في قلب القارة السمراء، تنشط شبكات تعمل على تهجير مغربيات للعمل في العلب الليلية والخمارات، قبل أن تتحول المهنة إلى دعارة وتجارة في المخدرات والإجرام، يتم في ذلك استغلال الحركية التي تشهدها عدد من العواصم الإفريقية . واغادوغو: حنان بكور
وسط أفواج من الزبائن من جنسيات مختلفة داخل علبة ليلية بالعاصمة البوركينابية واغادوغو، جلست شابة يافعة في مقتبل العمر بلباس عسكري وملامح عربية توزع ابتسامات عريضة صوب كل الوجوه. ظلت تتعقب كل ضيوف المكان بحذر وبالابتسامة العريضة نفسها التي لا تختفي، تارة يزيغ نظرها صوب مجموعة جديدة تحل بالمكان تعرض مساعدتها لاختيار طاولة الجلوس، وتارة أخرى تصرف النظر مكتفية بمن حولها من باحثين عن المتعة في ضيافة القارة السمراء. بدا المكان أشبه بعلبة ليلية في إحدى مدن المتعة بالمغرب...نفس الديكور ونفس الزبائن ونفس ملامح عارضات المتعة أيضا. في الداخل لا شيء يدل على أن الأمر يتعلق بعاصمة بلد إفريقي، فلا مكان لذوي البشرة السمراء هناك..العاملات والزبائن وأيضا نوع الموسيقى التي يحفظها الضيوف .. «إفريقيا بتتكلم عربي». بقيت الشابة تتنقل بخفة من طاولة إلى أخرى تعرض خدماتها على الزبائن، بعضهم يحملون جنسية لبنانية، وآخرون قطعوا أميالا من صحاري الخليج للوصول إلى صحاري إفريقيا الوجهة الجديدة للباحثين عن المتعة بطعم عربي. فجأة ستقفز الشابة من مكانها مندفعة صوب فوج غريب عن المكان والفرحة تعلو محياها «السلام عليكم...أنتم مغاربة؟»، سألت بعفوية لا تخلو من حماسة مفرطة، فكان الرد «يا إلهي حتى بوركينافسو وصلتو ليها؟». تحولت ليلة منال إلى احتفال خاص، لم يعد العمل يعنيها في ذلك اليوم الحار...زبائن يدخلون وآخرون ينصرفون دون أن تعيرهم أدنى اهتمام...لسانها استرسل في الترحيب بالضيوف المغاربة الغرباء، وشيئا فشيئا صارت جلسة حميمية دخلت فيها الشابة التي جالت مختلف عواصم المتعة قبل أن تحط الرحال بالقارة السمراء كمحطة جديدة في مسيرة دامت 15 سنة في عالم بيع الجسد، واحة البوح... منال شابة في نهاية العشرينات..قريبا ستحتفل بعيد ميلادها التاسع والعشرين، غير أن ملامح وجهها ما تزال طفولية للغاية. عالم الليل جعلها مندفعة أكثر من اللازم، لا مكان للخجل في حياتها المتشعبة...تتكلم كثيرا، وتحكي بدون انقطاع عن أجزاء متفرقة من حياتها وبالمقابل تسأل كثيرا أيضا. «فرحتي لا تقدر بثمن..مغاربة هنا»، قالت وهي تحضن أعضاء المجموعة واحدا تلو الآخر، وبالموازاة مع ذلك ترمي نظرة غيظ صوب زميلاتها في العمل من جنسيات مختلفة، خصوصا روسياوأوكرانيا. «الله يستر بقاو تشوفو فيا...المغاربة هوما هادو ما يفوتوش بعضهم فيما كانوا»، تحكي بصوت مرتفع وهي تعلم أن لا أحد سيفهم كلامها، عدا جلسائها الجدد، لكن ملامح وجهها كانت كافية لإيصال رسالة الغيظ. كانت المفاجأة كبيرة لعدد من أعضاء المجموعة...مغربيات في بوركينا فاسو أيضا؟ ! هل تقادمت موضة الخليج وأوربا؟؟ ما الذي جعل المغربيات يقصدن بلدانا إفريقية فقيرة لعرض أجسادهن؟ ما هو العرض المختلف هناك؟ أسئلة كثيرة بقيت تطرح بدون انقطاع، ومنال كان لديها الجواب...
