينما كان الرجل التركي صامتا أخذ السوري يتحدث بوضوح وصراحة وصلت حد الوقاحة، «ستشتغلن في الدعارة الراقية، وستربحن أموالا كثيرة»، صدمت (م) و(ك) من حديث السوري الذي أعلن أمامهن بكل بساطة أنه «قواد» يمتهن هذه المهنة منذ سنوات، وأنه يتعامل مع شخصيات نافذة في تركيا، كما أنه يعرف المغرب جيدا، وقد نقل فتيات مغربيات كثيرات إلى عالم البذخ والثراء. رفضت ثلاث فتيات من أصل خمس العرض، محتجات بأن الوسيطة «السلاوية» لم تخبرهن بالموضوع، وقلن إنهن سيعدن إلى المغرب. ترجم الرجل السوري للتركي ما قالته الفتيات الرافضات، ليتكلم التركي لأول مرة في هذا الاجتماع قائلا: «يمكنكن العودة إلى المغرب لكن بعد أداء ثمن التذكرة التي دفعت لكن، وثمن تذكرة العودة إذا كان بحوزتكن، وإلا فأنتن ملزمات بخدمتنا حتى تستوفين المبالغ التي أصبحت في ذمتكن». لم تكن الفتيات القادمات من هوامش سلا والدار البيضاء يعلمن أنهن أمام واحد من أخطر سماسرة الدعارة في الشرق الأوسط. أسقط في أيديهن وهن اللواتي لا يملكن سوى بضع مئات من الدراهم، ورضخن للأمر الواقع. تأمل التركي الفتيات بتركيز، وتمتم ببعض الكلمات للرجل السوري الذي طأطأ رأسه وقال: «الفتاة السمينة ستبقى هنا، وإذا أرادت العودة إلى المغرب سنبحث إمكانية ذلك، أما الباقيات فقد أعجبن السيد». كانت الخطة تقتضي الانتقال إلى ضواحي العاصمة أنقرة، هناك سينضم إلى الشبكة شخص ثالث وهو السائق الذي يدعى «أوسكار أصالا». تم وضع الفتيات في فيلا بالمدخل الشمالي للمدينة التركية، وبدأ الاتجار في اللحم المغربي.
المستر «أطيلا» أو الوحش عندما ستسمع بعض الفتيات المغربيات الاسم الحركي للشخص التركي الذي كن ضحايا له، سيدركن أننا بصدد ذكر أخطر الوحوش البشرية. «خالد أوسلو» رجل تركي في الأربعينات من عمره، «قواد» عابر للقارات، يدير شبكة دعارة تضم في كل دفعة من سبع إلى عشر فتيات كلهن مغربيات. الوسيط يتخذ أسماء حركية متعددة لكن أشهرها: «لمستر أطيلا أو المستر علي». عبر هواتفه المحمولة يتلقى الطلبات، ويوجه كل فتاة نحو الزبون، قبل إطلاق أول عملية حذر أوسلو الفتيات من الاحتفاظ بالمال، ووضع قوانينه كالتالي: تلزم كل فتاة بممارسة الجنس مع 25 زبونا دون أن تحصل على ليرة واحدة، وبعدها يبدأن في الحصول على ثلث المال الذي يحتفظ هو به إلى حين إطلاق سراحهن وقبوله بعودتهن إلى المغرب. ومما يعادل 100 أورو عن كل ساعتي جنس، ثم 400 أورو عن كل ليلة، سيكون نصيبهن الثلث فقط. قام السائق بسحب جوازات السفر من الفتيات بمجرد وصولهن إلى فيلا أنقرة، وتركهن يأخذن قسطا من الراحة في انتظار الغد، حيث يبدأن عملهن الجديد. تتم العملية كالتالي: يتصل أوسلو، أو المستر أطيلا، بالسائق الذي يقيم مع الفتيات في الفيلا نفسها. يوزع السائق