الجنس يتبع المال واغادوغو (Ouagadougou) هي عاصمة بوركينا فاسو وأكبر مدنها. عدد سكانها 1,181,702 نسمة، ومناخها استوائي، وتعتبر مركزا مهما لتصدير الماشية والقطن والذهب والفوسفاط. وعلى الرغم من اكتشاف الثروات الطبيعية، خصوصا الذهب، في هذا البلد الذي يعيش سكانه حياة تميل إلى البداوة، إلا أن مسيرة التنمية ما تزال في مهدها. طرقات العاصمة «واغا» أشبه بطرقات مدينة هامشية في المغرب...بنايات متوسطة وسط المدينة والباقي أشبه بأكواخ من طين. تعيش في واغا جنسيات عربية مختلفة، خصوصا من ليبيا حيث تنتعش الاستثمارات الليبية بهذا البلد منذ عهد ملك الملوك معمر القذافي. آثار الرئيس الليبي السابق ما تزال قائمة من خلال مجموعة من الاستثمارات والفنادق، خصوصا فندق «لايكو» الشهير الذي ما يزال اسمه مكتوبا بالعربية التي فرضها القذافي هناك في عز أيام قوته. وإلى جانب الليبيين، هناك أيضا اللبنانيون الذين وسعوا نشاطاتهم الاستثمارية في بلاد الذهب، ثم هناك أيضا المغاربة، حيث بدأت الاستثمارات المغربية تنتعش ببوركينا منذ حوالي خمس سنوات. وأكبر عناوينها شركة الضحى العقارية واتصالات المغرب..والخطوط الجوية المغربية التي كثفت نشاطاتها مؤخرا ببوركينافاسو وأنشأت مكتبا لها بعاصمتها. بالموازاة مع هذه الحركية الاستثمارية العربية، انتعش نشاط شبكات الاتجار في البشر التي يقودها بشكل كبير لبنانيون يحترفون تهجير الفتيات من أقطار مختلفة، خاصة أوكرانياوروسيا، وأيضا المغرب. تقول منال، التي حلت ببواغا منذ أقل من شهر فقط «الطلب على المغربيات هنا كبير، فالسياح العرب يفضلون المغربيات على غيرهن، لذلك تحرص شبكات التهجير على استقطاب عدد كبير منهن وبعطاء مغدق في كثير من الأحيان». منال على اطلاع جيد بالتفاصيل الدقيقة لنشاطات شبكات تهجير الفتيات عبر العالم، فقد كانت ضحية لها منذ سن السادسة عشر، حيث تقلبت على مختلف عواصم المتعة بدءا بالخليج، خصوصا دبي وقطر، فالتايلاند والبرازيل وتونس وتركيا، ثم بوركينافاسو. تقول «اشتغلت بعواصم عالمية مقابل أجور مختلفة...دخلت هذا المجال وأنا ابنة السادسة عشر من العمر، وبحكم خبرتي أؤكد لك أن إفريقيا مثلما هي الرهان الاستثماري لدى الكثيرين من رجال الأعمال الباحثين عن منافذ وأسواق جديدة، هي أيضا رهان شبكات التهجير وعارضات المتعة سواء من المغرب أو خارجه». وزادت «الأجور هنا عالية، كما أن ظروف العمل تختلف عن الخليج الذي صار سوقا تتصارع فيها جنسيات مختلفة، ثم إن المساطر بهذا البلد غير معقدة بالمرة». كي تحل منال في واغا حصلت على عقد من قبل وسيط لبناني هو صاحب المحل الذي تشتغل فيه. تقول «لابد من الحصول على عقد عمل لدخول واغا، وأنا اشتغل الآن مع صاحب هذا المحل، وهو لبناني الجنسية». لا تختلف العقود كثيرا عن نظيرتها في الخليج، لكن طريقة العمل ليست نفسها، تحكي منال. «بمقتضى العقد أحصل على 1500 دولار شهريا، إلى جانب استفادتي من سكن، وهو عبارة عن غرفة خاصة، وبالنسبة إلي اشترطت أن تكون لي غرفة خاصة لا أشتركها مع أحد، حيث أن أخريات يتقاسمن غرفة واحدة، وقد يتعدى عددهن ثلاث أو أربع فتيات في بعض الأحيان، وهذا يحدث عادة مع الأوكرانيات». نظام العمل مختلف بعض الشيء عن الخليج، فهنا، تقول منال «لا يتم إقفال البيوت علينا إذ نخرج متى شئنا ونتحرك بحرية، كما أن جوازاتنا تبقى بين أيدينا، عكس الخليج الذي نعاني فيه مع رب العمل الذي يميل إلى الاستعباد أكثر من العمل». وتضيف «إلى جانب الأجر الشهري، أحصل على عمولة عن كل زبون أخدمه بالملهى، وقد يصل أجري الشهري إلى 3000 دولار شهريا، وأحيانا يزيد عن ذلك حسب الزبائن». كل فصول السنة هي صيف في «واغا»، الحرارة لا تقل عن 25 درجة، وهذا «عنصر جذب مهم»، تقول منال” إن الزبائن صاروا يبحثون عن وجهات مختلفة بعيدا عن الأسواق التقليدية، وكما أن هناك استثمارات جديدة هناك أيضا خدمات موازية جديدة، تقول ضاحكة. «وهل تتحملين العيش في هذه الظروف المناخية الصعبة؟ وهل أنا أعيش أصلا، ردت بسرعة لم تتطلب ثانية واحدة من التفكير».
علبة ليلية مغربية في قلب إفريقيا إلى جانب فندق «لايكو» الشهير، تنتصب علبة ليلية معروفة في واغا..مختلف الضيوف الأجانب الذين يحلون ببوركينافاسو يقصدونها بحثا عن «غنائم». فالعلبة معروفة بالمغربيات اللواتي ينشطن لياليها وعلى إيقاعات موسيقية مختلفة، بدءا بالنغمات الغربية والشرقية، ومرورا بإيقاعات الدبكة، وانتهاء بالشعبي المغربي والراي. لا صوت يعلو على اللهجة المغربية هناك...المشهد المؤثث للمكان هو صور الفتيات المغربيات. قهقهاتهن تُسمع من أبعد زاوية..قدمن من مدن مختلفة ليجتمعن تحت سقف واحد بعلبة ليلية في واغا، الوجهة الإفريقية الجديدة في عالم البغاء. «أنا من مدينة مراكش، أعيش هنا منذ سنتين»، تقول أسماء، الشابة التي لم تتعد 25 سنة من العمر، وكان أول خروج لها من المغرب صوب العاصمة البوركينابية واغادوغو. وتضيف «حصلت على عقد عمل مقابل أجر شهري يقدر ب1000 دولار، وذلك دون أن أدفع شيئا، حيث تكلفوا بدفع نفقات السفر والتأشيرة وكل شيء، وحتى السكن لا أدفع مقابلا عنه». إلى جانب أسماء، كانت تجلس «رانية» المتحدرة من مدينة فاس. هي أيضا شابة يافعة، غير أن لها مسار مختلف. فعلى الرغم من حداثة سنها، إلا أنها تقلبت على بلدان إفريقية عديدة بحثا عن العملة الصعبة. تقول «حصلت على الباكالوريا في المغرب، ودرست سنتين في الجامعة، ثم توقفت، ولم أجد ما أفعله في المغرب». وتضيف «بقيت أنقب هنا وهناك ولا من مجيب، فماذا عساي أن أفعل...