عليهن الزبائن، ويحملهن إلى الفنادق أو الإقامات، يمضين الساعتين ويتصلن بالسائق الذي يأتي لإرجاعهن، لينقلهن إلى زبون آخر. أوسلو كان له نصيبه من الغنيمة، فقد اتخذ إحدى الفتيات خليلة. علاقة الفتاة بخالد أوسلو ستجعلها تتعرف على اسمه الحقيقي، وبعض التفاصيل عن طرق اشتغاله، وهي التي نقلت ل« اليوم24» كيف أن أوسلو يتوفر على نساء مغربيات وسيطات، يوقعن الفتيات في شباكه بطريقتين؛ الأولى تعتمد على التصريح بأن الغرض من السفر هو الدعارة مباشرة، وهي مهمة توجه إلى المحترفات وممتهنات الدعارة، والخطة الثانية تقوم على الإيهام بوجود وظيفة سياحية بتركيا مقابل إغراء مادي. عندما أكملت الفتيات الشرط المتمثل في ممارسة الجنس مع 25 زبونا، بدأ أوسلو يوهمهن بأن أموالهن موجودة معه وأنهن في أمان، وكلما طالبن بها تحجج بأعذار مختلفة، منها انتظار دفعة جديدة من الفتيات، وهو ما حصل بالفعل، وبعد ثلاثة أشهر من العذاب والمعاناة، تحكي (م) وهي تبكي بحرقة: «وصلت دفعة مكونة من ثلاث فتيات مغربيات ترافقهن سيدة في الخمسينات من عمرها، كانت اثنتان منهن صغيرتين في السن (18 و19 سنة)، وكانتا ضحيتين لخدعة الوظيفة. اختلت فتاة من المجموعة القديمة بإحداهن، وأخبرتها بما هن مقدمات على فعله. صدمت الفتاتان وأحدثتا جلبة كبيرة في الفيلا المشبوهة، وبلغ الغضب بإحداهما إلى محاولة قطع شرايين يدها، وهو ما جعل أوسلو يقرر إرجاعهما، لكن الفتاة التي كشفت المستور كان نصيبها وصلة تعذيب وضرب خلفت رضوضا وجروحا خطيرة على رأسها وجسدها». بعد هذا الحادث سينشب خلاف بين السائق وأوسلو، ما تسبب في ركود العمل، وبدأ السائق بتشغيل الفتيات لحسابه الخاص، بينما سينفرد أوسلو ب(م) وسيشغلها حسب أجندته المزدحمة، لكن الأمور لم تكن تسير على ما يرام، سيختفي السائق لأيام من الفيلا، وسيأتي أوسلو ليخبر الفتيات بأن الشرطة تراقب المكان، وبالتالي، يجب الانتقال إلى اسطنبول مع وعد بإخلاء سبيلهن وتمكينهن من أموالهن.
الفضيحة بالمغرب في غضون ذلك، في أبريل الماضي، كانت (أ) (المرأة السمينة التي رفضها أوسلو) قد عادت إلى المغرب، حيث ستتجه إلى أقرب محكمة، وستضع شكاية لدى النيابة العامة ضد الوسيطة السلاوية. باشرت الغرفة الجنحية التلبسية بسلا محاكمة الوسيطة رفقة مصور فوتوغرافي، موجهة إليهما تهمتي النصب والوساطة في الدعارة. وأمر وكيل الملك بالمحكمة نفسها بوضع المتهمين في السجن المحلي بسلا، وكانت الشرطة القضائية بالمنطقة الإقليمية لأمن سلا أحالت، على وكيل الملك، المصور والوسيطة في التهجير، بينما حررت الضابطة القضائية مذكرة بحث على الصعيد الوطني في حق ابنة الوسيطة. وحسب محاضر الضابطة القضائية، استطاعت المشتكية الفرار بعد احتجازها عدة أسابيع، ونقلت من قبل الشرطة