في الأخير قررت أن أسافر إلى مالي كنقطة أولى في بداية مساري المهني الجديد». عندما كانت السلطات الأمنية تتعقب أثر الشباب القاصد بؤر التوتر، ضمنها مالي، من أجل الجهاد، كانت شبكات أخرى تنشط في المنطقة نفسها بأهداف مختلفة كليا، غير أن الوسيلة كانت واحدة هي التهجير. تقول «رانية» «الهجرة إلى مالي للعمل في مجال الدعارة تتم عن طريق شبكات أيضا، ومسيروها لبنانيون في معظم الأحيان، فهم من يحتكر العمل في هذا المجال»، غير أن «الأمور انقلبت رأسا على عقب بعد إعلان الحرب». فما إن صدر قرار مجلس الأمن في دجنبر 2012 بالموافقة على التدخل الدولي، ثم قيام فرنسا فعليا بعملية عسكرية في مالي لمواجهة الجماعات المسلحة بالشمال، حتى بدأت تتجسد نتائج وتداعيات هذا التدخل، سواء على الداخل المالي، أو الإقليم، منها زيادة وتيرة خطف الأجانب، خاصة الفرنسيين في إقليم غرب إفريقيا، والتدهور الإنساني في مالي، نتيجة لتزايد أعداد النازحين واللاجئين إلي دول الجوار. تقول رانية «بدأت الأمور تسوء هناك، وقررت الهرب نحو واغادوغو التي كانت الوجهة الثانية بالنسبة إلي»، وتضيف «كانت الأمور في مالي في البداية جيدة جدا، حيث كنا نحصل على أجور مرتفعة، لكن الحرب أفسدت كل شيء، وتوجهت بعد ذلك إلى بوركينا». إلى جانب رانية، كانت تجلس «جملية»، وهي شابة أكثر تجربة من زميلاتها. قضت أزيد من خمس سنوات في الكوت ديفوار بعدما ربطت علاقة بأحد اللبانيين. وظلت تعيش معه هناك إلى أن فرقت السبل بينهما، ثم غادرت صوب بوركينافاسو. تقول «لم يكن ممكنا أن أعود إلى المغرب بعد خمس سنوات من الغياب، وكان ضروريا أن أبحث عن مكان آخر وعمل أعيش منه».
الجنس يجر الإجرام والمخدرات في أكثر من مناسبة، طرحت أمينة الكرازبي حيدرة «ريئيسة جمعية النساء المغربيات بساحل العاج» موضوع: «استغلال الشابات المغربيات بإفريقيا» وذلك للتنبيه إلى ما تعانيه المغربيات في إفريقيا من مشاكل تتعلق باستغلالهن من طرف الشبكات المتخصصة في الدعارة، وأشارت إلى أن تركّز نساء مغربيات في أبيدجان لم يسلمن من الاستغلال الجنسي. ورسمت حيدرة صورة مخيفة عن وضعية المرأة المغربية الشابة في كوت ديفوار، مشيرة إلى أن هذا الاستغلال الجنسي أدى إلى بروز مجموعة من الظواهر المرضية في صفوف النساء المغربيات بساحل العاج كالإجرام والمخدرات. وتتوفر الجمعية التي تترأسها حيدرة على مجموعة من الأرقام التي تشير إلى سقوط عدد كبير من المغربيات في شبكات تنشط لاستقطاب النساء المغربيات للعمل في الدعارة؛ خاصة اللواتي يتراوح عمرهن بين 18 و25 سنة، واللواتي تم إقناعهن بالعمل الليلي والاشتغال في المقاهي والكباريهات، ليجدن أنفسهن ضحية شبكات متخصصة في الدعارة. هؤلاء النساء - في رأي حيدرة - يقدمن صورة سيئة عن المرأة المغربية، داعية إلى إنشاء شبكة بين النساء المغربيات لمواجهة هذه التحديات.
خطر الإصابة بالإيدز داخل العلبة الليلية القريبة من فندق «لايكو» تشتغل سبع مغربيات من مدن مختلفة، اثنتان منهن صديقتان، فيما الباقيات تعرفن على بعضهن في «واغا». أعمارهن تتراوح ما بين 25 و29 سنة، ويعشن في المكان نفسه، وهو عبارة عن فيلا وفرها لهن الوسيط اللبناني الذي يعملن لفائدته. والمهمة، هي «مجالسة الزبائن»، تقول أسماء بابتسامة تحمل الكثير من الرسائل والإيحاءات. الحياة في واغا صعبة، تواصل «أسماء»، وتضيف «ليس لدينا ما نفعله، لا أسواق ولا متاجر ولا أي شيء، وحياتنا هي الليل، بحيث ننام بالنهار ونستيقظ للعمل بالليل». تطوف أسماء بين الطاولات حاملة طلبات الزبائن، وتحفزهم على المزيد من الشرب لأن في ذلك زيادة لعمولتها. أسماء كغيرها من زميلاتها، لا تعرف شيئا عن بوركينافاسو غير الأجر الشهري. تقول «نحن نشتغل لأن الأبواب في المغرب موصدة، وأنا لم أشأ أن أسافر إلى الخليج لأن الأمور هناك جد معقدة، ثم إن الدخل تراجع بشكل كبير بالنظر إلى كثرة العرض، أما هناك فالأمور مختلفة كليا، والمغربيات يمثلن عز الطلب». على غرار باقي البلدان الإفريقية، يتطلب السفر إلى بوركينافاسو إجراء تلقيح ضد مجموعة من الأمراض المعدية المنتشرة بالقارة السمراء. وأحيانا يكون طلب دفتر التلقيح شرطا للعبور في المطار، غير أن «أسماء» لا تعير للأمر أهمية. تقول «لم أجر أي تلقيح، وهنا يقولون بأن الأمراض منتشرة، لكنني والحمد لله، لم أعان لمدة سنتين من أي شيء على الرغم من أنني لم أجر أي تلقيح ولم أتناول الأدوية». وحتى أثناء مضاجعة الزبناء، تؤكد «فإن الأمور تتم بشكل طبيعي، والاحتياطات لا تتعدى ما هو معهود لدينا» . أسماء مثل باقي زميلاتها، غير آبهة بالأرقام الصادمة حول انتشار الأمراض المعدية بالقارة الإفريقية، خصوصا داء فقدان المناعة المكتسبة، فقد أدى «الأيدز» إلى وفاة ما يقرب من 10 ملايين نسمة من سكان إفريقيا، ومنذ انتشار هذا الوباء القاتل أصيب به قرابة 30 مليون إفريقي، ويمثّل هذا العدد 70 % من حالات الإصابة في العالم، كما أدى إلى فقدان قرابة 11 مليون من الأطفال لآبائهم وأمهاتهم، فيما بينت إحصائية صادرة عن مؤسسة مراقبة البيئة الدولية «وورلد ووتش» أن مرض «الإيدز» المنتشر في قارة إفريقيا سيؤدي بحياة 40 مليون من الأفارقة في السنوات العشر المقبلة. وعلى الرغم من أن مشاكل القارة الإفريقية كثيرة، حيث تكثر الصراعات القبلية، وتنتشر الأمراض، ويكثر الفقر، وترتفع معدلات الأمية، وتهاجر العقول المثقفة من أبنائها إلى أوروبا وأمريكا وغيرها، وتكثر الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة والمجاعات المدمرة، إلا أن أحلام «أسماء» وزميلاتها كثيرة ولا تحصى أيضا. تقول «إفريقيا هي الرهان، المستثمرون الكبار حولوا الوجهة صوب القارة السمراء، وأكيد أن ذلك سيكون له أثر على نشاطنا، فنحن نعيش معهم، ونبحث أيضا عن منافذ جديدة». وتضيف «حتى عالم الدعارة يخضع للتطور، فهو سوق مفتوحة، ويتطلب التخطيط أيضا».