التركية إلى المستشفى لتلقي الإسعافات جراء الاعتداء عليها جنسيا وجسديا، وأدلت لها بتفاصيل مثيرة عن الموضوع. واستنادا إلى محاضر الشرطة، نقلت الضحية إلى مطار إسطنبول وجرى ترحيلها إلى مطار محمد الخامس الدولي، وبعد عودتها اتصلت بالوسيطة وأخبرتها بأنها كشفت شبكتها، ما حذا بالسلاوية إلى تقديم عروض وإغراءات من أجل ثنيها عن تقديم شكاية ضدها، ووعدتها بإعادة تهجيرها إلى الإمارات العربية المتحدة بطرق قانونية، لكن الضحية أصرت على التبليغ عنها من أجل إنقاذ الفتيات المحتجزات. في أواخر مايو الماضي، ستعود المجموعة إلى اسطنبول، وسيلتحق السائق بالمجموعة من جديد، بعد تصالحه مع أوسلو، وستأتي أخبار جيدة من المغرب.. دفعة جديدة من الفتيات ستصل، وسيبدأ النشاط الداعر من جديد، في هذه الفترة ستكون (م) قد انفردت بأوسلو واستعطفته من أجل تحريرها، لكن أوسلو، الذي بدأت أحواله المالية تسوء، سيعمد إلى التسويف، وفي كل أسبوع كان يبرز لها تذكرة الرجوع إلى المغرب ثم يقوم بإلغائها وتأجيلها، تقول (م) ل«أخبار اليوم»: «كان يرسلني إلى عدة زبائن في اليوم وأصبحت أنفق عليه، ولم يكن ممكنا أن يفك سراحي»، بعد أسابيع سيمكنها أوسلو (م) من تذكرة السفر وحوالي 15 ألف درهم هي كل ما جنته من بيع جسدها مرات عديدة في اليوم لمدة شهور، وستعود الفتاة من تجربة مؤلمة في تركيا التي سافرت إليها وكلها أمل في جني المال من وظيفة محترمة، وإنقاذ أسرتها من براثن الفقر. بعد أخذ ورد قررت (م) الاتصال بالصحافة، وحكت على مسامعنا القصة الكاملة للشبكة الخطيرة للاتجار في الجسد والرقيق الأبيض، والتي كانت ضحيتها، لكن القصة لم تنته بعودتها إلى المغرب، حيث يسعى أوسلو حاليا إلى تشكيل شبكة جديدة من الوسيطات، بعد أن اعتقلت السلاوية وتوارت ابنتها عن الأنظار، وقد بدأ بالفعل محاولات في سبيل إقناع (م) بإرسال فتيات أخريات، وآثرت هي مسايرته لأنه، كما تقول، مازال مدينا لها بأموالها التي لم يسلمها لها، وهو يردد جملة واحدة: «إذا أردت أموالك أرسلي لي مجموعة فتيات»، ومن أجل إثبات ذلك قامت (م)، بحضور «أخبار اليوم»، بربط الاتصال بأوسلو عبر «السكايب»، وفي غرفة مظلمة بدا أوسلو، الذي يحتاط جيدا من إظهار وجهه، وهو يدخن، جرت المحاورة نفسها التي حكت (م) تفاصيلها للجريدة.. المال مقابل الفتيات. أقر أوسلو خلال الحوار بأنه نجح في استقطاب وسيطة أخرى بالدار البيضاء وهو بصدد استئناف أنشطته.