قصص مثيرة لكل واحدة من الصديقات السبع، قصة مثيرة، ومسار أكثر إثارة، لكنهن في النهاية اجتمعن تحت سقف واحد، يزاولن مهنة واحدة هي الدعارة. عندما ترعرت في حي مهمش في ضواحي العاصمة الرباط، كانت طالبة مجدة، متواضعة في ملبسها وتأخذ دراستها على محمل الجد. «حليمة، اليوم، تبلغ من العمر 26 ربيعا، كانت ترتدي الحجاب وتنهض مبكرة في الصباح لصلاة الفجر قبل أن تغادر البيت للمدرسة، ولكن كل هذا كان قبل أن يبدأ صاحب البيت في العائلة بالمطالبة بإفراغ السكن...لم يكن هنالك من وظيفة... والوالد الطاعن في السن أصيب باستفحال مرض السكري الذي يعاني منه لحد الآن. في حالة من اليأس... اضطرت «حليمة» لاتباع نصيحة أحد المعارف والتوجه للعمل في ملهى ليلي معروف بتركيا .. تقول «لقد كنا نحن أسرة محافظة .. ولكن خسرنا كل شيء .. خسرنا بيتنا وحتى شرفنا بسبب الفقر!»، وتضيف «لم أفكر يوما في السفر، لكن الحاجة دفعتني إلى ذلك، ومن تركيا توجهت إلى الكوت ديفوار، حيث التقيت وسيطا لبنانيا بإسطنبول، هو من عرض عليّ تغيير الوجهة نحو إفريقيا». بدأت «حليمة تعمل في ملهى ليلي مقابل 7000 دولار للشهر بدون عمولات. تقول «بدأت نادلة...فأنا صاحبة شهادة جامعية ولم يكن متاح لي غير ذلك». وتضيف بمرارة «عالم الليل عالم خائن..كل شيء فيه ينقلب على بعضه، تماما كما انقلبت من نادلة إلى باغية». كانت حاجة «حليمة» إلى المال قوية، وكانت إغراءات عالم الليل أقوى، حسب روايتها، ما جعلها تندس فيها رويدا رويدا..تقول «بدأت في مضاجعة زبائن محدودين، ثم تطورت القصة فيما بعد، إلى أن تعرفت على وسيط لبناني آخر اقترح اصطحابي إلى بوركينافاسو بدلا عن الكوت ديفوار». استجابت «حليمة» للعرض دون تردد...ففي لحظة بدأت أحلام أخرى تتشكل في ذاكرتها...الأجر المنتظم الحلال...والبيت والأسرة...ولما لا الزواج والأطفال. كل شيء بدأ ورديا، وانقلب عالم الليل إلى نقمة قررت أن تتخلص منها بلا رجعة. تقول «تخيلت أن الوسيط أحبني، وكنت مغفلة، وفهمت كرمه واهتمامه في غير محله...فرحت كثيرا في البداية، لأن الإحساس بالاحترام بدأ يتسلل شيئا فشيئا لدواخلي». وتضيف «لكن كل شيء انقلب في لحظة وسرعان ما عدت لاستقبال زبائني من جديد، لكن بشكل مختلف، فقد كنت أستقبلهم ببيتي لا في الشقق المفروشة كما كان في السابق».
تقارير دولية تحذر من تنامي نشاط شبكات تهجير المغربيات نحو إفريقيا كشف تقرير الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان حول الاتجار بالبشر، أن المغرب أصبح يعتبر مصدرا لهذه الظاهرة وكذلك وجهة وممرا لها وذلك بالنظر إلى عدد ضحايا الاتجار. وأبرز التقرير أن عدد شبكات الاتجار بالبشر بالمغرب والتي تمكنت مصالح الأمن الوطنية من إلقاء القبض على أعضائها ما بين سنوات 2009 و2012، وصلت إلى ما مجموعه 405 شبكة، أغلبها ينشط بمدن الرباط ، الدار البيضاء والقنيطرة. الرابطة تناولت في تقريرها مختلف أوجه الاتجار بالبشر والتي تشمل ظواهر تطبعها ممارسات قسرية استغلالية كظاهرة استغلال النساء والفتيات في الدعارة أو ما يعرف بالبغاء وما يحيط به من أنشطة من مثل الوساطة والإغراء ورعاية المواخير، والاتجار بالأطفال من خلال البيع والعمل في المواد الإباحية والسياحة الجنسية، والرق أو العبودية القسرية، كما تناولت ما بات يُعرف بظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية، فضلا عن ظاهرة الاستغلال القسري التي يتعرض لها المهاجرون المتحدرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء خلال مسار تنقلهم نحو أوروبا. وسجلت الهيئة الحقوقية أن حكومة بنكيران لم تستكمل بعد، الإجراءات الخاصة بخصوص المصادقة الرسمية على بروتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال المكمل للاتفاقية الأممية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وذلك بالرغم من المصادقة عليه في مجلس وزاري منذ ماي 2009، مشددة في هذا الصدد على ضرورة صياغة تشريع وطني متكامل لمعالجة قضية الاتجار في الأفراد، حيث يعتمد أسس وأحكام البروتوكول السالف الذكر. وأوضح التقرير أن ظاهرة الاتجار بالمغربيات واستغلالهن في الدعارة بدول المشرق العربي، يرجع إلى وجود شبكات منظمة تنشط داخليا وخارجيا، وأوردت الرابطة في هذا السياق، استنادا إلى دراسة ميدانية نشرتها مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج أن 70 في المئة من المغربيات اللواتي هاجرن إلى بلدان عربية خليجية، تم عن طريق شبكات الدعارة، فيما أشارت أن دراسات ميدانية أخرى أظهرت وجود ما لا يقل عن 20 ألف مغربية معظمهن قاصرات في سوق الدعارة، مما يجعلهن يعشن أوضاع استغلال جنسي بشع في بلدان عربية، أما تقرير الخارجية المغربية، فقد كشف أن العاصمة السورية وحدها بلغ بها عدد ما يسمى «الفنانات المغربيات» 2000 مواطنة مغربية، إضافة إلى اللواتي يشتغلن في المراقص الليلية بمواصفات أخرى. وأفادت الرابطة أن بعض التقارير السرية كشفت أن سوق دعارة المغربيات بدول الخليج تدر على القائمين عليها أكثر من 7 مليار سنتيم، كما أشارت إلى أن ما بين 2002 و2012 تم ضبط أكثر من 1000 مغربية في حالة تلبس في امتهان الدعارة بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تمت إدانة أكثر من 800 منهن بالسجن النافذ بهذا البلد، وحوالي 200 بدولة الكويت. والقارة الإفريقية ليست معزولة عن اهتمامات مافيا تهجير البشر، فقد حذرت منظمات عديدة من تنامي استغلال فتيات مغربيات للعمل في مجال الدعارة بالقارة السمراء. وتعتبر دول نيجيريا وغينيا وبوركينافاسو والكوت ديفوار البلدان الأكثر جذبا، والأكثر نشاطا لمافيا الاتجار بالبشر. ويدير هذه الشبكات وسطاء غالبيتهم من جنسيات لبنانية وسورية. ويتم القذف بهؤلاء الفتيات في بلدان تعاني تدني المستوى التعليمي والصحي والاقتصادي. وحسب تقارير دولية، فإنه غالبا ما لا توجد امرأة إفريقية واحدة لم تشهد ممارسة العنف ضد امرأة أخرى، الرجال يقاتلون في الحروب والنساء هن الضحايا، سواء بسبب انهيار البنية التحتية، أو إجبارهنّ على الوقوع ضحية الاستغلال الجنسي للبقاء على قيد الحياة، أو معاناة آثار ما بعد الحمل، ناهيك عن الأمراض المنقولة جنسيا... وأصيبت 56% من الإفريقيات في الدول الواقعة جنوب الصحراء بالإيدز، وهو ما يعادل 75% من المصابات بالمرض القاتل على مستوى العالم، وفي بلد مثل ليبيريا أوضحت دراسة أن 93% من نسائها تعرضن لأشكال متعددة من العنف، بما فيها العنف الجنسي.