اعترافات تواظب (ب) على ارتياد مقهى بشارع البوليفار بطنجة، وتختار لذلك توقيتا محددا، بين الثانية عشرة زوالا والثانية بعد الزوال. تراقب بتمعن كبير أسراب طالبات يدرسن بمعهد تكوين خاص قريب من المكان، وتستعلم عنهن بطرقها الخاصة، وحسب شهادة أكثر من طالبة بالمعهد الخاص، فإن (ب) حولت أنشطتها من اصطياد ضحاياها من أمام أبواب بعض المؤسسات الثانوية، إلى هذا المعهد. عندما راسلت (خ.ق) «اليوم24»، كانت خائفة ومترددة وكانت تشدد بين الفينة والأخرى على عدم كشف اسمها أو هويتها، وهو ما أكدته « اليوم24» لها، لتبدأ سرد فصول قصتها.. «كنت أكتري شقة رفقة طالبة أخرى بحي مرشان بطنجة، وكان وجود تلك المرأة يلفت انتباهي في ذهابي وإيابي، كانت (ب) تشرب قهوتها وهي تتأمل الفتيات مثل رجل، كنا نقصد الطابق العلوي لذلك المقهى للتدخين خلسة، وكانت هي تراقب في هدوء وأحيانا تدفع ثمن مشروباتنا وتبادلنا التحية وعبارات الود بشكل عادي، في بداية الأمر شككنا في نواياها وقلنا إنها قد تكون سحاقية أو «قوادة»، لكنها كذبت كل توقعاتنا عندما أصبحت صديقة لنا، وقدمت لنا الكثير من الخدمات، وفجأة قالت إنها تحمل مفاجأة، عقود عمل في شركات خليجية، قائلة: «أنتن تعلمن أن هذا هو حلم جميع الطالبات». قدمت (ب) أربعة عروض، عبارة عن عقود عمل والكثير من الوعود، لكنها قالت إن مهمتها انتهت الآن، وعليهن أن ينتظرن اتصالا، تكمل (خ) الحكاية: «بدأنا نسرع في تهيئة الوثائق والسير الذاتية، إلى أن اتصل بي شخص برقم من دول الخليج يتكلم بلكنة شامية، استجوبني ووعدني خيرا وطلب مني دردشة على النت لكي نتحدث بالصوت والصورة، ثم قال لي في صيغة مشككة: سنحاول الحصول لك على وظيفة. بدأت أنتظر بفارغ الصبر اتصالا ثانيا منه، إلى أن اتصل بي وقال لي إن صاحب الشركة، وهو ثري خليجي، سيكلمني مباشرة، وعندما اتصل بي «الباطرون» طلب الطلب نفسه، وقال إنه يريد الدردشة بالكاميرا، تكلمنا وأخبرني بأنني قُبلت.. كانت فرحتي لا توصف، وبدأت أستعد للسفر». الوسطاء هم عماد تهجير الفتيات ومحرك شبكات الاتجار في البشر، وهم في أغلب الأحيان نساء أو ممتهنات دعارة سابقات، يقمن بإغراء واستدراج الضحايا بواسطة عقود عمل وهمية، برواتب مغرية تتفق المصادر على أنها تتراوح ما بين مليون ومليوني سنتيم، فضلا عن إغراءات بالبقشيش الذي سيحصلن عليه، وحيث يتم استغلال وضعية الضحايا الراغبات في الانعتاق من الفقر والبؤس، ومن أجل الفوز بهذا العمل تسلم الضحية الوسيطة أو الوسيط مبلغا من المال يبتدئ من 5000 درهم، وبعدها توصل الوسيطة الفتاة الضحية إلى الشخص الذي سيتكفل بكل شيء حتى إيصالها إلى الوجهة المعلومة، وهو أول شخص في سلسلة الشبكة. نزلت (خ) في مطار دبي، وجدت في استقبالها سائقا بنغاليا ورجلا من سوريا. أخذاها إلى حي يقال له حي «المرقبات»، وهناك أدخلاها منزلا وتركاها وخرجا. تعود (خ) لرواية صدمتها الكبرى: «بمجرد وصولي احتجزوني في منزل ودخل علي شخص لا أعرفه، قام باغتصابي تحت التهديد، ثم تناوب على اغتصابي بعد ذلك عدة أشخاص هم من سيصبحون سماسرة في جسدي فيما بعد، وكلما حاولت المقاومة تعرضت للضرب والشتم. أخذوا حقيبتي ومحفظتي اليدوية وأدخلوني إلى غرفة بها دولاب ملابس، وأخبروني بأن فتيات أخريات قادمات سيكن رفيقاتي في هذا المنزل». تجمع أغلب الشهادات التي أنصتت إليها « اليوم24»، أو تلك الواردة في تقارير إعلامية سابقة، على أن الثلاثة أسابيع الأولى تخصص لإقناع الفتاة الضحية بطبيعة العمل، أي تلبية رغبات الزبائن، حيث يستعمل السماسرة والمكلفون بهذه المهمة عنصري الترغيب والترهيب، تقول (خ): «لقد أخبروني بأن الكثير من النساء الثريات والشهيرات في عالم المال والأعمال بالخليج كن مثلي، ثم تحولن إلى سيدات مجتمع، أو يستعملون التعذيب الجسدي والنفسي، والتجويع أيضا». الحراس أيضا يمارسون الجنس بالعنف على الفتيات تحت طائلة التهديد، وهكذا تصبح الفتاة الضحية بعد أسابيع سلعة جاهزة، ماكينة جنس، وتبدأ في الخروج حسب الأوامر، تستطرد (خ): «طبعا هناك فتيات قدمن وهن يعلمن الغرض الحقيقي من الهجرة، ولا يرهقن القوادين أو السماسرة، فيما حكت لنا أخريات أقدم منا في الحرفة أن هناك فتيات تم جرهن إلى استعمال المخدرات القوية ودفعهن إلى الإدمان حتى يسهل التحكم فيهن، لكن في مجموعتي لم تكن أي واحدة منا تستعمل المخدرات». «كيف استطعت الإفلات؟»، ابتسمت (خ) بسخرية وقالت: «وهل فلتت من قبضتهم؟ إنني مكلفة بمهمة. عليك أن تعلم أن الفتيات العائدات من دول الخليج، خاصة من الإمارات، يستخدمن لاستدراج فتيات جديدات». تعمد الفتيات العائدات من الخليج إلى شراء حريتهن مقابل تكوين شبكة استقطاب في المغرب، حيث تحددن مناطق تتوافد عليها الفتيات بكثرة (مقاه، محلات تجارية، صالات العاب، أبواب الثانويات...)، ويتم إغراء الفتيات عبر إبراز والتباهي بمظاهر الثراء، من سيارات فاخرة، وثياب من أغلى الماركات العالمية، والهواتف الذكية، حتى يتم الإيقاع بهن بالطريقة نفسها التي سقطت بها (خ). منذ سنتين تقدم رجل أمام المصالح الأمنية بمدينة القنيطرة، يشكو سيدة تصر على مرافقة ابنته، والتواصل معها، وتتسبب في تغيبها عن الدراسة، كانت تلك واحدة منهن، وقد سبق لشرطة القنيطرة أن تلقت بعض الشكايات الخاصة بتربص وسطاء الدعارة بتلميذات المستوى الثانوي، وبعضهن يستدرجن لممارسة الجنس مع زبناء الفنادق والحانات المنتشرة بالمدينة، والبعض الآخر منهن يقعن في شباك الدعارة الراقية بدول الخليج. (خ) اليوم تخشى أن تمتد إليها يد الشبكة التي تعتبرها قوية جدا ويدها طويلة، وعند سؤالها: «هل تم تصويرك أو توريطك من أجل الضغط عليك؟»، أجابت: «لا أعلم، لكنني أخشاهم».. و(خ) حاليا مستمرة في بيع جسدها، وتتوجه إلى الخليج عبر الطائرة، بين الفينة والأخرى، لذلك الغرض، بعد أن فقدت حلمها في الحصول على وظيفة محترمة كانت بالنسبة إليها حلما وأصبحت كابوسا.